فيما لا تزال القوى السياسية تخفي أوراقها وأسماء مرشحيها، يبدو أن الجلسة الثانية التي حدد موعدها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الثالث عشر من تشرين الجاري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ستتخذ مسار الجلسة السابقة، إذ إنه حتى اللحظة لم يتبلور اسم مرشح لديه الامكانيات العددية والسياسية ليفوز في هذا الاستحقاق.
في غضون ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية عن "سلسلة اجتماعات عقدت في باريس خلال الأيام الماضية، حضرها مسؤولون بالخارجية الفرنسية ودبلوماسي عربي بارز، تناولت الوضع في لبنان، والانتخابات الرئاسية، وكيفية مساعدته لحل الازمة المالية والاقتصادية التي يواجهها".
واشارت المصادر الى "ان المجتمعين خلصوا في اجتماعاتهم التي استمرت ثلاثة أيام، الى تسريع الخطى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يحظى بالتفاف اللبنانيين من حوله، ولا ينحاز لفريق من دون الآخر، او يوالي دولة خارجية على حساب المصلحة اللبنانية، ويحافظ على المصلحة اللبنانية العليا، ويتمتع بعلاقات جيدة مع اشقائه العرب وأصدقائه بالخارج".
وعلى الرغم من الدعوات الخارجية التي تتوالى سواء بشكل مباشر او عبر القنوات الديبلوماسية، وتستعجل توافق اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الا ان المصادر تصفها بالمواقف التقليدية التي لا تتمتع بصفة الجدّية والإلزام، حيث لا وجود حتى الآن لأي حراك دولي جدّي ضاغط في اتجاه هذا التوافق وإتمام الاستحقاق الرئاسي في لبنان.
في ضوء كل ذلك، فإنّ الأنظار تُشخص إلى اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي يُشكّل غالبية تلتقي عندها أكثرية في المجلس النيابي، ترى فيه تعبيراً عن المُواصفات التي تطرحها، سواءٌ من كُتلٍ أو نوّابٍ مُستقلين وتغييريين.
وبدأت تُطرح فرضيات عدة من بينها أنّ الفراغ الرئاسي قد يزيد من حظوظ وصول قائد الجيش الى سدة الرئاسة الأولى، وذلك بتسوية خارجية - داخلية تنتج هذا الحلّ.
لذلك بدأت تخرج تفسيرات واجتهادات على هذا المستوى، ومنها أنّه يُصبح بإمكان مجلس النواب انتخاب قائد الجيش من دون تعديل الدستور، وتحديداً المادة 49 منه، التي تنص على أنّه "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في كلّ الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد".
اسم قائد الجيش لا تختلف عليه الكتل السياسية، فرئيس حزب القوات اللبنانية اكد في اكثر من حديث انه لن يكون ضد ترشيحه للرئاسة، الامر نفسه يؤكده البطريرك بشارة بطرس الراعي فأي شخصية يمكن التوافق عليها لا يجد الراعي مشكلة فيها.
عما اذا كنا سنشهد انتخاب رئيس جديد في جلسة الخميس، شدد جعجع على "وجوب انتخاب رئيس في هذا التاريخ ولكن استبعد نجاح ذلك لأن فريق السلطة الحاكمة لا يريد الانتخابات حاليا في ظل عدم توافقه على اسم مرشح".
جعجع استغرب "تصرّف بعض قوى المعارضة الذين لم يتخذوا قرارهم بعد ولم يتوّحدوا على مرشح واحد لاسباب نجهلها رغم ان هناك شخصية تنطبق عليها كل المواصفات المطروحة في وقت يدعون دائما الى اجراء الانتخابات قبل انتهاء المهلة الدستورية".
كتلة "الاعتدال الوطني" التي اتفقت على 90 في المئة من النقاط الأساسية مع جعجع واختلفت معه على فكرة ترشيح النائب ميشال معوض "او لا أحد"، اشارت الى ان أن "المطلوب ان يلتقي الجميع ويتناقشوا للاتفاق على الأنسب والأفضل وصولا الى انتقاء الشخص المناسب لرئاسة الجمهورية وتحديد استراتيجية معينة يتفق عليها أكبر عدد ممكن من الفرقاء".
واكد عضو كتلة "الاعتدال الوطني" النائب سجيع عطية أن "أسهم قائد الجيش مرتفعة لكن المشكلة في تعديل المرسوم، وإذا حصل التوافق حوله سنمشي به لكن أرى ان هناك صعوبة في انتخابه".
وعن سبب رفض "نواب تكتل التغيير" تأييد النائب ميشال معوض، اشار النائب إبراهيم منيمنة الى انهم "يختلفون ومعوض على عدد من الملفات، وبخاصة عدم التزامه خطا سياسيا واحدا وانتقاله من ضفة الى أخرى، اذ انه كان يؤيد التيار الوطني الحر في انتخابات 2018 وعاد ليتراجع في العام 2022 وتوجه نحو محور آخر".
وأكد منيمنة انهم "لن يرضوا باستحواذهم او تصنيفهم، او ان تفرض عليهم أية خيارات سياسية من الداخل او الخارج"، مشيرا الى انه "من واجبهم إيجاد شخصية تتطابق مواصفاتها مع مبادئ وقيم 17 تشرين، والبحث عن الاسم الأوفر حظا من سلة الأسماء لإيصاله الى سدة الرئاسة".
اما النائب علي خريس فأكد أن "المطلوب انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية وعلى كل القيمين أن يعملوا بكل جهد لإنقاذ لبنان عبر انتخاب رئيس توافقي مقبول يجمع ولا يطرح ويوحد ولا يفرق ويعمل على انقاذ لبنان ولا يشكل استفزازا لأحد".
بدوره، قال النائب بلال عبد الله الذي ينتمي الى اللقاء الديموقراطي اللبناني "ان الاولوية اليوم هي لانتخاب رئيس للجمهورية"، مشيرا الى ان "الضغط الذي حصل تجاه تشكيل حكومة نتج من استعصاء حيازة اي فريق ثلثي المجلس". وعليه، كشف عبدالله ان "الحزب التقدمي الاشتراكي عندما حاور حزب الله سعى لفتح كوة في الجدار الرئاسي وسيستكمل الحوار واللقاءات مع باقي الافرقاء السياسيين للوصول الى مساحة مشتركة بين الاطراف"، على حد تعبيره.
"على الرئيس الجديد للجمهورية أن يكون سياديا يحمي سيادة الوطن واستقلاله كما يحمي قراره الوطني المستقل"، بحسب عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسن عز الدين، الذي اشار الى ان "هذه الأسس يمكن أن تشكل عاملا جامعا ومشتركا للقوى السياسية، لنتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية بإرادة لبنانية مشتركة بين أغلب القوى، دون الالتفات إلى الخارج".
ورأى أنه "إذا ما استمرينا بهذا التشرذم والانقسام والتوازن السلبي القائم بين القوى السياسية في المجلس النيابي، فإننا لن نتمكن من أن نصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي، على جميع هذه القوى أن تعيد النظر لأجل مصالح الوطن والناس والمواطنين، وان تتنازل عن الشروط والشروط المضادة، كي لا نذهب إلى الفراغ في سدة الرئاسة، والذي سيأخذنا إلى اجتهادات وخيارات وإجراءت غير مفيدة توصلنا إلى أفق سياسي مسدود".
وشدد على "ضرورة أن يعمل الجميع من أجل الوصول إلى تفاهمات تتيح للمجلس النيابي أن يخرج برئيس للجمهورية يحمل في وجدانه وعقله وروحه وتفكيره عناصر قوة لبنان وإنجازات هذه القوة التي حققتها المقاومة".