أصبح الشغور الرئاسي أمراً واقعا وملموسا، فمع منتصف ليل اليوم تدخل الجمهورية اللبنانية في مرحلة الشغور الرئاسي الخامس، فلا توافق حتى اللحظة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية عبر المجلس النيابي المنقسم على نفسه، وحكومة تصريف الاعمال فُتح حولها جدلاً دستورياً بعد توقيع الرئيس ميشال عون مرسوم قبول استقالتها.
وإنطلاقاً من هذا الواقع، سؤال واحد بات يُطرح في الاروقة السياسية: من سيدير مرحلة الفراغ؟ أو من سيحكم البلاد خلال المرحلة المقبلة؟.
رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي حسم موقفه، واعلن انه سيستمر في تصريف الاعمال "لأنه ما من شيء سيتغير عليّ"، وفي رسالته الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، اعتبر ميقاتي أن الحكومة مستقيلة أصلاً عملًا بأحكام الدستور، وبالتالي فإن مرسوم قبول استقالة حكومته الذي وقّعه رئيس الجمهورية يفتقر إلى أي قيمة دستورية.
وفي أول مهمة له خارج لبنان بعد الإجراءات الرئاسية، يتوجّه ميقاتي إلى الجزائر اليوم، ليرأس وفد لبنان إلى القمة العربية الدورية السنوية عشية انطلاق اعمالها في العاصمة الجزائرية يرافقه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب ووزير الطاقة وليد فياض، ما يشير الى ان الحديث عن مقاطعة او تعليق الوزراء المحسوبين على التيار الوطني عملهم في الحكومة غير وارد.
وبما ان "الجنرال"، فعلها وقّع مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، ما هي كلمة الدستوريين؟
رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص اشار الى أنه من المألوف والمُتعارف عليه دستوريّاً، بأن يقوم رئيس الجمهورية في كلّ مرة تستقيل فيها الحكومة، أن يَعمد الرئيس إلى تكليف رئيس للحكومة بناءً على استشارات نيابية مُلزمة وفق دستور ما بعد الطائف، وبالتالي، وبعد الإتفاق على الحكومة، فإنه يوقّع 3 مراسيم، 2 منها يُوقّعها الرئيس مُنفرداً بمقتضى المادة 54 من الدستور وهي مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء الجديد ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، مشيرا الى ان ما قام رئيس الجمهورية ، بإصدار مرسوم اعتبار الحكومة مُستقيلةً فقط من شأنه ترك إرباكٍ سياسي، إلّا أنّه لن يُغيّر من المُعطى الدستوري القائم، إذ أنّ مرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلةً كما هو الواقع الحالي مع بدء ولاية مجلس النواب حيث تُعتبر مستقيلة وفق المادة ٦٩ من الدستور، هو مُعطى دستوري حُكمي، وبالتالي فإن هذا المرسوم لا يُعتبر مرسوماً إنشائياً constitutif بل إنه مرسومٌ إعلاني declaratif، تنحصر مفاعيله باعلان المُعطى الدستوري المتمثل باعتبار الحكومة مستقيلةً أصلاً.
أما قانونياً، فهناك وجهتا نظر الأولى: تقول إن لا قيمة لتوقيع الرئيس عون لأن الدستور لم يحدد شكل الحكومة التي تستلم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال فراغ المنصب الرئاسي الأول.
والثانية: هي أقرب إلى استخدام تقاطع عدة مواد من الدستور عبر التمييز بين مجلس الوزراء وبين الحكومة، حيث ان الدستور يعطي مجلس الوزراء مجتمعًا صلاحيات الرئيس، في حين أن حكومة تصريف الأعمال - التي تصبح مجلس الوزراء حين انعقادها - لا تجتمع، وبالتالي أصبحنا اليوم أمام واقع لا يوجد فيه رئيس للجمهورية ولا حكومة، والمجلس النيابي هو هيئة انتخابية، ومع التباعد بين الأفرقاء السياسيين الحاصل اليوم، هناك شبه استحالة أن يتم الاتفاق على رئيس للجمهورية اللبنانية.
من جهته، أكد المحامي ميشال قليموس ان لا يمكن الحديث عن فراغ رئاسي إنما شغور، لأن الفراغ غير مقبول دستوريا، هناك شغور في موقع الرئاسة وسببه عدم انتخاب رئيس جمهورية سندا للمادة 73 ضمن الفترة التي كان يجب ان يصدر خلالها. عدم انتخاب الرئيس فتح المجال لخيارات متعددة. لا فراغ في لبنان ولهذا نص الدستور على ان "الحكومة تبقى تصرّف الأعمال بعد استقالتها حتى تعيين حكومة جديدة. وحتى لو تشكّلت حكومة تبقى حكومة تصريف أعمال حتى تاريخ نيلها الثقة من المجلس النيابي".
في غضون ذلك، اشارت اوساط سياسية الى ان هناك وجهتا نظر قانونيتان حول موضوع الحكومة، وبالتالي فإن الأيام المقبلة ستشهد صراعًا سياسيًا محتدمًا على السلطة سيكون له تداعيات على الواقع الاقتصادي والمعيشي المتدهور، مشيرة الى ان عدم اكتمال السلطة التنفيذية بشقيها رئيس الجمهورية والحكومة، سيكون له تداعيات على مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وعلى الإصلاحات المطلوبة أقلّه للحصول على الكهرباء والغاز من الأردن ومصر.
ورأت الأوساط السياسية ان الكيدية السياسية التي تحكم لبنان اضاعت على شعبه الكثير، ولا زالت تمعن في ذلك في ظل الوضع والذي يتطلب منهم جميعاً العمل صفاً واحداً لخروج البلاد من ازماتها.