لم يلبث السوريون أن خرجوا من التداعيات التي فرضها "شبح كورونا" عليهم لأكثر من عامين، حتى باتوا مهددين في الوقت الحالي بـ"شبح آخر"، بعدما دقت السلطات الصحية في منطقتي نفوذ (الحكومة والادارة الذاتية) خلال الأيام الماضية "ناقوس الخطر"، كاشفةً عن تسجيل عشرات الإصابات بمرض "الكوليرا"، وبعض الوفيات أيضا، من كبار السن والأطفال.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إنها تعكف مع السلطات الصحية في سوريا على دراسة أسباب تفشي الكوليرا في 5 مناطق مختلفة.
وحتى الثلاثاء، أعلنت وزارة الصحة السورية تفشي الكوليرا في 5 محافظات هي حلب واللاذقية ودمشق ودير الزور والحسكة، في الوقت الذي توفي 7 أشخاص على الأقل من بين 53 إصابة مؤكدة.
وقالت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، إيمان الشنقيطي بشأن أسباب ظهور إصابات بالكوليرا، إنه كان لتغير المناخ تأثير عالمي، وسوريا واحدة من البلدان المتضررة.
وبالإضافة إلى ذلك، أدى انخفاض تدفق نهر الفرات، والنقص الكبير في الوقود لتشغيل محطات الطاقة، فضلاً عن هشاشة البنية التحتية للمياه ومرافق الإصحاح التي دُمر الكثير منها أو تضرر أثناء الأزمة السورية، خاصة في المناطق الريفية، ما أدى إلى الاعتماد على مصادر مياه بديلة وغير مأمونة في كثير من الأحيان لتلبية احتياجات فئات من السكان من المياه، وفق "الشنقيطي".
وتشهد المناطق الخاضعة لنفوذ القوات الكردية والحكومة في ريف حلب الشمالي انتشار سريع لمرض الكوليرا بين أهالي عفرين المهجرين قسرًا إلى ريف حلب الشمالي، في ظل تقاعس المنظمات الإنسانية الدولية عن تأمين المياه الصالحة للشرب واعتماد الأهالي على الآبار الجوفية، وذلك بعد توقف المنظمات الإنسانية الدولية منذ مايقارب العام في إمداد المنطقة بالمياه الصالحة للشرب بحجة قلت الدعم.
ويظهر "الكوليرا" عادة في مناطق سكنية تعاني شحا في مياه الشرب، أو تنعدم فيها شبكات الصرف الصحي. وغالبا ما يكون سببه تناول أطعمة أو مياه ملوثة، ويؤدي إلى الاصابة بإسهال وتقيؤ.
وبعد نزاع مستمر منذ 11 عاما، تشهد سوريا أزمة مياه حادة، على وقع تدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وهو ما أشار إليه رئيس البعثة الأوروبية، دان ستوينيسكو، صباح الثلاثاء، بقوله عبر "تويتر": "لقد دمّر الصراع ثلثيْ محطات معالجة المياه ونصفَ محطات الضخّ وثلث خزانات المياه، مما سبّب حاليا نقصا في شبكات مياه الصرف الصحي الملائمة أو مياه الشرب".
وأضاف أن "إتاحة الحصول على مياه شرب آمنة و الصرف الصحي من حقوق الإنسان المعترف بها دوليا"، وأنه "ثمة حاجة حقيقية إلى احتواء هذا التفشي (الكوليرا) قبل أن يزداد انتشارا ويصيبَ عددا أكبر من الأشخاص في سوريا و المنطقة".
بدوره، أعرب المنشق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، عمران رضا عن قلقه الشديد إزاء تفشي الكوليرا المستمر في سوريا، موضحا أن التقييمات الأولية السريعة تشير إلى أن "مصدر العدوى يُعتقد أنه مرتبط بشرب الأشخاص مياه غير آمنة من نهر الفرات، واستخدام المياه الملوثة لري المحاصيل".
ولا تزال "الكوليرا" تشكل تهديدا عالميا للصحة العامة، واعتبر رضا أن "هذه الفاشية في سوريا مؤشر على النقص الحاد في المياه في جميع أنحاء البلاد".
ويعتمد الكثير من السكان، الضعفاء بالفعل، في سوريا على مصادر المياه غير المأمونة، التي قد تؤدي إلى انتشار الأمراض الخطيرة التي تنقلها المياه، خاصة بين الأطفال.
ويجبر نقص المياه الأسر على اللجوء إلى آليات التكيف السلبية، مثل تغيير ممارسات النظافة أو زيادة ديون الأسرة لتحمل تكاليف المياه.
ووفق المسؤول الأممي، فقد تم "تكثيف مراقبة الإنذار المبكر في المناطق التي تم الإبلاغ عن تفشي المرض فيها وفي مناطق أخرى شديدة الخطورة، بما في ذلك في المخيمات التي تستضيف الأشخاص المشردين داخليا".
وسلم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أربعة آلاف اختبار تشخيصي سريع لدعم عمل فرق الاستجابة السريعة المنتشرة للتحقيق في الحالات المشتبه فيها، كما أوصل السوائل الوريدية وأملاح معالجة الجفاف عن طريق الفم إلى المرافق الصحية حيث يتم قبول المرضى المؤكدين.