تزداد معاناة المسنين والمتقاعدين في سوريا، يوما بعد يوم ، مع تردي الاوضاع الاقتصادية في كل المناطق السورية. إلا أن التبعات الصحية والاجتماعية للتقدم بالعمر تحملهم عبئا أكبر من غيرهم، يعجزون عن تحمله. لم يعد المسنون والمتقاعدون في سوريا يحصلون على الحد الأدنى من شروط العيش الكريم.
يقول أحد المسنين: “راتبي التقاعدي لا يتجاوز مئة ألف ليرة سورية، أي أقل من ثلاثين دولار، ومن المفترض أن يكفيني أنا وأسرتي، التي تضم زوجتي وابنتيّ. كنت آمل بآخر عمري أن أجد الراحة، بعد عملي الوظيفي الطويل، لكني اليوم أعجز عن تأمين بعض المتطلبات الأساسية لأسرتي، بسبب محدودية دخلي التقاعدي وارتفاع الأسعار، خاصة مع حاجتي إلى سلة من الأدوية أسبوعيا، بما فيها علاج مرضي الضغط والكوليسترول، الذين ارتفعت أسعار أدويتهما مؤخرا”.
وتقول سيدة ستينية عن اضطرارها للعمل في سنها المتقدم لإعالة نفسها: “زوجي مريض، وأولادي يعملون في محافظات أخرى ولديهم عائلاتهم، لذلك أنا مضطرة للاعتماد على نفسي. أعمل خارج البيت منذ أربع سنوات، أي منذ أن عدنا لمنطقتنا بعد أن كنا نازحين عنها. والحمد لله هنالك بعض المحسنين، الذين يساعدونني أحيانا”.
من جهتهم يؤكد أطباء في علم النفس والاجتماع أن “حال كبار السن اليوم مؤلم للغاية، وهم يعانون من الصدمة، فقد عجزوا عن مجاراة الانهيار الاقتصادي، وسط تحديات نفسية شديدة الصعوبة. فكثير منهم وجد نفسه متروكا ووحيدا، بعد أن غادره أبناؤه أو توفوا. ما جعل المسنين السوريين يخسرون مفهوم العائلة، التي تعد الركيزة الأساسية للحياة الاجتماعية السورية”.
ويضيف الأطباء : “الجانب الاقتصادي ترك آثاره النفسية على المسنين والمتقاعدين في سوريا، فباتوا يشعرون بعدم جدوى الأعمال والمهن، التي قضوا سنوات من عمرهم وهم ينشطون بها. فكيف يمكن أن يقتنع رجل في الثمانين من العمر، كان يعيش على خمسة آلاف ليرة سورية قبل عشر سنوات، أن هذا المبلغ لا يكاد يشتري شيئا اليوم؟”.
ويعتبر ناشطون أن الحكومة السورية مقصرة اجتماعيا تجاه ما يعانيه المسنون والمتقاعدون في سوريا، قائلين “للأسف الحرب السورية شتت شمل أسر كثيرة، وآباء كثر باتوا بلا مأوى ولا أبناء، فكان الأجدر أن تولي الحكومة السورية الاهتمام لدور المسنين. لكن عوضا عن ذلك نجد أن دور رعاية المسنين تضع عددا من الشروط قبل الموافقة على قبول أي مسن، ومن بينها ألا يتخطى عمره سبعين عاما، وأن يكون غير مصاب بمرض الزهايمر. بينما تصل تكلفة الإقامة في دور رعاية المسنين الخاصة إلى أكثر من ربع مليون ليرة سورية في الشهر، من دون ثمن الأدوية، وفي حال الحاجة إلى مرافق يزداد المبلغ”.
عدد دور المسنين المفعّلة حاليا في سوريا لا يتجاوز العشرين دارا، تدار بالتعاون مع المجتمع الأهلي، إضافة إلى دارين حكوميتين، الأولى هي دار الكرامة لرعاية المسنين في دمشق، والثانية مبرة الأوقاف لرعاية المسنين بحلب، بينما توجد دار للمسنين في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وتضم خمسة وعشرين شخصا مسنا فقط.