رغم تصريحها منذ خمس سنوات على سحب قواتها تدريجياً من المنطقة، تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تعزيز وجودها في سورية والعراق بعد أن اعلنت عام 2018 نهاية الحملة ضد (د اع ش) والعمل على عودة الجنود منها إلى قواعدهم.
بعد أحداث 11 أيلول عام 2001، تمحورت الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط حول مجموعة من الأهداف أبرزها، التصدي للإرهاب، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل واستقرار الأنظمة الصديقة وتدفق النفط بأسعار مناسبة، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، إضافة إلى مساعيها بالحفاظ على أمن اسرائيل.
بالعودة إلى أول بنود الاستراتيجية حول مواجهة الإرهاب من مفهوم واشنطن، فقد أخذت المرتبة الأولى من الاهتمام الأمريكي في المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر وفقاً لدراسة لمركز أبحاث الشرق الأوسط، وقد اعتمدت تلك التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم (د اع ش) في تمويل نشاطاتها وتطوير قدراتها على العالم الإسلامي وكان من أهدافها تقويض أنظمة الشرق الأوسط المتحالفة مع الولايات المتحدة، لذا سعت واشنطن على مواجهة تهديدات تلك التنظيمات التي تستهدف أصدقاءها وتقديم المساعدات اللازمة لها لحفظ استقرار المنطقة.
ووفق الاستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب يطالب البيت الأبيض بأن يتحمل حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مزيداً من العبء في مكافحة “الإسلاميين المتشددين” مع الإقرار بأن تهديد الإرهاب لن يتم القضاء عليه نهائياً، كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تتجنب الالتزامات العسكرية المكلفة ”المفتوحة“.
وفي عام 2019، تخلت واشنطن عن خطة انتشارها العسكري التقليدية منذ 2019 في قواعدها الخارجية وخاصة في المنطقة، حيث باتت تعول على تركيز قوات جوية وبحرية وفرق محدودة من المارينز بدل قوات عسكرية برية استغنت عن جزء كبير منها في قواعدها خاصة في الكويت وقطر والامارات مع الإبقاء على قوات بحرية في البحرين ودعم القواعد البحرية كمركز عمليات للقوات البحرية الأمريكية التي يبلغ عددها أكثر من 3400 في منطقة الشرق الأوسط، واستقطبت السعودية أكبر تركز لقوات المارينز(Marines) بنحو 1200 جندي، في المقابل اقتصر أكبر تمركز للقوات المتواجدة الدائمة في قطر على القوات الجوية حيث تأوي الدوحة أكبر قاعدة جوية للقوات الأمريكية بالخليج. من جهتها باتت الكويت مركز عمليات حيوي جدا تعوّل عليه واشنطن من اجل إدارة العمليات العسكرية الطارئة في العراق او في دول الجوار.
وفي بلاد الرافدين، تبقي واشنطن على نحو 2500 من القوات العسكرية المؤقتة أغلبها من المستشارين مهامهم متركزة على تدريب الجيش العراقي وتعزيز التعاون الاستخباراتي وأيضاً دعم قوات التحالف الدولي ضد (داع ش).
أما في سورية التي لا يظهر تحديث بيانات توظيف عناصر الجيش الأمريكي في قواعده الخارجية أي معلومات عن الحجم الحقيقي للقوات المنتشرة هناك، وتحتفظ وزارة الدفاع بنحو 900 عسكري في الأراضي السورية بزعم مقاتلة التنظيمات المتطرفة ولكن تحت صفة قوات مؤقتة مثلها مثل تصنيف شكل التواجد الأمريكي بالعراق.
جميعها مؤشرات على إبقاء القوات الأمريكية في المنطقة بدل سحبها، خاصة مع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، وتوجه عدد من الدول العربية والخليجية على بناء تحالفات جديدة بديلة لواشنطن التي باتت "قوتها العظمة" مهددة.
في الوقت الحالي وسط ظروف وتبعات الحرب الأوكرانية، تسعى دول المنطقة لتثبيت وضعها في التطورات العالمية الجديدة مع التأكيد من أن عالم القطب الواحد إلى زوال، والاستعداد لحقبة سياسية جديدة أطلقتها الحرب الروسية في أوكرانيا باعتبارها أكبر الحروب منذ عام 1945 عقب الحرب النازية.
ورغم تأثير الحرب في أوكرانيا على الدور الأمريكي عالمياً، تعزز واشنطن نفوذها في الخليج والدول الغنية نفطياً وتتحه إلى اعتماد خطة التواجد العسكري الدائم بالخليج العربي حتى نهاية 2030.