نشرت مجلة "ذا ديبلومات" مقالًا لفت فيه الكاتب إلى أن هنك كثير من يطرح الكثير من التساؤلات التي يطرحها عدد من المراقبين عن شكل الشرق الأوسط بعد تراجع سطوة الولايات المتحدة فيه، وعن قدرة القوى والأقطاب الدولية المنافسة لواشنطن في لعب دور فاعل وملء فراغ القوى العالمية الأولى.
وأضاف الكاتب في مقاله أنه صحيح أن الولايات المتحدة ليست سعيدة بتضاؤل نفوذها القديم في المنطقة، لكنها أيضًا لا تبدو مصرة على البقاء أو تكبد معاناته، بل إن البعض يعتقد أنها لا تمانع من دخول روسيا والصين نحو المنطقة، لسبب بسيط وهو أن الإدارة الأمريكية، قد ترى في النزاعات العرقية والطائفية والرمال المتحركة في الشرق، بيئة مثالية لاستنزاف منافسيها الدوليين، الصين وروسيا، كما حصل معها.
وفي المقال يذهب الكاتب إلى الاعتقاد بأن "منطقة الشرق الأوسط ليست جائزة يجب أن نخشى انتزاعها من قبل الآخرين؛ بل هي عبء يجب أن نرغب في أن يتحمله أسوأ أعدائنا". هل إلى هذا الحد أصبحت منطقة الشرق الأوسط منفرة بعين الأمريكيين، لدرجة انهم لا يخشون من فقدان النفوذ فيها، بل يعتبرونها مستنقعًا يستنزف خصومهم؟ هل يملكون أسبابًا مقنعة لذلك؟ الفكرة التي باتت تتكرر في كتابات الكثير من المحللين الغربيين تدور حول أن التوسع الأمريكي في الشرق الأوسط لم يكن بالمحصلة مفيدا لواشنطن، وأن على القوى الدولية الأخرى أن تتعلم من التجربة الأمريكية المتعثرة، أو أن "تخاطر بتكرار التجربة على مسؤوليتها الخاصة". ولعل من المفيد تذكر أن المخاوف الأمريكية القديمة، من أن الاتحاد السوفييتي قد يغزو معظم المنطقة، خصوصًا الخليج النفطي، كانت ركنا من أركان سياسة واشنطن، خلال الحرب الباردة، وكان مبدأ كارتر، الذي تم تبنيه بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان، واعتمد على التهديد بالقوة لمنع التوغلات السوفييتية في منطقة الخليج العربي، هذه المخاوف كانت تحمل الكثير من المبالغة من المنافس السوفييتي، كما يعتقد أصحاب هذا الرأي، فلم يتحول النظام الإيراني لحليف سوفييتي حينها، بل إن التدخل السوفييتي في أفغانستان، نتج عنه إضعاف قوة موسكو الدولية، وهو ما يودون تكراره في حالة روسيا اليوم. ويجادل الكاتب في أنه حتى في نزاع أفغانستان والروس، فإن الوجود الروسي لم ينجح في تفادي المستنقع الأفغاني، وفشل بالتالي ويضيف "أن فكرة قدرة المنافسين الأمريكيين على الهيمنة عسكريًا على المنطقة، مهما كانت رغبتهم مشكوكًا فيها إلى حد كبير، لا يمكن للصين ولا روسيا تجنب القوى المحلية والطائفية التي أقلقت وأفسدت دور الوجود الأمريكي الأخير، كما أن جيوشهما أقل قدرة على شن حرب احتلال، من المنطقي أن نرحب بالخصوم الذين ورثوا عدم الاستقرار والصراعات والمظالم"، ويعتقد أن الروس والصينيين وبعد أن شهدوا تجربة تدخل واشنطن في المنطقة في العقود الأخيرة، سوف يختارون ببساطة الانسحاب ويتحركون بدلاً من ذلك نحو نهج أكثر بُعدًا ومركزًا على الاقتصاد.
هذه الطروحات بضرورة الهرب من الشرق الأوسط المأزوم، ليست جديدة أو شاذة، بل أصبحت مطروقة بشكل كبير من قبل القادة والمحللين وصناع القرار، وهو ما يجب أن ينعكس لدينا في المنطقة، بمحاولة لإعادة القراءة بشكل تفصيلي لـ"تضاريس النزاعات" التي أنهكت المنطقة لأسباب داخلية في الأساس، والابتعاد عن تحميل التدخل الخارجي وزر صراعات طائفية وقبلية، كانت موجودة في المنطقة، قبل نشوء الولايات المتحدة أصلًا واكتشاف القارة الأمريكية الشمالية، لقد انهكت المنطقة من هذه الدوامة المتكررة تاريخيًا، وإن بأسماء مختلفة، وجعلتها طاردة حتى للقوى التي راهنت عليها، وتمسكت فيها لعقود، قبل أن تكتشف أن ثمن البقاء فيها أغلى من المردود. صحيح أن أمريكا دولة عظمى لكن قوتها تتضاءل في بيئات مضطربة لا تملك فيها حلفاء محليين مهيمنين، وتعتبرها أبعد عنها في دائرة الأمن القومي، فتبدو كالحوت العظيم في البحر، العاجز عن البقاء خارج محيطه.
المصدر:المصدر : https://thediplomat.com/2021/06/the-modern-china-russia-us-triangle/