بعد أقل من عامين، تبدل الموقف التركي الرافض للتقارب أو التطبيع من اسرائيل، إلى الساعي للتطبيع بشكل علني وواضح وصريح.
ففي أغسطس من عام 2020، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لقبه الإخوان ( بخليفة المسلمين)، بسحب سفيره من العاصمة الإماراتية أبوظبي، وتعليق العلاقات. وانتقد الرئيس التركي الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الذي قضى بإقامة علاقات ثنائية مباشرة، وهي الصفقة التي تم التوصل إليها بوساطة أميركية.
وبعد أقل من عامين، من موقف أردوغان تجاه أبو ظبين بدأت حالة من التقارب بين تركيا واسرائيل، وشهدت الأيام القليلة الماضية اجتماعات رفيعة المستوى بين مسؤولين إسرائيليين وأتراك في القدس المحتلة، وزيارة للرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ تركيا استمرت لمدة يوميين.
تلك الزيارة التي وصفها أردوغان بأنها "فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين تركيا وإسرائيل"، وخطوة تعكس رغبة المنافسين الإقليميين في إصلاح العلاقات بعد سنوات من توترها.
وقال بيان مشترك صادر عن مكتب هرتسوغ ووزارة الخارجية الإسرائيلية (الخميس 17 شباط/ فبراير 2022) إن "تركيا وإسرائيل لديهما نفوذ واسع في المنطقة، وقد توافقنا على أن إعادة تأهيل العلاقات بينهما يمكن أن تسهم في ترسيخ الاستقرار الإقليمي".
في المقابل، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي العربية، سخر كثيرون من بعض الألقاب التي اشتُهر بها أردوغان على غرار "خليفة المسلمين" و"أسد السنة"، واتهموه بأنه كان "يتاجر" بالقضية الفلسطينية لا أكثر. واستنكر معلقون "الاستقبال المهيب" و"الحفاوة البالغة"، وبخاصة عزف النشيد الوطني الإسرائيلي.
ونشر الكاتب الفلسطيني جهاد حِلِّس صورةً لأردوغان مع ضيفه مغردا عبر صفحته قائلا: "في يوم من الأيام رُفعت صورته على جدران غزة وكتب تحتها، القدس تنتظر الرجال! عارٌ عليك يا أردوغان، وعلى كل من خان وباع وطبّع!".
وكتب الفلسطيني علاء شعت: "المهاجم ‘لإسرائيل‘ في كل منصّة ارتدى عباءة التطبيع كغيره (... ) لا فرق بينك وبين غيرك، مُطبّع متسلّق لن تنال أقل مما ناله غيرك".
جدير بالذكر أن العلاقات التركية الإسرائيلية رغم أن ظهرت خلال السنوات الماضية وكأنها متوترة، إلا أن علاقاتهما تربطهما عدة مجالات أبرزها اقتصادية منذ عام 1949. من المعروف أن العلاقات الاقتصادية التركية الإسرائيلية لم تنقطع بصورة كلية، واستمر تسيير رحلات الشحن بين أنقرة و"تل أبيب" على الرغم من القطيعة السياسية في إثر أزمة قتل "إسرائيل" ناشطين أتراكاً كانوا متوجِّهين إلى قطاع غزة على متن سفينة مرمرة التركية عام 2010، إذ عادت العلاقات إلى تسيير رحلات التبادل التجاري بصورة رسمية في عام 2020 بين شركة "العال" الإسرائيلية وأنقرة، بصورة دائمة.
إلى جانب هذا، كشفت تقارير عبرية عن أن ملف التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط كان في صلب المحادثات بين تركيا واسرائيل. وقال أردوغان في وقت سابق إن البلدين يمكنهما العمل سويا لنقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا، في إحياء لفكرة نوقشت لأول مرة منذ أكثر من 20 عاما.
وكان مد خط أنابيب الغاز تحت سطح البحر من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا قد تعثر في كانون الثاني الماضي، وذكر مسؤول تركي بارز إن غزو روسيا لأوكرانيا أظهر أن هناك حاجة لخطوات ملموسة لتنويع مصادر الطاقة في السوق.
وسحبت إدارة الرئيس جو بايدن الدعم الأمريكي لخط أنابيب "إيست ميد" شرق البحر المتوسط، الذي يهدف إلى نقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى الأسواق الأوروبية. الخطوة التي أشاد بها أردوغان بووصفها بـ"انتصار" معلقاً: "إذا كان للغاز الإسرائيلي أن يصل إلى أوروبا، فلا يمكن أن يتم ذلك إلا عبر تركيا... يمكننا الجلوس والتحدث عن الشروط".
ومشروع "إيست ميد"، الذي وقعته إسرائيل واليونان وقبرص في بداية 2020 بدعم من إدارة ترامب، كان من المقرر استكماله بحلول عام 2025 ليوفرما يصل إلى 10% من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي. وهذا ما دفع المفوضية الأوروبية إلى إدراج "إيست ميد" في قائمتها لما يسمى بـ"مشاريع المصالح المشتركة".
وخلال الأيام الماضية، ومع تصاعد الأوضاع و امتداد فرض العقوبات على روسيا لتصل إلى مصادر الطاقة، يطمح مسؤولون أوروبيون في أن يخفض الغاز الإسرائيلي من اعتمادهم على الغاز الروسي، ولذلك فإن أي اتفاق إسرائيلي تركي محتمل حول تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا سيكون محط اهتمام للأوروبيين أيضاً.