على الرغم من مضي أكثر من خمسة أشهر على كارثة انفجار مرفأ بيروت، لم تُحسم بعد الجهة التي ستتولى إعادة إعماره، في ظل اشتداد «منافسة جيوسياسية» بين الدول التي ترغب بالحصول على امتياز إدارته وإعماره.
ومع الأخذ بالاعتبار الدمار الكبير الذي لحق به جراء الانفجار، يعمل المرفأ حالياً بنحو 70% من قدرته، وهي تمثل محطة الحاويات التي بقيت سليمة وناشطة بنسبة 100%. وتقوم شركة لبنانية هندسية بوضع خطة لاستعادة عمل المرفأ بكامل طاقته، وتوسيع إمكان الاستفادة من مساحات إضافية، تمهيداً لتحديد كيفية إدارته واستثماره، من القطاع العام أم بشراكة مع القطاع الخاص، أم بـ«خصخصة» كاملة، وذلك في ضوء التحولات الإقليمية والدولية، والتي تركز اهتمامها أيضاً على مرفأ طرابلس في الشمال، وهو يرتبط بخطوط التجارة الخارجية عبر سوريا إلى بلدان المنطقة، وكذلك مرفأ الزهراني في الجنوب، وهو مرتبط بخطوط التجارة مع سوريا والأردن، لذلك يتطلع البنك الدولي إلى أن يشمل مشروع التطوير موانئ لبنان على البحر المتوسط.
ويلاحظ أن الشركات الفرنسية هي الأكثر حماساً للاستثمار في الموانئ اللبنانية، وإضافة إلى الشركة الفرنسية لنقل الحاويات والشحن «سي إم إيه – سي جي أم» التي أعلنت عن رغبتها في استثمار مرفأ بيروت، فقد وقعت مجموعة «ريسي غروب» اتفاقية مع لبنان لدراسة كيفية معالجة الردم والأنقاض وإعادة تدويرها لاستخدامها لاحقاً في الإنشاءات المتوقعة. وقررت شركة «سي ماجم» الفرنسية العالمية اعتماد مرفأ طرابلس محطة أساسية لها في شرق المتوسط، اعتباراً من فبراير المقبل.
وفي المقابل تسعى شركات صينية لأخذ حصة استثمارية في مرفأ بيروت، وتتطلع إلى آفاق التعاون في مرفأ طرابلس وتطويره، ليكون منطلقاً للمساهمة في تنفيذ مشاريع إعادة إعمار سوريا.
ويرى عدنان كريمة الكاتب المتخصص بالشأن الاقتصادي انه من الطبيعي أن يتطلب تقاطع المصالح «تحالفات جيوسياسية»، وإذا كانت الصين تراهن على تعاونها مع إيران في مشاريع متعددة ومتنوعة، وتحالفها مع روسيا في ظل تنفيذ عقود استثمارات كبيرة لشركات روسية في تشغيل مرفأ طرطوس في سوريا، ومحطة المنتجات النفطية في مرفأ طرابلس اللبناني، فإن فرنسا تعتمد في تعزيز نفوذها السياسي وتنفيذ مشاريعها الاستثمارية بمشاركة بعض الدول الأوروبية، على التنسيق الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية، رغم وجود بعض الاختلاف في وجهات النظر، إذ تختلف نظرة الولايات المتحدة إلى لبنان ودوره، عن نظرة الفرنسيين. فالأميركيون يرون لبنان من زاوية رؤيتهم الواسعة إلى خريطة الشرق الأوسط، وعليه أن يؤدي الوظيفة التي يفرضها الواقع الجيوسياسي، أما الفرنسيون فنظرتهم ليست بهذا الاتساع، وما يهمهم هو أن يبقى لبنان "مستقراً" وبوابةً لحضورهم السياسي ومصالحهم الاقتصادية وتراثهم الثقافي، إلى العالم العربي، بحسب وصفه.