اقتصاد أوروبا واختبار الاتحاد

2020.04.09 - 03:00
Facebook Share
طباعة

 تواجه أوروبا، تحديدا دول منطقة اليورو إلى جانب بريطانيا، مخاطر اقتصادية كبيرة من جراء تفشي وباء كورونا المستجد. وهذه المنطقة كغيرها من مناطق العالم الأخرى، لن تنجو بالطبع من الضربات والخسائر والأضرار، التي تسبب فيها هذا الوباء للوضع الاقتصادي، خصوصا في ظل إغلاق اقتصادات بأكملها، ضمن محاولات حصر كورونا في أضيق مساحة ممكنة، فضلا عن توقف الأعمال في أغلب القطاع، بما في ذلك تلك التي تشكل محاور حيوية للاقتصاد كله. ورغم أن المخاطر تستهدف كل العالم من جراء الوباء المشار إليه، إلا أن المنطقة الأوروبية تظل الأعلى مستوى في قائمة المناطق الأكثر تضررا. وذلك لأسباب عديدة، في مقدمتها أن الاقتصاد الأوروبي لم يكن أصلا في حال جيدة قبل انفجار الوباء، وكان يعيش تبعات خروج بريطانيا منه، وهي خطوات لم تستكمل بعد حتى الآن.
التوقعات حول الاقتصاد الأوروبي متشائمة كلها، ولا يوجد بصيص أمل فيها، خصوصا مع تأكيدات الجهات الاقتصادية الدولية - ومنها الأوروبية بالطبع - أن اقتصاد منطقة اليورو سيتراجع بمعدلات كبيرة في أعقاب الانتهاء من الأزمة الوبائية الراهنة. بعض هذه التوقعات تشير إلى ما بين 15 و20 في المائة. ويبدو واضحا أن التدخلات الحكومية الراهنة لسند اقتصاداتها لا تزال في بدايتها، ومن المتوقع أن تضطر هذه الحكومات إلى ضخ مزيد من السيولة في هذه الاقتصادات، ولا سيما في حال استمرار عدم السيطرة على كورونا، وعدم ابتكار لقاح جديد وسريع له. فالأضرار الاقتصادية ماضية قدما، طالما أن هذا الفيروس القاتل ظل خارج السيطرة. يضاف إلى ذلك أن دولا أوروبية تعاني مشكلات اقتصادية كبيرة جدا تحتاج إلى مساعدات مباشرة من نظيرتها الأخرى ضمن منطقة اليورو.
هذا الأمر أعاد إلى الأذهان مشاهد عمليات الإنقاذ التي قامت بها ألمانيا، خصوصا لدول مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية. هنا تبرز مشكلة كبيرة أيضا، وهي الخلافات المبدئية حول طبيعة الإنقاذ المطلوبة، بين دول محورية مثل ألمانيا وفرنسا. فالأخيرة تريد أن يتم الإنقاذ بأسرع وقت ممكن، للتأكيد أن صلابة الاتحاد الأوروبي متينة، ولقطع الطريق أمام أولئك الذين يروجون لبدء انهيار الاتحاد ومنطقة اليورو معه. ولألمانيا حساباتها السياسية أيضا، فهي لا تريد أن تظهر دائما بمظهر "البقرة الحلوب" التي تضخ الأموال بمجرد أن تتلقى الطلبات. وبصرف النظر عن هذه الخلافات الحالية، إلا أن الأضرار التي يتعرض لها الاقتصاد الأوروبي بشكل عام، تتزايد بصورة خطيرة يوما بعد يوم.
البنك المركزي الأوروبي، يتحدث عن ضرورة إبقاء حزم الإنقاذ على وتيرتها، وأن على الحكومات في الاتحاد الأوروبي أن تعي أنها ماضية قدما نحو مستقبل غير مريح على الصعيد الاقتصادي، وربما تطول المدة لعدة أعوام. من هنا، تتحرك فرنسا - على سبيل المثال - لحصر ما أمكن من الأضرار، ولتوفير الدعم اللازم للدول الأكثر تعرضا للنكبة من جراء كورونا المستجد. فالمسألة لا تتعلق فقط بأزمة اقتصادية نتيجة وباء عالمي خطيرة؛ بل بمصير الاتحاد الأوروبي نفسه. إنها فترة حرجة؛ بل خطيرة على صعيد تاريخ الكتلة الأوروبية، خصوصا في ظل أزمات ومصاعب اقتصادية تعيشها قبل الوباء، ولا سيما الآثار النفسية السلبية الهائلة لعملية انسحاب بريطانيا من هذا الاتحاد. إن التاريخ سيسجل بالفعل مدى صلابة الاتحاد في وجه الأزمات الكبرى.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 5