خلقت مفرزات الأزمة المُستمرة بتداعياتها منذ سنوات وضعاً معيشياً خانقاً على السوريين عموماً ، وليس أهالي محافظة ديرالزور بمنأى عنها ، سلة الغذاء في الشرق السوري ماعادت كذلك مع خروج حقول النفط والغاز عن سيطرة الدولة السوريّة ، ولا عادت الزراعة بمحاصيلها الاستراتيجية وأراضيها المُستثمرة بمساحاتها الشاسعة كذلك ، ليضرب الفقر والعوز أطنابه على أغلب عوائلها ، وزادت العقوبات الأمريكيّة غير الشرعيّة من سوء الأوضاع ، فيما تبدو الحوالات المالية الخارجيّة الواردة من ذويهم المغتربين وممن هاجر نتيجة الأحداث المتنفس الأكبر للديريين معيشياً .
* تعددت الأسباب :
فرضت أوضاع الحرب وماخلفته من سوء الأوضاع والدمار للممتلكات ، وانعدام الاستقرار في هجرة الكثير من أهالي المحافظة ، وكانت النسبة الأكبر من الفئات الشابة ، هؤلاء ومن كانوا في المغترب منذ ماقبل الأزمة شكّلوا المورد الرئيسي للحوالات الماليّة القادمة من الخارج كما يُشير الأستاذ المُحاضر بكلية الاقتصاد في جامعة الفرات " أمين العلوش " لوكالة " أنباء آسيا : " اضطرت ظروف الحرب التي عاشتها دير الزور لهجرة الكثير من شباب المحافظة إلى الخارج ، كما لجأت الأسر هناك فترة سيطرة تنظيم " داعش " لإخراج أبنائها خوفاً عليهم من الانجرار خلف فكره وتجنيدهم فيه ، هؤلاء يُشكلون أعداد كبيرة خارج سوريّة ، وهم ليسوا منخرطين في التنظيمات المُسلحة التي تُحارب الدولة السوريّة، شكّل لبنان وتركيا قبلة تواجدهم للعمل ، ناهيك عمن قصد الدول الأوروبيّة فعملَ هناك ليتلقى مردوداً مالياً يتم تحويل جزء منهم لذويهم في سوريّة ، أو مما يتلقونه من إعانات كمُهجرين وفق قوانين الضمان الاجتماعي المعمول به لديها "
أحد أساتذة الاقتصاد بالجامعة ( اعتذر عن ذكر إسمه) أكدّ في حديثه أن الحوالات الواردة من الخارج تعتمد عليها نسبة كبيرة من الأهالي هنا : " الاعتماد على مايرد من حوالات ماليّة خارجيّة في تأمين متطلبات المعيشة في مختلف أشكالها يُشكل نسبة تصل إلى 70% في عموم سوريّة وفق إحصاءات رسميّة حتى نهاية العام المنصرم ، هذا الأمر ينطبق على جميع المحافظات ومنها دير الزور ، قبالة وضع معيشي خانق طال متطلبات الحياة الأساسيّة، من مأكل ومشرب وملبس ، مروراً بإعادة إعمار مادمرته الحرب على مستوى المنازل
، حيث تجده في مدينة ديرالزور( مركز المحافظة ) قد تجاوز 60% في 7 أحياء ، والأخرى كان جزئياً ، هكذا أمر ، إضافةً لماذكرناه آنفاً من احتياجات المأكل والمشرب والملبس تحتاج موارد لتأمينها ، فمن فقد منزله يحتاج لتأمين منزل إلى مبالغ تتراوح مابين 50 - 70 - 100 مليون ليرة سوريّة لشرائه ( على الهيكل ) لايستطيعها أغلبية من يعيشون هنا ، وحتى لمن يحتاج منزله ترميماً ، ناهيك عن متطلبات الدراسة والطبابة ... إلخ ، والتي تجتاحها موجة غلاء فاحش ، مع الإشارة إلى أن من يعتمدون على الوظيفة العامة كمورد رزق لهم يُشكّلون نسبةً لا يُستهان بها "
وأضاف : " كما يُعد المغتربون في الدول الخليجيّة أحد أهم موارد الحوالات القادمة من هناك ، إذ تُشكل العمالة الموجودة في تلك الدول من أبناء دير الزور نسبة كبيرة ، منهم من يتواجد منذ 40 عاماً وأكثر ، ومنهم منذ ماقبل اندلاع الأزمة ، هؤلاء شكّلوا رافعة معيشية لأعداد من الأسر لا يُستهان بها " وعن هكذا تحويلات من مغتربي دول الخليح أشار شيخ عشيرة المجاودة " فيصل العكلة العبيدي " إلى أنها مُعتمد رئيسي للأهالي في تدبر أمورهم المعيشيّة الصعبة في ظل هكذا أوضاع : " لا نستطيع وضع أرقام وأعداد بهذا الصدد ، لكن الأمر نلمسه واقعاً كما في مدينة " البوكمال " وأريافها التي تُعد من أكثر مناطق المحافظة تصديراً للمغتربين هناك ، سواء للتدريس ، أو للعمل في المنشآت والحقول النفطيّة وغيرها من فعاليات اقتصاديّة ، بل إنّ هؤلاء أسهموا في عمليات إعادة الإعمار في قراهم وبلداتهم ، تجد ذلك في بلدة " السيّال " إذ ساهم مغتربوها بوضع 17 محولة كهرباء كلفت ملايين الليرات ، بغية إعادة التيار الكهربائي ، مع تأهيل مساجد ومدارس وغيرها من مرافق ، كذلك وجدنا ذلك في بلدات " المجاودة ، العباس، الغبرة ، صالحية البوكمال ، القوريّة " وغيرها من مناطق "
ثلاث قنوات تحويل :
يعتمد قسم كبير من الديريين على مردود الحوالات الخارجيّة ، فرق العملة أنعش أوضاعهم بمختلف الأشكال ، الأمر له مُنعكسات إيجابيّة على مستوى الأفراد المستفيدين، ناهيك عن الأوضاع بالمحافظة بشكل عام ، لذا كان هنالك بالتوازي إجراءات حكوميّة لضبط التحويلات وفق القنوات الرسميّة منعاً لتغلغل أي تحويلات مشبوهة في ظل الاستهداف الجاري لسورية ، حسب تصريح مدير فرع شركة " الفؤاد للتحويلات الماليّة بدير الزور رجل الأعمال" حسين الشويش " : " من متابعتنا في عملنا اليومي نجد أن نسبة لا يُستهان بها من أهالي المحافظة مُعتمدهم الرئيسي في تدبر أمور حياتهم هي تلك التحويلات ، إضافةً لشركتنا هناك شركتين أخرتين منوطٌ بهما صرف تلك التحويلات ، طبعاً وفق المبلغ الرسمي الموضوع من قبل مصرف سوريّة المركزي ، فهم يقبضون قيمها بالليرة السورية، والأمر أكثر أماناً من السوق السوداء التي تنشط في عموم سوريّة ، فالحوالات الواردة إلى سوريا من الخارج تعتبر ذات تأثير إيجابي إذا جاءت عبر القنوات الرسميّة المُرخصة كالبنوك و شركات الحوالات و الصرافة وذلك لأن ورود الحوالات بالقطع الأجنبي يدعم الليرة السورية بشكل كبير في سوق الصرف ومن نتائج ذلك تحسن قيمة الليرة السورية و تثبيت قيمتها تجاه الدولار وفي أحيان كثيرة انخفاض سعر الدولار التدريجي مقابل الليرة السورية ، أما دخول هذه الحوالات الأراضي السورية عبر شبكات السوق السوداء وتجاوز القنوات الرسمية فيلحق أضراراً كبيرة بالاقتصاد الوطني ويفتح المجال للمضاربات على الدولار الأمريكي الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابله " .
" الشويش " بيّن أنّ الحل الأمثل لإنهاء حالة الغلاء التي تضرب الأسواق هو بتأمين انسيابيّة البضائع والمواد التي يستوردها التجار ورجال الأعمال دون فرض رسوم خارج القانون ، لتأتي التحويلات كإضافة على الوضع الاقتصادي للمواطن والدولة ، لا كحالة طارئة تُستنزف في سوق الغلاء .
ضبط رسمي :
من جانبه مدير فرع مصرف سوريّة المركزي بدير الزور " عمار حاج عبيد " لفتَ في حديثه لوكالة " أنباء آسيا " أنّ الإجراءات الحكوميّة قبالة عمليات التحويل المالي جاءت في اتجاهات إيجابيّة ولاشك ، فهي تؤمن وصولاً آمناً لها للمُستفيدين بعيداً عما يطالها من حالات نصب واحتيال ، إضافةً لتحقيق الفائدة للاقتصاد الوطني ، والأمر يعم الوطن ككل : " مبلغ الصرف المُعتمد بشكل رسمي هو 2825 ليرة سورية ، فالدولارات التي تُحول عبر تلك الشركات تُعطى من قبلنا بالليرة السوريّة منعاً للإضرار بسعر الصرف والمضاربات التي يقوم بها أشخاص وجهات خارج أو داخل سوريّة ، إجراءات المركزي ضيقت الخناق على السوق السوداء والتعاملات المالية عبره فألقت القبض على الكثير من المتعاملين بالدولار والتجار في السوق السوداء، كما أغلقت العديد من مكاتب الصرافة التي تتعامل بتحويل الأموال عبر طرق غير مشروعة ، ناصحاً من يلجأ في التحويل بهكذا طرق للتوقف عن ذلك ، " فما يربحه من فرق السعر بين الرسمي والسوق السوداء يدفعه غرامات مُضاعفة عند القبض عليه ، علماً أن متابعة هؤلاء مُستمرة من قبل الجهات المُختصة ويُسجل منها بشكل يومي " هذا ويرى مواطنون بدير الزور ضرورة اعتماد سعر مُجزٍ للمبالغ المُحولة من الخارج ، لاسيما لعملة " الدولار" فهو الوارد الأكبر ، إذ قارب سعره 4 آلاف ليرة في السوق السوداء، وسعر الصرف الرسمي غير مُجزٍ ، مُشيرين إلى أن ذلك يُسهم في انسيابية أكبر للتحويلات ، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي العام ، ومعه على مستوى الأفراد .