بعد ان أثار حديث نائب رئيس الحكومة، سعادة الشامي، عن إفلاس البلد بلبلةً خصوصاً في الأوساط الاقتصادية والمالية، صرح رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، إن الخبر حول إفلاس لبنان كان مقصوداً بهدف بث الذعر وإحباط اللبنانيين.
وفي هذا الإطار، أوضحت المتخصّصة بالاقتصاد النقدي في البلدان المدولرة، ليال منصور، أنّ “الشامي خانه التعبير، إذ لا يُقال عن الدولة أفلست، علماً أنها مفلسة، لكن المصطلح الصحيح هو التخلّف عن الدفع”.
و لفتت منصور في حديث صحفي إلى أنّ “مستخدمي الكلمات الدقيقة والصحيحة هم مَن انتفضوا بوجه تعبير الشامي. فكلمة إفلاس تُستخدم للشركات، والمؤسّسات، والمصارف، ولها إجراءات قانونية كالحجز، والتسييل، وبيع الأصول وإعادة الأموال لأصحاب الحق. لكن هذا الأمر غير ممكن بالنسبة للدولة”.
إلّا أنّها أشارت إلى أنّ، “المعنى صحيح. فلبنان أفلس منذ تخلّف عن دفع سندات “اليوروبوندز”، وهذا أسوأ ما قد يصل إليه البلد، إذ الأزمة مرتبطة بسعر الصرف. ولا تنتهي الأزمة حتى تغيير نظام سعر الصرف”.
من جهته، قال ميقاتي إنه “حصل تقدم في مقاربة الملفات الأساسية المرتبطة في برنامج التعافي مع صندوق النقد الدولي والمناقشات مستمرة، وبإذن الله سنتفق على كل النقاط”.
وأضاف: “نحن أمام واقع صعب ولكن بالتأكيد لن نستسلم وسنظل نعمل لوضع البلد على سكة التعافي، والضجة التي رافقت كلام نائب رئيس الحكومة كانت مقصودة بهدف بث اليأس والذعر وتيئيس اللبنانيين، فما قاله كان يهدف إلى دعوة الجميع للتعاون للخروج من الواقع الصعب، وتوصيف هذا الواقع بطريقة علمية”. وأكد أن “وزارة الداخلية ماضية في الخطوات لإجراء هذا الاستحقاق”.
محاولات التبرير، وإن كان الشامي لا يقصد ما قاله حرفياً، إلّا أنّ البلد يعيش واحدة من أخطر أزماته، وهو بمثابة المفلس عملياً، ولا بد من خطة طارئة للتعافي والاستعجال في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لوضع حد للانهيار الحاصل منذ 3 سنوات.
محطات بارزة أثّرت بشكل كبير في الاقتصاد اللبناني.
في العام 1958، عصفت بلبنان أزمة كبيرة خلال عهد رئيس الجمهوريّة الراحل كميل شمعون كانت ستجرّه نحو حرب أهليّة مبكرة. تبع ذلك تداعيات خارجية تمثّلت بتدخّل أميركي مباشر، وأخرى داخلية ارتبطت بمطالبة المعارضة آنذاك بالإصلاح الإداري والسياسي، وهو مطلب مشروع لطالما أثارته منذ العام 1946.
لكنَّ الاقتصاد اللبناني نجح في تخطي الأزمة بناءً على عوامل عدة، أهمها عقيدة الاستثمار والتجارة المترسخة لدى المجتمع، والاغتراب اللبناني وعلاقاته العالمية، ومهارة اليد العاملة اللبنانية والطلب العربي الكبير عليها، والسرّية المصرفيّة التي كانت تؤدي الدور الأساسي في جذب الأموال والاستثمارات.
بعدها، كانت النكسة العربية في العام 1967، و"اتفاق القاهرة" في العام 1969، الذي أقرّ نقل اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان. ووقع الاقتصاد اللبناني في الفخ السياسي، حين أُغرق بأموال السلطة الفلسطينية، ما أسَّس للحرب الأهلية في ما بعد.
في العام 1975، اندلعت الحرب الأهليّة، واستمرّت حتى العام 1990، إذ قُدِّرَت الخسائر المباشرة التي أصابت رأس المال الإنشائي والتجهيزي في القطاعين العام والخاص بنحو 25 مليار دولار أميركي، مع ما رافقها من انهيار في سعر صرف الليرة اللبنانية في العام 1992، وبناء منظومة مالية جديدة تثبّت سعر الليرة مقابل الدولار.
وفي العام 2005، أحدث اغتيال الرئيس رفيق الحريري زلزالاً سياسيّاً في البلاد، لكنها استطاعت تخطي الأزمة اقتصادياً ومالياً عبر رفع معدل الفوائد على الودائع بالليرة اللبنانية. وبعدها، وقع العدوان الإسرائيلي في تموز/يوليو 2006، وما نجم عنه من تدمير ممنهج للبنى التحتية والمدن والقرى اللبنانية.