واخيرا ً اقر مجلس النواب اللبناني قانون المنافسة، القاضي بإلغاء حصرية الوكالات التجارية ويكون لبنان بهذا القرار آخر دولة في العالم تلغي هذه الوكالات.
فبعد أكثر من خمس وخمسين عاماً من الاحتكار لفئة خاصة وسنوات طويلة من الأخذ والرد، صوتت معظم الكتل النيابية لصالح هذا القانون، خاصة أنه مطلب إصلاحي دولي لتطوير النظام الاقتصادي، وخروج الاقتصاد اللبناني من هيمنة أصحاب الوكالات الحصرية وتحكّمهم في المنتجات والأسعار لأغلب السلع الأساسية. لذلك فإن هذا القانون فتح باب المنافسة للجميع وسوف يساهم في كسر الاحتكار وسينعكس ايجاباً على حركة الأسواق، فيؤدي إلى خفض الأسعار.
ويتمثل ايضاً في فتح باب المنافسة بين التجار داخل الصنف أو السلعة الواحدة. فهناك أدوات إلكترونية مثلاً بمقدور تجارها الحصول عليها بأقل من سعرها في الأسواق العالمية ، إلا أنه ونتيجة للوكالات الحصرية يمنعون من استيراد العلامة التجارية المعينة وحصرها بعلامة تجارية من نوع وجهة واحدة. لذلك أردنا أن نصف اقتصاد لبنان بأنه اقتصاد ليبيرالي حر، ويجب أن يكون حراً في الاتجاهين بالنسبة إلى التاجر والمستهلك على حد سواء . ففي حالتنا اليوم السعر يُحدد من قبل شخص واحد أو جهة واحدة ،وهي التي تملك الوكالة الحصرية وهذا يمثل امتيازاً لعدد محدود من الأشخاص في البلد وبالتالي بالمعايير التجارية. فإن هذا القانون المفروض على لبنان، كان قانوناً متخلفاً، وجرّ خلفه عدة أزمات وجعل السوق والمستهلك اللبناني رهيناً لمنتجات معينة.
البعض بيّن تخوفه من هذا القرار، لأنه يفتح الباب للمنتجات الرديئة والتي لا ترقى إلى المستوى للدخول إلى السوق اللبناني، او إلى زيادة نسبة التهريب بسبب غرق الأسواق بمنتجات من مناشىء مختلفة. الا ان هذا التخوف وإن كان مشروعاً، فيمكن ضبطه من خلال تطبيق القوانين والمقاييس والموصفات التي تراقب وتحدد نوع وكفاءة الواردات اللبنانية .
الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين
في تصريح خاص لوكالة آسيا أكد الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين أن القانون قائم على الشكل التالي، حيث أن هناك مواداً تلغي موضوع الاحتكار الكامل اي تخفيض نسبة الهيمنة من 100/100 إلى 100/35 . لكن بهذه المادة الخامسة يبقى بها نقطة ضعف، لأن التخفيض كان مطلوباً منه ان يكون بنسبة أكبر، لأنه اليوم نخشى أن تكون هناك ثلاث شركات متحكمة في السوق من جديد. العبرة هنا هي بالمراسيم التطبيقية لأننا بما اننا سندخل في مرحلة انتخابية فممكن ان تكون المراسيم سلبية بهذا الاتجاه .
اما بالنسبة عن رفع الحماية عن الوكالات بالمادة التاسعة، فاذا حصلت على حكم مبرم من القضاء، فسوف يحق لها أن تكون محمية، وهذه نقطة ضعف أخرى يعاني منها هذا القانون، لأننا نعرف أن القضاء اللبناني هو قضاء مسيس، وبالتالي يمكن انتزاع اي حكم قضائي بهذا الموضوع. لذلك فإن الوكالات الحصرية التي تشكل أكثر من 70 /100 من حجم السوق التي يدفع ثمنها المواطن بشكل مباشر من خلال تحكمها بالأسعار وصلت الى أرقام ربحية فلكية، لأن واقع الاحتكار في لبنان هو جزء من دولة عميقة تحكمها مؤسسات مصرفية، وتجار الوكالات، التي هي امتداد للزعماء السياسيين وتتحكم بالسياسة النقدية وتستغل الشعب اللبناني وتستخدم اي منتج كورقة ضغط في لعبتها السياسية ،خصوصاً في المنتجات الأساسية مثل الوقود والغذاء الذي يشكل عصب الحياة الأساسية. إضافة إلى ما تُكلفه هذه الوكالات على الدولة اللبنانية، والتي أعلن عنها البنك الدولي عام 2011 حيث تكلف الواقع الاقتصادي أكثر من 30 /100 وهي أعلى كلفة مرتفعة في العالم.
ولذلك حتى نتيقن بأن الموضوع اكتمل ونحصل على الاطمئنان الكامل لهذا الملف، فذلك لا يتم الا بإخضاع اي شركة أو شخص للضريبة التصاعدية حتى لا يتحكم بالأسعار وتكون كلفتها مرتفعة جداً على دخل الفرد والعاملين بالقطاع العام والخاص، وتثبيت واقع الاستهلاك وتشجيع الإنتاج المحلي حتى لا يصبح لبنان مجرد سوق استهلاكي.
أول خطوة لإلغاء القانون كانت عام 2002 ، أقرّ خلالها عدة مشاريع قوانين ومراسيم تهدف الى منع الاحتكار في مجال استيراد السلع على اختلافها، بما فيها الدواء والمشتقات النفطية وتشجع على المنافسة. واستكمالاً لهذا الأمر أحالت الحكومة الى مجلس النواب بالمرسوم الرقم 7484 مشروع القانون بتعديل المرسوم الاشتراعي الرقم 34/67 والذي نص على إلغاء الوكالات الحصرية مقابل إعطاء أصحاب هذه الوكالات حق تقاضي مبلغ يعادل 5% من قيمة البضائع والسلع التي تشملها الحصرية وذلك لمدة 5 سنوات، الا ان رئيس الجمهورية حينها العماد أميل لحود رد القانون الى مجلس النواب، بعد حملة إعلانية إعلامية سياسية - طائفية اعتبرت أن إلغاء الاحتكار هو تعريض لجودة ونوعية السلع المستوردة وصولاً الى حد اعتبارها تشكل اعتداءً على حقوق طوائف معينة. ولا زالت هذه الفكرة تتردد في وسائل الإعلام حتى بهذا الوقت ،واعتبار إقرار هذا القانون اعتداء على الطائفة المسيحية وكأن الوكالات الحصرية جزء من حق طائفي.
لذلك فإن خطوة القرار تحتاج أن تكون مكتملة، وتتبعها قوانين تعززها من خلال إطلاق يد المؤسسات الامنية والرقابية، لممارسة دورها في محاسبة المتلاعبين بالأسواق، والتربح غير المشروع وضبط الأسعار ورفع الحماية القانونية عن الكثير من المؤسسات والشركات.