مع ارتفاع أسعار جميع السلع في مصر خلال الفترة الماضية، انتشرت بكثرة السلع المغشوشة والتي شهدت إقبالا كبيرا من المواطنين نظرا لانخفاض أسعارها نظير السلع غير المغشوشة.
وتنتشر في القاهرة الكبرى الأسواق العشوائية، كما الأمر في مختلف محافظات مصر، بصورة مخيفة في السنوات الأخيرة، في المقابل لا يوجد رقابة وإجراءات رادعة من قبل الحكومة المصرية لوقف بيع هذه السلع وحماية المواطنين من الحصول على مثل هذه السلع المغشوشة.
وتعتبر الحرائق من التداعيات المأساوية للغش التي شهدتها مصر خلال الفترة الماضية التي نشبت خلال عام 2021 والتي بلغ عددها 51533 حريقا، واحتل الماس الكهربائي المركز الثاني لأسباب نشوب الحرائق بنسبة 21٫1% أي بواقع 10863 حريقا، وذلك بسبب غش الأسلاك الكهربائية.
إلى جانب هذا يعتبر الغش في السلع الغذائية من التجارة الرائجة التي تهدد حياة المصريين، وحول هذه الظاهرة قال الدكتور مصطفى عبدالرؤوف راشد، خبير إدارة الأزمات بجامعة سوهاج، إن "الغش التجاري انتشر مؤخرا بشكل كبير ليشمل كافة أنواع السلع والمنتجات، مع أنه في الأساس مصطلح قانوني بحت يقصد به عدم استيفاء أحد المنتجات الغذائية الشروط الفنية والقانونية، وأحد أنواعه وأشكاله المتعددة هو إضافة بعض المواد أو تقليلها من سلعة أو منتج معين، حتى يفقد قيمته الفعلية".
وأضاف راشد في تصريحات صحفية أن الغش التجاري مرتبط ارتباطا شديدا بالسلع الغذائية، ولكن بعد انتشار ما يسمى بالتسويق الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومسارعة بعض أصحاب الشركات والمصانع للترويج لمنتجاتها من أجل ضمان تحقيق أكبر قدر من الانتشار وتوزيع المنتجات بطريقة سهلة أصبح الأمر أكثر تعقيدا، فكثيرا ما نسمع عن الغش الإلكتروني، فالمعروض إلكترونيا غير الموجود بالفعل، من حيث الجودة والنوعية أو حتى السعر المعلن.
وحذر من توغل مشكلة الغش الإلكتروني في كافة المنتجات سواء كانت غذائية (صناعية أو زراعية) أو ملابس أو منتجات كهربائية، والتي أصبحت تؤرق المواطنين في ظل الأزمات الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الجميع، والتي قد يتولد عنها مشكلات أخرى، مثل اختفاء منتجات بعينها من السوق وظهور منتجات بديلة أقل منها في الجودة وأعلى في السعر.
وأوضح راشد أن هناك عددا من الأطراف مشتركة في انتشار هذه المشكلة، فالمواطن طرف فيها بتخاذله عن الإبلاغ عن حالات الغش التجاري، وكذلك أصحاب المصانع والشركات والمحلات الذين يسعون لتحقيق أكبر قدر من التوزيع بأقل قدر من التكلفة، كما تعد الأجهزة الرقابية شريكا أساسيا في انتشارها بتقاعسها عن القيام بدورها المنوط بها على أكمل وجه.
وتشير تقارير وزارة التموين والتجارة الداخلية، المكلفة عبر أجهزتها الرقابية وضباط وزارة الداخلية، بضبط عمليات الغش التجاري، إلى وجود علاقة ثلاثية بين مراكز تجميع وتصنيع وتوزيع البضائع المغشوشة بالأسواق. تظهر عمليات الضبط، وجود بؤرة واسعة بمنطقة "الزبالين" بجوار جبل المقطم، وقلعة صلاح الدين شرقي القاهرة، إذ يتولى جامعو المخلفات وتجار "الروبابيكيا" تجميع وتهيئة عبوات الأغذية والمشروبات والمستحضرات الطبية الأصلية بأنواعها ومرطبات الشعر والوجه، وتنظيفها وتوفيرها لمصانع "بير السلم" التي تتولى إعادة تعبئتها وبيعها في الأسواق الشعبية، على أنّها منتج أصلى، لكن رخيص الثمن.
كما رصدت تقارير رسمية، في الآونة الأخيرة، انتشار السلع المغشوشة، من زيوت وقطع غيار السيارات ومعدات الإنتاج، ومكسبات الطعم والعطارة والتوابل والشاي والقهوة.
من جانبه، يطالب رئيس المجلس المصري للشئون الصحية، والبرلماني السابق، محمد شرف، برفع عقوبة الغش التجاري والصناعي إلى جناية، وعدم الاكتفاء بأن تكون مجرد مخالفة عادية.
وأوضح في تصريحات صحفية: "أنه يجب محاسبة الغشاش في صناعة الأدوية، بجريمة "الشروع في القتل" لأنه يقدم منتجه لأشخاص معلقة حياتهم بين الحياة والموت، فإذا كانت المواد الداخلة في الصناعة ضارة فالنتيجة موت المريض، وإذا لم تكن ضارة كالنشا والدقيق التي تضاف أحيانا في صناعة العقاقير، فإن المريض لن يعالج وسيتعرض للموت، وفي الحالتين وقعت جريمة الشروع في القتل.
ويرى في تغليظ العقوبة أن المتلاعبين في الأدوية بخاصة، يغشون وهم يعلمون عواقب جريمتهم، إما بشراء خامات رخيصة، وتصنيعها في "بير السلم" (أي غير مرخصة) فيكون تأثيرها الطبي ضعيف، أو يضع التركيبة والخامات الصحيحة، ولكن بكميات أقل، وفي الحالتين هو غش خطر على حياة الإنسان.
وكانت جمعية "الحق في الدواء" قد رصدت وفاة 5 أشخاص، إثر حقنهم بمضادات حيوية مغشوشة، خلال العام الحالي. وكشفت هيئة الدواء التابعة لوزارة الصحة، في بيان على موقعها الرسمي، عن وقوع غش تجاري في 15 صنف دوائي، منذ يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار 2022.
الجدير بالذكر أن الغش التجاري يخضع للقانون رقم 281 لسنة 1994، ويركز في مواده على الغش في المواد الغذائية، ولا يحاسب إلا في حالات العمد، بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز 5 سنوات، وبغرامة ما بين 10 آلاف و30 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.