هل يفض الخليج العربي الشراكة مع الصين؟

ترجمة : عبير علي حطيط

2021.03.29 - 05:25
Facebook Share
طباعة

 نشر "معهد الشرق الأوسط" مقالًا تناول موضوع المنافسة الأمريكية - الصينية ولكن من منظور دول الخليج. فقد تواجه علاقة دول الخليج بأمريكا والصين اختبارًا عسيرًا في وقت قريب، إذا طلب من هذه الدول الاختيار بين إحدى القوتين العظميين واشنطن أو بكين.

فمع استمرار تصاعد المنافسة الصينية - الأمريكية، يُحتمل أن تواجه دول الخليج في الفترة القادمة سؤالًا صعبًا وهو: ماذا ستفعل إذا طلبت منها أمريكا فض الشراكة مع الصين؟

وبحسب ما وُرد في المقال، فقد غيَّرت الجائحة والتراجع الاقتصادي المرتبط بها المقاربة التي تصيغ شكل النقاشات حول أمن الخليج، كما هو الحال مع الكثير من المقاربات في أنحاء العالم.

عادةً ما يجري التعامل مع منطقة الخليج وبقية آسيا باعتبارهما كيانين منفصلين جغرافيًا وتحليليًا على الرغم من حقيقة انتمائهما لنفس القارة وتشاركهما علاقاتٍ تاريخية. وتدور النقاشات المتعلقة بالتعاون الإقليمي عادةً حول النفط والتحويلات المالية التي يرسلها العمال المغتربون.

ويعتري هذا التفكير التقليدي قصورًا في ما يتعلق بإظهار التقدير للعدد الأكبر من المصالح الاستراتيجية المتداخلة بين الخليج وآسيا.

إلّا أنه وخلافًا لهذا التقليد فإنه يمكن للعلاقة بين الخليج وآسيا أن تغير البنية الإقليمية التي تكفلها الولايات المتحدة، وبالتالي تستحق اهتمامًا أكبر من جانب صانعي السياسات.

وبات اللاعبون الإقليميون في المنطقة (السعودية والإمارات وقطر وإيران وتركيا وإسرائيل) لا يشعرون بأمان بأنَّ أيًا من القوى الخارجية (الولايات المتحدة والصين وروسيا) تمثل شريكًا أمنيًا وجيوسياسيًا موثوقًا.

وتُعَد علاقة دول الخليج بأمريكا والصين هي المشكلة الواضحة التي يتجنَّبها الجميع.

فعلى الصعيد المنطقي تُعَد الصين ودول الخليج في نفس المركب، لأنَّهما تواجهان حالة عدم اليقين بشأن الترتيبات الأمنية الإقليمية الحالية. 

فكما هو الحال مع دول الخليج، لَطالما اعتمدت الصين على المظلة الدفاعية الأمريكية لضمان أمن تدفق الطاقة والبضائع الأخرى عبر المياه المحيطة بالخليج، فيما أطلقت عليه الولايات المتحدة "الركوب المجاني".

وهناك مؤشرات على أن بكين تفضل الهيمنة الأمريكية على هذه المنطقة، رغم أهميتها الاقتصادية المتزايدة لبكين، إذ لا تريد الصين تحمل العبء الأمني والسياسي في هذه المنطقة، خاصة في ضوء علاقتها الوثيقة مع إيران ودول الخليج العربي على السواء.

حيث أنها تعتقد أن النهج متعدد الأطراف قد يتيح لها مواصلة تجنب التورط في النزاعات والصراعات في الشرق الأوسط، لا سيّما النزاع السعودي – الإيراني.

وبالتالي الوضع الحالي الذي تمثّل فيه الصين أكبر مشترٍ لنفط المنطقة وشريك تجاري ضخم لها، بينما أمريكا هي حاميها العسكري والأمني وراعيها السياسي، هو وضع مفضل لدول الخليج والصين على السواء، ولكن أمريكا هي التي قد تريد تغييره، عبر احتمال مطالبتها لدول الخليج بفض أو الحد من شراكتها المتنامية مع بكين.

وفي ظل اقتراب إدارة بايدن من تشكيل تكتل دفاعي مع أستراليا واليابان والهند – أو ما يُعرَف "بالرباعي" - من أجل التصدي للنفوذ الصيني في ما تُسمَّى منطقة "المحيط الهندي والهادي"، فإن أمريكا قد تضغط على دول الخليج لاتخاذ مقاربة جديدة مشابهة لهذا "الرباعي" في التعامل مع الصين أو على الأقل الابتعاد عنها.

ولكن وفقًا إلى المقال فإنه يُعتقد أن واشنطن ربما بالغت في تقدير الدعم الذي تأمل أن تحصل عليه في حال قررت أن تجعل دول الخليج تختار الانحياز إلى أحد الطرفين خلال عملية التنافس الاستراتيجي الشامل المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين.

ولعل عقودًا من التداخل في هذه المنطقة التي هي عُرضةً للصراعات قد ساعدت صناعة الدفاع الأمريكية، لكنَّها بالكاد أسهمت في تحسين مصداقية الولايات المتحدة بين الفاعلين الرئيسيين، الذين يحاولون ربما الخروج من حلقة الماضي المفرغة وصياغة طريق جديد نحو الازدهار.

كما أنهم يجابهون حقيقة أنَّ احتياطيات النفط ليست قابلة للتجدد. وكذلك الطلب عليها، في حين تتجه الاقتصادات الكبرى نحو الطاقة المتجددة. 

وبناءً على ما قيل في المقال فإنه يجب ملاحظة أن علاقة دول الخليج بأمريكا والصين معًا لا غنى عنها لهذه الدول بسبب طبيعة المنطقة المعقدة، والتغييرات في سوق الطاقة والالتزام الأمريكي بأمن المنطقة على السواء.

إذ تحتاج بلدان الخليج إلى مشترين موثوقين لسلعتهم التصديرية الأساسية، وكذلك شركاء تجاريين. والصين ملائمة لكلا الأمرين، باعتبارها الآن أكبر مستورد للنفط الخام.

وبحسب المقال، تشتري بكين ما بين 44 إلى 56% من إمداداتها السنوية من الشرق الأوسط. وتشير التقديرات إلى أنَّ الصين ستستمر في التمتع بشهية قوية للنفط، ما يجعل منها زبونًا مربحًا جدًا لدول الخليج بدرجة لا يسَع معها تلك البلدان أن تخسره.

في الوقت نفسه، وسَّعت الصين كذلك استثماراتها في منطقة الخليج بشكل كبير. وهي أيضًا من بين البلدان الآسيوية الأربعة الكبار، إلى جانب اليابان والهند وكوريا الجنوبية، التي يتجاوز حجم تجارة مجلس التعاون الخليجي معها تجارته مع الولايات المتحدة أو أوروبا. بالتالي، ليس صعبًا تصوُّر أن تحافظ دول الخليج على استقلالية استراتيجية عن الولايات المتحدة حين يتعلق الأمر بالتجارة والاستثمار، وعلى المسؤولين الأمريكيين القبول بهذا التطور، حسب ما كتب عرفات كبير.

ومما لا شك فيه فإن الخليج ينتقل تدريجيًا من الترتيبات الأمنية أحادية الجانب إلى نهج متعدد الأطراف، ولكن علاقة دول الخليج بأمريكا والصين هي التي تعقد هذا الانتقال.

وازداد الإحساس بتراجع الالتزام الأمريكي تجاه أمن الخليج في أعقاب هجمات سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت النفط السعودية والرد الأمريكي الذي عزز الشكوك حول مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية.

وعزز الشكوك أيضًا توجه السياسة الأمريكية، بدءًا من إدارة أوباما واستمر في إدارة ترامب، الذي يشير إلى إعادة تقييم اهتمامات ومصالح الأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط.

ولذا يُرجَّح أن تجد الولايات المتحدة الأمر أصعب حين تحاول إقناع الدول الخليجية بالحد من انخراطها مع الصين.

حيث يرى الكاتب في مقاله أنَّ الإمارات تحديدًا تمثل نموذجًا فجًا لهذه الحيرة المترتبة على علاقة دول الخليج بأمريكا والصين، التي أصبحت معقدة أكثر من أي وقت مضى. 

إذ تُقدم أبوظبي نفسها لواشنطن كصديق أحرص على مصالح الغرب في المنطقة من نفسه، خاصة في حربها ضد الديمقراطية والإسلاميين، ولكنها أيضًا من أكثر دول الخليج احتفاظًا بعلاقة قوية مع بكين.

فمسؤولو الإمارات يؤكدون للولايات المتحدة أنهم ينظرون إلى العلاقات مع واشنطن باعتبار لا غنى عنها، ولو أن هذا لم يخضع للاختبار بعد حين يتعلَّق الأمر بالصين. 

لكنَّ تأكيد المسؤولين الخليجيين على أهمية العلاقات لن يحميهم من المطالبات الأمريكية بإعادة مراجعة علاقتهم مع الصين والحد منها، كما لن يحميهم من تحذيراتها من أنَّ التعامل مع هواوي قد يُعرِّض الاتصالات الحساسة للخطر، لاسيما بالنظر إلى وجود العديد من القواعد الأمريكية في المنطقة.

وفي إشارة تحذيرية للإمارات، رفضت السفارة الأمريكية في أبوظبي في حزيران/يونيو 2020 عرضًا إماراتيًا للتبرع بمئات من اختبارات فيروس كورونا لفحص موظفيها. 

وقال مسؤول أمريكي إنَّ سبب الرفض هو أنَّ الاختبارات إمَّا صينية الصنع أو مرتبطة بشركة BGI Genomics، وهي شركة صينية نشطة في الخليج، وهو ما أثار شكوكًا بشأن خصوصية المرضى.

وتقوم الصين بالرد على التحدي الأمريكي عبر محاولة تقليل الاعتماد الاقتصادي والتقني على واشنطن، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى فك الارتباط الاستراتيجي عن الولايات المتحدة، وهو ما يتجلى في اعتماد بكين على الذات في قطاعات مختارة، مثلما أظهرت حملة الرئيس شي جين بينغ "صُنع في الصين 2025".

ويمكن أن يؤدي فك الارتباط الانتقائي إلى تقويض منطق نظام الوضع الراهن، وإلى خلق توتر، بافتراض أن الصين سترغب في مزاولة أنشطة الأعمال بطريقتها. لذا من المرجح وجود عالم منقسم بين كتلتين فضفاضتين (إحداهما تقوده واشنطن والأخرى بكين). 

وإذا ما استمر هذا الخطاب، الأرجح أن يتبلور التنافس الأمريكي الصيني في صورة منافسة صفرية شبيهة بالحرب الباردة، وهذه ليست أخباراً جيدة بالنسبة للعالم.

رغم تصاعد التنافس الصيني الأمريكي، فإن منطقة الخليج يمكن أن تقدم مساحة لمقاربة مختلفة.

فعوضًا عن سلوك طريق المواجهة، على الولايات المتحدة إعادة توجيه قدراتها الدبلوماسية لتحديث النظام القديم. وبالنظر إلى أنَّ جذور انعدام الثقة بين الصين وأمريكا تعود إلى عدم معرفة كل منهما بنوايا الآخر العسكرية، سيكون من الحكمة بالنسبة لهما القيام بمشروعات لبناء الثقة. 

وأحد مجالات التعاون الواضحة هي تقاسم مسؤولية حماية المصالح المشتركة. وتأمين الخطوط البحرية أمر يمثل مصلحة لكل من الولايات المتحدة والصين، ولا يوجد سبب يدفع الولايات المتحدة لاستهلاك مواردها بصورة غير مشروطة على ذلك، في حين أنَّ الصين قادرة على تحمل بعض العبء.

فنرى أنه قد واظب المسؤولون والمحللون الصينيون على الإشارة إلى أنَّ الشرق الأوسط ليس أولوية صينية، وأنَّ أي معارك مستقبلية مع الولايات المتحدة ستُخاض في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وليس الخليج، فيما يتحدث البعض احتمال إدارة الصين ظهرها للمنطقة، وتقليل اعتمادها على نفطها، علمًا بأن استثماراتها أصلًا قليلة في المنطقة.

لكن وفقًا إلى وكالة شينخوا الصينية، رافقت القوات البحرية لجيش التحرير الشعبي الصيني، العاملة قبالة سواحل عدن، 51% من السفن التجارية الأجنبية منذ عام 2008. 

والأمر الأكثر احتمالًا من إقدام الصين جديًا على إدارة ظهرها للشرق الأوسط هو احتمالية أن تبعث برسالة إلى المنطقة لا تختلف عما تقوله روسيا: "نظِّموا أنفسكم وجِدوا طريقة لتهدئة التوتر. " وهي رسالة يبدو أنَّها سُمِعَت في دول الخليج الأصغر، لكن لم يتردد صداها بعد في الرياض، وهي أيضًا رسالة لم ترفضها إيران تمامًا.

فالمعضلة الكبرى في علاقة دول الخليج بأمريكا والصين أن واشنطن تريد ابتعاد هذه الدول عن الصين، بينما هي تتخلى تدريجيًا عن الدور الذي رسخته لنفسها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كضامن لأمن المنطقة، وفي الوقت ذاته، فإن أمريكا أصبحت منافسًا لنفط الخليج.

في المقابل، فإن استمرار النمو الاقتصادي الصيني معناه ازدياد أهمية بكين كسوق لنفط الخليج.

ويرى الكاتب في المقال أنه في النهاية فإن تعاون واشنطن مع بكين وعدم إرغام شركائها التجاريين الخليجيين على اختيار الانحياز إلى طرف في التنافس بين الولايات المتحدة والصين سيكون هو الرهان الاستراتيجي الأفضل للولايات المتحدة على المدى الطويل. 

ففي نهاية المطاف، كلما أصبح الخليج أقرب إلى آسيا، بات ذلك أفضل لشعوب المنطقتين وانخفضت التكلفة الأمنية والعسكرية التي تتحملها الولايات المتحدة جراء مسؤوليتها عن حماية أمن المنطقة.

وعلى واشنطن أن تنتبه جيدًا إلى أن آراء الباحثين الذي يخلصون إلى ضرورة استمرار علاقة دول الخليج بأمريكا والصين على السواء، والذي يشددون على أنَّ الحلفاء الخليجيين يريدون تعاونًا أكبر مع كل من الولايات المتحدة والصين، لا أن يعلقوا وسط تنافس تاريخي بين القوتين.


المصدر : https://www.mei.edu/.../coming-us-china-cold-war-view-gulf
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 10