كتبَ ربيع الحافظ: العرب والأتراك.. مبادرة جديرة بالتكرار

2021.04.01 - 09:20
Facebook Share
طباعة

 في سنة 1908 أطاح انقلاب علماني قومي بالسلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله منهياً من الناحية الفعلية الدولة العثمانية ومنهيا المسوغ (الإسلامي) لبقاء العرب في نظام سياسي مشترك مع الاتراك، ودخلت الحكومة الجديدة في استانبول حقبة من الأخطاء مع العرب والأعراق الأخرى المكونة للمجتمع العثماني مما لا ينسجم مع مسار خمسة قرون من الحكم العثماني.

 

في الفترة ما بعد عام 1908 نهضت جمهرة من "حكماء العرب" (علماء ومفكرون ووجهاء مثل شكيب ارسلان، عبد العزيز الثعالبي، محمد عبده، رشيد رضا، محمود شكري الآلوسي) بمبادرة إلى النظام الجديد في استانبول لإعادة تشكيل النظام السياسي الإقليمي (العثماني) وهندسة صيغة (خارج إطار الخلافة) تديم التحالف العربي التركي وتحمي المجتمعين من البديل الأوربي الذي كان يطل بقرنيه (الإنكليز والفرنسيون).


اعتبر الحكماء العرب الحفاظ على النظام السياسي الإقليمي (العثماني إسما) هدفا استراتيجيا مهما بلغ ثمنه حتى وإن كان تحت حكومة الاتحاد والترقي التي أطاحت بالسلطان عبد الحميد، ولم يثنهم وصف الناس لهم بالنفاق وكانت فلسفتهم هي أن سقوط النظام العثماني سيجعل مجتمع المنطقة عاجزا على الصمود أمام الأوربيين.


تضمنت المبادرة العربية مسارين: مسارا سياسيا يطالب بحكم ذاتي (لا مركزي) للولايات العربية وآخر فكري يجعل من المفاهيم الاجتماعية المشتركة بين العرب والأتراك مادة صمغية تماسك بين فيسفساء المجتمع العثماني في حقبة جديدة من التحالف يدشنون بها القرن العشرين. المبادرة باءت بالفشل وانفتح الطريق أمام شرذمة أسمت نفسها الثورة العربية لتنهار المنطقة تحت اقدام الأوربيين وكان من عوامل فشل المبادرة:


* أن استانبول التي يحكمها الاتحاد والترقي كانت لها رغبة مختلفة.


* كان الأوربيون هم المهندس الإقليمي الحقيقي للمنطقة العربية.


* أن العالم كانت تجتاحه حمى القومية.


بعد قرن على المبادرة اصبحت هذه النقاط الثلاثة لاغية وحلت محلها نقاط بديلة باتجاه معاكس.


اصبح القاسم المشترك بين تركيا ومحيطها العربي أكثر شمولية من القاسم (العثماني) فهو يغطي قناعات رقعة المجتمع الاقليمي بتنوعه الديني والقومي، هذا المجتمع يختار اليوم بين قاسمي البقاء والفناء؛ بقاء يمثله نظام الدولة والحكم المركزي الذي يحمي المجتمع المدني وتمثله تركيا، وفناء يمثله نظام اللادولة وحكم المليشيات الذي يفكك المجتمع ويعطل الحياة المدنية، إضافة إلى ذلك اصبحت تركيا لاعبا اقليميا حقيقيا فيما هدأت الحمى القومية.


تلك المبادرة لم تكن رسمية (قادها شخصيات من المجتمع ولن تكون رسمية (من الجانب العربي) هذه المرة، وإيجاد التحام مفاهيم بين المجتمعين العربي والتركي هو غاية استراتيجية بحد ذاته في وقت تتشكل فيه خرائط منطقتنا من جديد.


حين نحاول الإجابة على التساؤلات التالية نعلم أن هذه المبادرة مهملة وان ثمن إهمالها باهض الثمن:


* ماذا يمنع قيام هذا التفاهم في المدن العربية التي تحت الحماية التركية في سوريا؟


* ماذا يمنع قيامه في طرابلس الغرب التي تحت الحماية التركية؟


* لو دخلت تركيا مدينة عربية اخرى كنتيجة للصراع الاقليمي هل ستجد مجتمعها واعيا لأبعاد وجودها؟


تركيا معذورة في 1908 فقد كانت دولة مخطوفة فكريا لكن لا عذر اليوم لدوائر الفكر والقرار فيها في عدم إنضاج المبادرة من جديد لتكون هوية تحتمي بها المنطقة في جو عاصف.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 6