كشف الشريط الصوتي المُسرب لتصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن خلاف داخل المؤسسة السياسية الإيرانية بشأن الاتفاق النووي، وكشف أيضاً أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي اغتيل في ضربة أمريكية في العراق في كانون الثاني/يناير 2020، تعاون مع روسيا "لتخريب الاتفاق النووي"، وبحسب ظريف "لم تكن روسيا تريد أن ينجح الاتفاق، لأن تطبيع إيران علاقاتها مع الغرب ليس من مصلحة موسكو".
يتوافق هذا التسريب مع التقارير في العام 2015 بأن موسكو كانت متوترة من أن خطة العمل الشاملة المشتركة ستؤثر سلباً على روسيا، وكان أحد المخاوف هو أن الاتفاقية ستؤدي إلى تقارب أوسع بين الولايات المتحدة وإيران من شأنه أن يهمش روسيا بل ويقوض دورها كقوة عظمى، فضلاً عن خشية موسكو، مع رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، من أن تؤدي زيادة صادرات النفط الإيراني إلى انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي، وبالتالي تقليل دخل تصدير النفط الذي تعتمد عليه موسكو بشكل كبير.
ويرى مراقبون روس أنه إذا حدث انفراج عام بين الولايات المتحدة وإيران، فقد تسحب طهران قواتها من سورية وقد توافق على تسوية سلمية لسورية لا تترك فيها أي دور لموسكو، كما يخشى المحللون الروس من أن إيران لن تكون في حاجة كبيرة لروسيا لأن علاقاتها الاقتصادية ستكون في المقام الأول مع الغرب والصين.
لكن إن كان يُنظر إلى الاتفاق النووي الإيراني بخوف شديد في روسيا، فلماذا وافقت موسكو عليه؟
أخبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف في العام 2015 منتقدي الصفقة داخل وزارة الخارجية الروسية أن خطة العمل الشاملة المشتركة كانت ستتحقق سواء شاركت موسكو في المحادثات أم لا، بعبارة أخرى، أيدت موسكو الاتفاق لأنه كان من غير المجدي أن تعارضه.
لذلك، مع اعتبار احتمال التقارب بين الولايات المتحدة وإيران أسوأ سيناريو من قبل موسكو، كان الكرملين سعيداً بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في العام 2018 في عهد الرئيس دونالد ترامب.
تدعم موسكو اليوم ظاهرياً إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة التي تتبعها إدارة جو بايدن، لكن المنطق الروسي يشير إلى أن الكرملين لن يحزن إذا فشل هذا الجهد، وحتى إذا وجدت الولايات المتحدة وإيران أرضية مشتركة بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن موسكو لم تعد بحاجة للخوف من أن يؤدي ذلك إلى انفراج أوسع بين الولايات المتحدة وإيران لأن هناك قضايا أخرى عديدة تختلف بشأنها واشنطن وطهران، ولنكن واضحين، لموسكو مصلحة في وجود إيران عسكرياً في سورية، لأن ذلك يمنع العلاقات الأمريكية الإيرانية من التحسن.
وفي كافة الأحوال، فإن إدارة بايدن لا تتوقع مساعدة كبيرة من موسكو لإحياء الاتفاق النووي، أو إقناع إيران بإنهاء مشاركتها في سورية والصراعات الإقليمية الأخرى، أو تحسين العلاقات بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، ولكن إذا استفادت موسكو من استمرار العداء بين الولايات المتحدة وإيران، فإن رغبة إدارة بايدن في إحباط الطموحات الروسية ستكون بمثابة حافز ليس لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة فحسب، بل لتقليل التوترات بين واشنطن وطهران على نطاق أوسع.