استناداً إلى المعلومات التي سلمها إليه الأردنيون حول تورط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مؤامرة لزعزعة استقرار حكم الملك عبد الله الثاني، سارع جو بايدن لإيقاف ذلك قبل فوات الأوان، فكان لتصريحه الداعم لـ عبد الله عواقب فورية على المحرض على هذا المشروع، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولنكن واضحين، لولا الدعم الواضح من واشنطن، لكان الملك عبد الله اليوم في وضع صعب، وضحية هجوم مزدوج من السعودية وإسرائيل.
لكن لماذا اختار ابن سلمان ونتنياهو تحدي حليف مثل ملك الأردن؟
يكمن جزء من الإجابة في شخصية بن سلمان، الذي لا يكفيه الالتزام الجزئي بغاياته بقدر ما هو معني أنت مع أو ضد، وتحت حكم عبد الله، لم يقف الأردن إلى جانبه بالكامل بشأن كل من إيران وقطر وسورية، كما امتنع عبدالله عن الوقوف مع تطبيع علاقات السعودية مع إسرائيل، واختار عدم الانخراط في سلوك مشابه، فهو يدرك تماماً أن امتثاله لخطة الولايات المتحدة في ذلك سيُغرق مملكته، الحاضنة لآلاف الفلسطينين، في تمرد مجهول العواقب.
لا شك أن خطة نتنياهو وابن سلمان كانت تُنسَج منذ أعوام، ولا شك أنها كانت موضوع اجتماعات سرية بينهم، ليأتي دور باسم عوض الله، الرئيس السابق للديوان الملكي الأردني، الذي كان حينها مبعوثاً أردنياً إلى الرياض، تفاوض عوض الله على إطلاق "مجلس التنسيق السعودي الأردني"، وهي منظمة من شأنها، "ضخ مليار دولار" للمملكة الهاشمية التي تعاني من ضائقة مالية، وكان عوض الله قد وعد بأن يستثمر المجلس مليارات الدولارات السعودية في قطاعات رئيسة من الاقتصاد الأردني، وكان عوض الله أيضاً مقرباً من ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الذي له أهدافه الخاصة في الأردن، تتمثل في طرد الإخوان المسلمين وقوى الإسلام السياسي نهائياً من البلاد، وهو ما يرفضه عبد الله، حتى لو لم يؤيدهم.
في المقابل، فإن ضم 60٪ من الضفة الغربية للكيان الصهيوني، سيجبر الفلسطينيين المجردين من الجنسية الإسرائيلية تدريجياً على الانتقال إلى الأردن، وكجزء من الخطة يمكن للعمال الأردنيين السفر بحرية والعمل في السعودية، كما هو الحال، فالتحويلات المالية للعمال الأردنيين تضمن البقاء الاقتصادي للمملكة المفلسة، فضلاً عن أن القوة العاملة المتنقلة من الأردنيين والفلسطينيين عديمي الجنسية، من شأنه أن يعني نهاية الآمال الكبيرة بدولة فلسطينية، وفي الوقت ذاته، لحل الدولتين.
والمفارقة في هذه القصة الغريبة هي أن الأمير حمزة يُنظر إليه على أنه المفتاح لإشراك الأردن في هذه الخطة، فهو الحامل للدم الهاشمي والابن المفضل للملك حسين، والذي تم إقصاؤه عن ولاية العهد واستبداله بابن عبدالله، لكن إن كان حمزة يدرك تاريخ الأردن بالفعل، لا بد أن يعي الثمن الذي سيدفعه الأردن بقبوله مليارات بن سلمان وتشجيع نتنياهو غير المعلن، لذلك يشكك أصدقاء حمزة بشدة في تورطه في هذه المؤامرة ويقللون من شأن علاقاته بعوض الله.
أما ما يجب أن يحدث الآن، فهو أن يسارع الملك عبد الله إلى إصلاح النظام السياسي الأردني بشكل كامل من خلال إجراء انتخابات حرة ونزيهة واحترام نتائجها، هذه هي الطريقة الوحيدة له لتوحيد البلاد حول شخصه، وهذا ما فعله والده الملك حسين عندما واجه صراع وتمرد العشائر الأردنية في جنوب المملكة في العام 1989، فأصلح حينها النظام السياسي وأجرى أكثر الانتخابات حرية في تاريخ المملكة.
من جهة أخرى، على بايدن أن يدرك أن ترك بن سلمان يفلت من العقاب بعد اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي له ثمن، فلم يتعلم ولي العهد السعودي شيئاً من هذه الحادثة واستمر في التصرف بالطريقة ذاتها مع كثير من التهور والتسرع ضد جار وحليف عربي، وهو موقف قد يكون له عواقب وخيمة.