كتب فتحي كليب: عن لبنان والمخيمات الفلسطينية وسياسيات التمييز

2020.04.05 - 06:14
Facebook Share
طباعة

 في التقييم الاولي لـ "الحرب الكونية" ضد تفشي وباء كورونا، يبدو واضحا ان المنتصر، حتى الآن، هي هذه الجرثومة الصغيرة التي تمكنت من تجاوز تدابير عسكرية واجراءات امنية في دول عادة ما توصف بأنها تتمتع بأنظمة امنية ليس سهلا اختراقها. لكن الذي حدث ان لا هذه الاجراءات ولا كل ما انتجته تقنيات الامن والتجسس و "التنبؤ" في القرن الواحد والعشرين تمكنت من ايقاف هذا العدو الزاحف الذي ضرب مسؤولين امنيين وعسكريين وسياسيين وتقنيين واطباء، وطال بشروره كل فئات المجتمع، وليس مرئيا بعد ان هزيمته باتت قريبة..

 
قد يكون المنتصر ايضا في هذه الحرب هم دعاة التسامح والانفتاح والمساواة الذين طالما دعوا وعملوا من اجل نبذ والغاء "ثقافات التمييز والعنصرية"، فجاء هذا الوباء ليطال بمصائبه وويلاته جميع الطوائف والمذاهب والاعراق والجنسيات: الاغنياء كما الفقراء، البيض والسود، مسيحيون .. مسلمون ويهودا، دول كبرى وصغرى، شعوب متقدمة ومتخلفة.. لذلك وقف امين عام الامم المتحدة انطونيو غوتيريز ليدعو العالم الى "وقف إطلاق نار فوري في زوايا العالم، الذي يواجه عدوا مشتركا لا يكترث بالجنسية أو العرق أو الفصيلة أو الإيمان، بل يهاجم الجميع بلا هوادة".
مناسبة هذا الكلام هو سؤال مكرر ويتردد على السنة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عن مدى استفادتهم من بعض المساعدات التي تقدمها الدولة اللبنانية ومؤسساتها المختلفة، بعد ان اعتادوا على مسار سيء من المعاملات التمييزية المكرسة بقوانين وأنظمة اصبحت لدى البعض، من قوى وافراد اشبه بثقافة تستحضر في محطات مفصلية، خاصة عندما يتعلق الامر بالحديث عن حقوق فلسطينيي لبنان والمسؤولية التي تتحملها الدولة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي الصعب الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون..
 
مع نجاح "فيروس كورونا" في شل الحياة الاقتصادية والعامة في معظم دول العالم، فمن الطبيعي ان تلجأ العديد من الدول الى حزمة اجراءات اقتصادية هدفت الى دعم مواطنيها اقتصاديا، لكن لم يلمس ان دولة ميزت بين مواطن ومقيم او حصرت المساعدات بفئة دون غيرها، كما الوباء الذي لم يميز. والامر هنا لا يقتصر على دول غنية واخرى فقيرة، بل ان الهدف المشترك بين الجميع كان انجاح الاستراتيجية العامة للدول تحت عنوان واحد: "العزل المنزلي"، والذي لا يمكن ان يحقق النتائج المرجوة منه الا اذا التزم جميع من يقيم فوق البقعة الجغرافية التي تستهدفها تلك الاستراتيجية.. وحتى يلتزم جميع المواطنين والمقيمين منازلهم، كان لا بد من طرف يأخذ على عاتقه مهمة تأمين الاحتياجات المعيشية للمعزولين، ربما ليس من باب الانسانية، بل انطلاقا من ادراك عام بأن شخص واحد قادر على افساد كل ما انجزه المجتمع من خطوات وقائية..
 
هذه الخلاصة نفترض انها ليست غائبة عن اذهان المسؤولين في لبنان، والدولة بجميع مؤسساتها معنية بمحاصرة وباء كورونا في جهات لبنان الاربعة، واي تمييز في هذه الحالة قد يرتد سلبا على الجميع. وهذا ما عبر عنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي قال بتاريخ 15 آذار "ان الدولة ستوفر الحماية للمواطنين والمقيمين"، وهذا كلام رجل مسؤول يعرف معنى كلامه كما يعرف معنى ان يبقى شخص ما خارج اطار حماية المجتمع والدولة، خاصة في هذه المرحلة حيث اولوية الجميع هي محاصرة الوباء والقضاء عليه فوق كل الارض اللبنانية..
 
وانسجاما مع ما قاله رئيس الجمهورية، اقر مجلس الوزراء بتاريخ 14 آذار حزمة مساعدات بمبلغ (18) مليار ليرة سيخصص للأسر الأكثر فقراً من خلال حصص غذائية ومواد تنظيف بقيمة (180) ألف ليرة لبنانية، وعاد المجلس بعد اسبوعين وقرر حزمة اخرى بـ (75) مليار ليرة كمساعدات اجتماعية. وهنا ايضا افترض ان جميع المقيمين في لبنان سوف يستفيدون من هذه المساعدات، التزاما بكلام الرئيس بشأن توفير الحماية للجميع، والمقصود هنا الحماية الصحية والاقتصادية.
وبعيدا عن منطق التمييز الذي لا نتمنى له او لأصحابه النجاح، فان العديد من المراقبين، المحليين والدوليين، ينطلقون في معالجتهم لهذه المسألة من ان هناك ثلاثة فئات من المقيمين في لبنان، ولكل واحدة ظروف اقتصادية واجتماعية تختلف عن الاخرى: الاولى هي فئة المواطنون الذي يحظون برعاية الدولة اللبنانية ومؤسساتها الصحية والاقتصادية المختلفة، وتتابع اوضاعها الصحية وفقا للاستراتيجية الصحية التي تديرها وتشرف عليها وزارة الصحة. وهناك فئة اللاجئين السوريين الذين لا مرجعية صحية تتابع اوضاعهم، خاصة بما يتعلق بتفشي وباء كورونا، الا بعض مؤسسات الامم المتحدة. وبسبب الكثافة السكانية المرتفعة وعديد المشاكل التي تشكو منها هذه الفئة، فهناك من يحذر من كارثة جدية على المستوى الصحي، اذا لم تحسن المرجعيات المعنية طريقة تعاطيها مع هذه التجمعات. ولهذه الغاية يجري الحديث عن اتصالات وصلت الى مرحلة متقدمة بين الدولة اللبنانية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين لبناء مستشقى ميداني باشراف المفوضية، خاصة وان عدد النازحين السوريين المقيمين لبنان كبير الى درجة تعجز الدولة عن توفير متطلباته الصحية والحياتية..
 
تبقى الفئة الثالثة، وهي فئة اللاجئون الفلسطينيون الذين يقيمون في (12) مخيما تتوزع على جميع المحافظات اللبنانية وتنعدم فيها شروط الحد الادنى للحياة. وهذه المخيمات ورغم ان مرجعيتها الصحية هي وكالة الغوث، الا ان طبيعة الخدمات الصحية التي تقدمها الوكالة تبقى قاصرة على الاستجاية لتحديات انتشار "فيروس كورونا" وهذا ما يطرح جملة تحديات صحية واقتصادية:
في الجانب الصحي، فان المخيمات وحتى اللحظة ما زالت خارج استراتيجية الدولة الصحية وفقا لما قاله مدير عام الاونروا في لبنان. وسيكون التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين في اطار مكافحة وباء كورونا وفقا للتالي؛
 
1) ستقدم وكالة الغوث المساعدة لكل مريض يحتاج لإجراء فحص أو يخضع للعلاج من فيروس كورونا في مستشفى رفيق الحريري الجامعي أو أي مستشفى آخر يكون معتمدا من قبل وزارة الصحة العامة، سواء لإجراء الفحوصات او لعلاج الحالات المصابة.
 
2) ستعتمد وكالة الغوث نفس السياسة الإستشفائية المقرة حالياً بالنسبة للاجئين الفلسطينيين المصابين بفيروس كورونا، على ان تقدم الاونروا مبلغا معينا وتتكفل السفارة الفلسطينية في لبنان بتغطية الباقي.
 
وهذا يعني ان اي مريض يعاني من عوارض وبائية لها علاقة بفيروس كورونا، لن يكون مطلقا في اختيار طريقة العلاج او المستشفى، بل ان الاونروا ستكون ملزمة بمتابعة الحالات التي تلتزم بالشروط المطروحة سابقا، وهي التواصل مع وزارة الصحة على الخط الساخن وبالتنسيق مع مسؤول الاونروا الصحي المعتمد في المنطقة.. وهذا ما يؤهل المريض للاستفادة من الفحوصات المخبرية التي ستكون على نفقة الاونروا..
 
في الجانب الاقتصادي: منذ بداية العام الحالي، وقبل تفشي الوباء وانتشاره في لبنان، اجمع اللاجئون الفلسطينيون على مطلب "خطة طوارئ اقتصادية" تديرها وتشرف عليها الاونروا. وكانت خلفية هذه الدعوة نابعة من التداعيات السلبية للتحركات الشعبية اللبنانية التي امتدت لأكثر من ثلاثة اشهر، مع كل ما رافقها من توقف العمال الفلسطينيين عن مزاولة اعمالهم، إن كان بسبب اجراءات وزارة العمل السابقة او بسبب قطع الطرق وشل الحياة الاقتصادية لعدة اسابيع.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 3