الموت عقوبة السجناء في لبنان.. والقوانين على الرف!

زينة أرزوني - بيروت

2022.10.24 - 12:10
Facebook Share
طباعة

هل أصبح الموت عقوبة السجناء في لبنان؟، سؤال بات يؤرق المساجين واهاليهم بعد وصول عدد المتوفين داخل السجون اللبنانية الى 30.


فمع وفاة الموقوف محمود قطايا في سجن رومية المركزي، والذي حمل رقم 30 تكون السجون اللبنانية تحولت الى مقابر عوضاً من ان تكون مكاناً للتنشئة والاصلاح، حيث يشير مصدر رسمي متابع لملفّ السجون الى ان هذه الحادثة ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة هذا العام، مشيراً إلى أن أغلب الموقوفين المرضى ينقلون إلى سجن رومية الذي يضمّ مأوى احترازياً، يحوي أصحاب الأمراض المعدية وغيرها، ما يرفع عدد الوفيات فيها، مؤكداً أن تراجع مستوى النظافة وسوء التغذية في السجون، وغياب العناية الطبية في حالات المرضى في أماكن التوقيف، يلعب دوراً مساعداً في ذلك.


أهلاً بكم في سجون لبنان، الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود، إذا سنحت له الفرصة ولم يخرج على حمالة، هذا ليس تضخيماً للامر، ولكنه واقع الحال في السجون اللبنانيّة التي يسقط ضحيّة اكتظاظها وغياب الرقابة الطبيّة فيها بعض السجناء الذين من المفترض أن تتوفر لهم شروط حياة صحيّة ملائمة لحين انقضاء فترة محكوميتهم، غير أن الموت كان أقرب لهم من الحرّية المنتظرة، فكانوا ضحيّة قلّة التمويل والاوضاع الصبعة التي تمر بها البلاد وإنسحب على كل مفاصل ومؤسسات الدولة، فانتهى المطاف بهؤلاء أرقاماً تضاف إلى الذين سبقوهم ولم تُذكر أسماؤهم حتّى حفاظاً على ماء وجه الدولة أمام المجتمع والمنظمات الحقوقيّة.


"سجناء لبنان أموات على قيد الحياة"، هكذا تصف رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين رائدة الصلح حال المساجين في لبنان، مؤكدة أن السجون قنبلة موقوتة، لا نعلم متى تنفجر، ولا أحد يمكنه تكهن نتائج ذلك وتداعياته.


ومع كل حالة وفاة، وارتفاع صوت الاهالي واتهامهم المسؤولين بالتقصير، تسارع ادارة السجون الى التمسك بالتقارير الطبية والدعوة الى تشريح الجثة لقطع الطريق امام المشككين، ولكن هنا لا بد من السؤال لماذا هذا الارتفاع الكبير في عدد الوفيات داخل السجون مع العلم ان مرسوم تنظيم السجون (المرسوم رقم 14310/49) يؤكد على حقوق السجناء بنقلهم بأمر من قائد السجن بناء على رأي الطبيب إلى "حبس المستشفى" الذي هو غير متوفر حالياً، وعليه أن يتخذ جميع التدابير اللازمة للمحافظة عليهم (مادة 20).


كما ورد في المرسوم ايضا الحق بزيارة طبية، حيث ينبغي على الأطباء أن يزوروا السجن ثلاث مرات على الأقل في الاسبوع، ويجروا فيه تفتيشاً صحياً شاملاً، وأن يتخذوا جميع التدابير الواقية من الامراض الوبائية، وأن يعتنوا بأمر المرضى ويزوروهم كلما دعت الحاجة إلى ذلك. ويُستشارون في الأمور الصحية وخواص المأكولات التي يقدمها المتعهدون، التي تباع في الحانوت، وعليهم أن يدونوا كل ملاحظاتهم (مادة 53).


هذا وتنص قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا) على مسؤولية الدولة في توفير الرعاية الصحية للسـجناء. ويفترض أن يحصل السجناء على نفس مستوى الرعاية الصحية المتاح في المجتمع، كما يفترض أن يكون لهم الحق في الحصول على الخدمات الصحية الضرورية مجاناً، من دون تمييز على أساس وضعهم القانوني. ولا بد ان تنظم الخدمات الصحية في السجون مـن خـلال علاقـة وثيقـة بالإدارة العامـة للصحة العمومية وبطريقة تضمن استمرارية العلاج والرعاية، بمـا في ذلـك مـا يخـص فـيروس نقص المناعة البشرية والسل والأمراض المعدية الأخرى (قاعدة 24 فقرة 1 و2).


كما تَكفل جميع السجون إمكانية الحصول الفوري على الرعاية الطبية في الحالات العاجلة. أمَّا السجناء الذين تتطلَّب حالاتهم عنايةً متخصِّصة أو جراحة فينقلون إلى مؤسسات متخصِّصة أو إلى مستشفيات مدنية. ومن الواجب، حين تتوفَّر في السجن دائرة خدمات طبِّية خاصة به تشتمل على مرافق مستشفى، أن تكون مزوَّدةً بما يكفي من الموظفين والمعدات لتوفير خدمات العلاج والرعاية المناسبة للسجناء المُحالين إليها، لا يجوز إلاَّ لاختصاصيي الرعاية الصحية المسؤولين اتخاذ قرارات إكلينيكية، ولا يجوز لموظفي السجون غير الطبِّيين إلغاء تلك القرارات ولا تجاهلها (قاعدة 27 فقرة 1 و2).


تعاني سجون لبنان بحسب وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال بسام مولوي من ثلاث مشكلات، أولها الاكتظاظ، حيث بلغت نسبة المساجين 323% من القدرة الاستيعابية إضافة إلى مشكلة الطبابة والتغذية، وكشف في وقت سابق عن وجود أكثر من 8000 سجين، من ضمنهم 20.9 بالمئة فقط من المحكومين، أي أن هناك 79.1 بالمئة في السجون اللبنانية غير محكومين.


وتزداد أوضاع السجون في لبنان سوءاً لعوامل عدّة، أبرزها اكتظاظها بأعداد تفوق قدرتها على الاستيعاب بثلاثة أضعاف، والذي عزّزه إضراب القضاة المستمرّ، والتوقف عن البتّ بإخلاءات سبيل مئات وربما آلاف الموقوفين الذين يستحقون الإفراج عنهم، وبطء المحاكم بإصدار الأحكام التي تسهم بالإفراج عن المئات أيضاً، سواء ممن أمضوا فترة محكوميتهم أو ممن قد ينالون حكم البراءة.


كما ان الوعود التي أطلقها المسؤولون لحلّ معضلة السجون ذهبت في مهبّ الريح، وتجاهل البرلمان مجدداً مشروع قانون العفو العام، الذي وعد بإدراجه على جدول الجلسات التشريعية بعد الانتخابات الأخيرة، ولم ينجح وزير الداخلية بإدراج مشروع قانون تخفيض السنة السجنية من تسعة أشهر إلى ستّة أشهر، على جدول الجلسات التشريعية، كما أخفق في حثّ القضاة على تطبيق مضمون المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهو ما فاقم أزمة السجون أيضاً.


وتنص المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على انه لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين يمكن تمديدها مدة مماثلة كحد أقصى في حالة الضرورة القصوى، كما أنه لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل، ما عدا جرائم القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل، إلّا أن القضاء لم يلتزم بأحكام هذه المادة ما يُعتبر ثغرة كبيرة في جدار العدالة، بحسب ما يؤكد منسّق اللجنة القانونية في المرصد الشعبي المحامي جاد طعمة، مشيراً الى ان السجين يجد نفسه داخل السجن مجرّداً من أدنى مقوّمات العيش الكريم في ظل واقع الاكتظاظ، وعليه أن ينتظر طويلاً بين الجلسة والأخرى خاصة في ظلّ الاعتكافات والإضرابات المتتالية مؤخّراً.


ولكن اين السجون اللبنانية من مقولة ان "السجن تنشئة وإصلاح"؟، فكما يُعرف ان الهدف من العقوبة السجنية هو إصلاح سلوك السجين الجنائي وإعادة تأهيله تمهيداً لإعادته إلى المجتمع مواطناً صالحاً، إلا ان هذا يختلف في لبنان، حيث يدخل الإنسان إلى السجن مجرماً صغيراً ليخرج منه مجرماً أكبر، لسببين: الأول واقع الاكتظاظ، والثاني واقع الخلط بين المساجين رغم اختلاف جرائمهم، من هنا يتحوّل متعاطو المخدّرات مثلاً إلى تجّار داخل السجن بحكم اكتسابهم فن تجارة المخدّرات على يد تجّار أكثر تمرّساً. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 10