مرتدياً "عباءة" لا بدلة عسكرية، التقى متزعم هيئة "تـ ـحـ ـر يـ ـر الـ ـشـ ا م" ، أبو محمد الجولاني بأهالي أريحا وجبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، معلناً نفسه كمسؤول عن الشأن الخدمي، بحضور شخصيات ووجهاء من الشمال السوري.
الظهور المدني للجولاني جاء بعد توالي الانتقادات الشعبية لممارسات مسلحي "الهيئة" والانتهاكات المستمرة ضد الأهالي في مناطق سيطرتها بشكل عام، ما اضطره للعمل على إعادة تحسين صورة الهيئة في نظر المدنيين من الناحية الخدمية على حساب العسكرة التي باتت "مشوهة بأفعالها ضدهم" وفق قولهم.
بالعودة إلى لقاء الجولاني بالأهالي، فقد تصدرت الخدمات مجمل حديثه، مستعرضاً ما تقوم به الهيئة منذ سنوات لجعل المنطقة "قابلة للحياة" بما يستحق أبناءها الذين صمدوا طيلة سنوات الحرب، مصوراً نفسه على أنه "حامي مصالح الثورة والثوار وبأنه خلع عباءة تنظيم القاعدة وليس إرهابياً".
وحاول الجولاني الترويج لخطة استراتيجية جديدة للهيئة عبر تنفيذ مشاريع خدمية تلبي مطالب الأهالي التي وكما ذكر أنها "محقة" واعداً بالعمل البناء وخلق مناخ استثماري وسط الحرب، معززاً دور العناصر العسكرية بحماية هذه الأعمال والدفاع عن مناطقهم من أي عمليات هجومية.
ومع توقف العمليات العسكرية لـ "تـ ـحـ ـر يـ ـر الـ ـشـ ا م" منذ عام 2020، بدأ الجولاني بالترويج لنفسه على أنه قيادي شعبي يرعى مصالح وخدمات الناس بالظهور المتكرر بلباس مدني في مناطق أهلية بعيداً عن الميدان واللباس العسكري، في مخطط يريد من خلاله كسب الشارع والتأييد الشعبي بعد ما ارتكبته الهيئة من جرائم في مناطق الشمال.
استغلال الخارج لإشعال الداخل
على الصعيد الدولي، يقدّم الجولاني نفسه على أنه الزعيم الوحيد في مناطق سيطرة الفصائل السورية شمال البلاد، سواء للجانب التركي أو الأمريكي، ليكسب ثقة الأطراف الخارجية من جديد وسط النزاعات العالمية والضغط على ممثلي اللاعبين الدوليين في الجبهة السورية.
لا يُعد ظهور الجولاني في هذا التوقيت إلى في إطار محاولة "إنعاش" الهيئة باستغلال الحرب الروسية في أوكرانيا ليعلن بشكل غير مباشر بأنه "القيادي القادر على القتال وتحقيق مصالح حلفائه الخارجيين في الداخل السوري بدعم شعبي من مكان سيطرته، مقابل تلقيه الدعم العسكري لمواجهة قوات السلطة السورية وحلفائها.
رغم إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عبر برنامجها الخاص "مكافآت من أجل العدالة" قبل عامين، عن مكافأة قيمتها عشرة ملايين دولار لكل من يقدم معلومات عن مكان الجولاني الذي اعتبرته واشنطن "متزعماً لفصيل إرهابي" منتصف عام 2018، إلا أن القوات الأمريكية لم تقترب من متزعم الهيئة رغم خروجه العلني في مناطق سيطرة قواته في إدلب وريفها، ما يثير الشكوك حول حقيقة الموقف الأمريكي من الجولاني.
العباءة المدنية!
مطلع عام 2021، شهدت إدلب بداية الانتفاضة ضد الهئية بخروج مظاهرات حاشدة ضد زعيمها الجولاني، وذلك بعد انتهاكات عناصر الهيئة وممارسات اعتبرها الأهالي أنها تحرف مسار الثورة وتعزز الانقسام الشعبي عن الثوار الحقيقيين، في إشارة منهم إلى "سقوط صفة ثوار عن مسلحي الهئية"، مطالبين بالإطاحة بالجولاني ومجموعاته أو طردهم إلى خارج إدلب.
وعقب المظاهرات، بدأ الجولاني بالتسويق لنفسه "مدنياً" خلال ظهوره الأول دون لباس عسكري في حفل تخريج دورة تدريبية في إدلب بحضور الصحفي الأمريكي مارتن سميث منتصف حزيران 2021، وفي نهاية العام نفسه، ظهر الجولاني بلباس مدني في اجتماع برعاية "مجلس الشورى" نهاية تشرين الثاني من العام الماضي.
.jpg)