لا شك أن مجتمع شمال الأطلسي يواجه حالياً تحديات تهدد مصالحه، من بينها توجهات روسيا وعزمها على إعادة تأكيد سيطرتها على جيرانها واستعادة مكانتها كقوة عظمى على المسرح العالمي، إضافة إلى خروج تركيا عن طاعة الغرب وتدهور علاقاتها مع جيرانها الأوروبيين والولايات المتحدة، حتى أن كثيرون يشكّون في أنها ستقاتل في دول البلطيق أو تنافس روسيا في البحر الأسود إذا واجه الغرب صراعاً مع موسكو، أي أنها حليف غير موثوق به وقد تشكل تهديداً داخلياً لحلف شمال الأطلسي.
لذلك فإن هذه التحديات تشير إلى ثلاثة سيناريوهات مستقبلية محتملة، إما انفصال وإما تجديد وإما شراكة مستقلة.
في السيناريو المحتمل الأول، قد يستمر التدهور في العلاقات عبر الأطلسي ويتفاقم بسبب النمو الاقتصادي البطيء وعدم الاستقرار السياسي، وانشغال الولايات المتحدة بالصين، والنزاعات التجارية التي لم يتم حلها، فيفقد الناتو في النهاية أهميته.
في حين تجدد الولايات المتحدة في السيناريو الثاني مع الحلفاء الأوروبيون الالتزام بعلاقات طويلة الأمد وتعميق التعاون عبر حل التوترات بشأن التجارة، وتوحيد النهج في التعامل مع روسيا والصين، مع تنسيق الترتيبات الأمنية الأمريكية الأوروبية بين الناتو والاتحاد الأوروبي.
أما سيناريو الشراكة المستقلة فهو هجين ستكون فيه الولايات المتحدة وأوروبا قوى مستقلة عظمى تتعاون عندما تتماشى المصالح الحيوية، أي لا تنهار العلاقات بين الطرفين لكنها في الوقت ذاته لا تكون قوية.
لكن يبدو أن الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكي جو بايدن، تؤيد خيار الشراكة عبر الأطلسي، وملتزمة بإصلاح العلاقات مع أوروبا كأولوية عليا في السياسة الخارجية، لذلك قد تتخذ خطوات ملموسة لتحقيق السيناريو الثاني، أي تجديد العلاقة، وبالتالي قد تلجأ إلى اتباع نهج جديد في استعادة الردع الفعال، والالتزام بعلاقات تجارية والاستثمار عبر الأطلسي، والعمل على إشراك روسيا لكبح جماحها.
في كافة الأحوال، فإن الولايات المتحدة مدركة تماماً القوة المضافة إليها من حلف الناتو، إذ إن حلفاء الناتو الستون يشكلون نحو %70 من القدرة العسكرية على هذا الكوكب، وفي الوقت ذاته، يعد الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية، إضافة إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة قوى نووية لها مقاعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لذا فإن سيناريو التجديد هو الأكثر قوة للولايات المتحدة، وهو ما ستعمل عليه إدارة بايدن في المراحل القادمة.