ثلاثة شهور هي فترة قصيرة جداً في حياة الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، وبالرغم من أن أولويات الإدارة داخلية إلى حد كبير، وفي مجال السياسة الخارجية تتعلق أولوياتها بقضايا تغير المناخ ومكافحة فيروس كورونا والخلاف مع الصين، فقد شهدت سياسة الشرق الأوسط تطوراً مهماً، لا سيما فيما يتعلق باليمن وإيران، فقد وضعت الإدارة الأميركية ملف اليمن كأولوية ضمن ملفات الشرق الأوسط، من خلال تعيين الدبلوماسي تيموثي ليندركينج مبعوثاً خاصاً بشأن اليمن في شهر شباط/فبراير الماضي، والقرار الذي اتخذته بالتوقف عن إمداد المملكة العربية السعودية بالأسلحة الهجومية في حربها على اليمن.
لكن انشغال واشنطن بالملف اليمني ترافق مع غيابها عن ملفات أخرى، من بينها الملف السوري على سبيل المثال، إذ لم تتخذ الإدارة الأميركية أية خطوة عملية في التعامل مع الأزمة، بل أبدت تمسكها بالموقف من الدولة السورية واستمرار قانون قيصر.
في حين كان ثاني الملفات الخارجية التي أولى إدارة بايدن اهتماماً بها في الـ 100 يوم الأولى هو المسألة الإيرانية، فقد بدأ التمهيد لقرار العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) مع إيران، وتُرجم إلى محادثات غير مباشرة في فيينا، وكما هو متوقع، كانت إيران تختبر الإدارة الجديدة بتصعيد محدود في مختلف المسارح كطريقة لكسب النفوذ في المفاوضات، وبالرغم من الاختلافات الواسعة بين الإدارتين الأمريكية والإيرانية، فإن لهما مصلحة في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن المناطق المتنازع عليها والتي ستكون موضع توتر بين واشنطن وطهران ستركز على مسألتين: هل ستقبل إيران أي شروط إضافية على برنامجها النووي وتدخلاتها الإقليمية، وما هي العقوبات التي ستكون الولايات المتحدة على استعداد لرفعها؟
بمجرد العودة إلى الاتفاق النووي سوف تحصل إيران على رفع جزئي للعقوبات لتخفيف ضغطها الاجتماعي والاقتصادي المحلي وتعزيز استثماراتها في المنطقة، في المقابل ستحقق إدارة جو بايدن ما تسعى إليه، وستقلل من اهتمامها بإيران والصراعات الإقليمية بالوكالة التي تشارك فيها.
وبخصوص الملف الليبي حضرت الولايات المتحدة نسبياً من خلال دعمها للتوافق حول حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، والتعاون مع الشركاء الأوربيين في ذلك الصدد.
أما قرار سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول 11 أيلول/سبتمبر من هذا العام، فكان قراراً مفهوماً بالنظر إلى التعهدات المتكررة بإنهاء حروب الولايات المتحدة إلى الأبد، لكنه قد يعود ليطارد الإدارة بشكل كبير، إذ سيؤدي انسحاب القوات الأمريكية، وقوات الناتو الأخرى نتيجة لذلك، إلى إضعاف الحكومة المركزية الهشة في كابول وتقوية حركة طالبان بشكل كبير، ولن يكون لما يسمى بـ "الصفقة" بين الولايات المتحدة وطالبان تأثير يذكر على محاولة الأخيرة استعادة البلاد بالقوة، وقد لا يكون إعطاء هذا النفوذ لطالبان خياراً حكيماً على واشنطن، فقد يكون الانسحاب الأفغاني مشابهاً للانسحاب من العراق عام 2011، الذي اضطرت الولايات المتحدة بعده إلى إعادة قواتها بعد أن استغلت داعش فراغ السلطة، وربما من المدهش أن الإدارة اختارت 11 أيلول/سبتمبر موعداً للانسحاب، فهزيمة الولايات المتحدة وتراجعها عن أفغانستان سوف يتم استغلالها بالفعل كنصر تاريخي للمتطرفين عالمياً، وقد تمنحهم طاقة جديدة وقوة تجنيد بعد التراجع في ذكرى الهجوم الأصلي.