كتبَ باسل جاسم: أستانة السورية.. تأجيل إدلب والأنظار نحو مواجهة الانفصالية

2021.03.09 - 10:03
Facebook Share
طباعة

 بسبب القيود المفروضة لمواجهة جائحة كورونا في كازاخستان، جرى عقد الجولة 15 من محادثات أستانة السورية في مدينة سوتشي الروسية، وصحيح أن البيان الختامي للدول الضامنة لمسار الأستانة، بدا معياريًا ولم يختلف كثيرًا عن البيانات التي صدرت سابقًا في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، لكن الواضح من تصريحات المفاوضين أن لديهم شيئًا كثيراً يتحدثون عنه، خلف الأبواب المغلقة بعد فترة انقطاع في اجتماعات هذا المسار .


المسار الأكثر جدلا

أصبحت عملية أستانة منذ انطلاقها اوائل عام 2017 المسار الأكثر إثارة للجدل، لاسيما بين الأطراف السورية المعارضة، وكذلك بين الدول الغربية الغائبة الحاضرة في الملف السوري، حيث أمكن لأول مرة بدء مفاوضات بين الطرفين السوريين المتحاربين «طابع عسكري تقني» وبحث ملف تبادل الأسرى والبحث عن المفقودين «لم يحقق تقدما حتى الآن» وتنظيم تقديم المساعدات الإنسانية.


وساعدت اتفاقية إنشاء أربع مناطق خفض تصعيد، الموقعة في أيار- مايو 2017 في تقليل حدة الأعمال القتالية، وسيطرت دمشق على مناطق خفض التصعيد بشكل كامل لاحقاً، باستثناء محافظة إدلب.


كما شكلت أستانة حالة جديدة من نوعها أيضًا حول كيفية تفاعل روسيا وتركيا وإيران داخل خريطة الجمهورية العربية، وتتمسك إيران بمسار أستانة، الذي تعتبر طرفاً فيه،على خلاف اتفاق سوتشي، الذي تم توقيعه فقط بين روسيا وتركيا في أيلول- سبتمبر 2018.


على الرغم من أن المفاوضات الرئيسية بين الدبلوماسيين والعسكريين الروس والأتراك مستمرة، قبل وأثناء الاجتماعات الدولية بصيغة أستانة، إلا أنها تجري بشكل مكثف أكثر من الأطراف الأخرى، وهذا التعاون بين دولتين لهما مصالح متعارضة تمامًا، هو مثال ساطع على الشراكة الظرفية، وتؤدي إلى بعض النتائج الإيجابية للطرفين.


غادر الجيش التركي جميع نقاط المراقبة التي أقيمت سابقًا على الأراضي السورية، في المناطق التي استعادها الجيش النظامي السوري، و تستمر الدوريات الروسية التركية المشتركة بشكل منتظم للحفاظ على وقف إطلاق النار في المنطقة، ومع ذلك تحدث انتهاكات لها أحيانًا، فضلاً عن الاستهداف المخطط للجماعات الإرهابية في إدلب.


المعارضة المعتدلة

وحسب البيان الختامي، فإن الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، توافقت على تمديد جميع الاتفاقات المتعلقة بـ»خفض التصعيد» و»التهدئة» في إدلب، وأكدت التزامها بوحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وسيادتها، وقالت الدول الثلاث في بيان مشترك: «درسنا الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب بالتفصيل، وشددنا على ضرورة الحفاظ على السلام على الأرض من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات القائمة بشأن إدلب».


تجدر الإشارة، أن مصير إدلب لم تتم تسويته سياسياً حتى يومنا هذا، والسلام ممكن ومستمر هناك، فقط طالما أن روسيا وتركيا تتسامحان مع الوضع الراهن في إدلب، وتوفيان بطريقة ما مصالحهما المتضاربة في هذه المنطقة، لكن جماعة تحرير الشام لن تتبدد من تلقاء نفسها، ويبدو الآن تعليق روسيا آمالها على الدعم التركي في إدلب للمعارضة المعتدلة.


و لا تزال موسكو تطالب أنقرة، بفصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفة، حسب الاتفاق في مارس -آذار من العام الماضي 2020، في اجتماع بين رئيسي هذين البلدين بوتين واردوغان، أو بكلام آخر، تريد روسيا اليوم استخدام المقاتلين المعتدلين للقضاء على المتطرفين، والموقف الروسي من قضية إدلب قبل بدء جولة أستانة، صاغه بشكل مباشر المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، وهو أن الانتصار على الإرهابيين في إدلب أصبح الآن مهمة «المعارضة المعتدلة» المدعومة من تركيا، ودعا لافرينتيف المعارضة أن تبقى على تواصل مع روسيا والقيام بزيارات لها.


حقول النفط

كما ورد في البيان الختامي لمحادثات أستانة 15 أن الدول الضامنة ترفض خلق حقائق جديدة في سوريا تحت ستار مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة، في إشارة إلى شمال شرقي سوريا، وعبروا عن عزمهم الوقوف ضد الأجندات الانفصالية، وانتقد رئيس الوفد الروسي في مؤتمره الصحافي ممارسات الولايات المتحدة في «نهب» النفط السوري، وهاجم الوفدان السوريان ممارسات ما يطلق عليها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» من عمليات تغيير ديمغرافي، وتغيير المناهج الدراسية والتجنيد الإجباري، وخطف الأطفال وتجنيدهم، وتمت الإشارة إلى مقال روبرت فورد السفير الأمريكي السابق لدى سوريا في مجلة «فورين افايرس» مطلع العام الجاري، حيث أشار إلى استمرار ميليشيات YPG، في ارسال السيارات المفخخة إلى البلدات الواقعة تحت سيطرة المعارضة المدعومة تركياً .


وبات معروفاً أن شركة «دلتا كريسنت إنرجي» الأمريكية للطاقة وقَّعت قبل أشهر مع ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية اتفاقاً لتطوير حقول النفط في شمال شرقي سوريا، وسبق أن كشف الجنرال ريموند توماس، قائد العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي عام 2017، خلال جلسة حوارية على هامش مؤتمر «إسبين» الأمني في ولاية كولورادو، أن إطلاق تسمية «قوات سوريا الديمقراطية» كان بناء على طلب أمريكي من أجل التغطية على اسم تنظيم «YPG» العمود الفقري لتلك الميليشيات، وارتباطه بحزب العمال الكردستاني (PKK) والمصنّف منظمة إرهـابية في حـلف النـاتو ودول إقلـيمية عدة.


تدرك جميع أطراف أستانة، ارتباط ملف التسوية السورية بشكل كبير بسياسات الإدارة الجديدة في البيت الابيض، وسبق وأكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أن الجيشين الروسي والأمريكي يتعاونان بنشاط في المجال السوري، ولكن حسب لافرينتيف مبعوث الرئيس الروسي، على الرغم من أن الدعوة للمشاركة في المحادثات في سوتشي قد أرسلت إلى واشنطن، كما هو الحال قبل كل جولة في مسار أستانة، إلا أن الولايات المتحدة لم تشارك هذه المرة.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 5