"ملكيات مُصادرة"... القانون(19) يُشرّد عائلات سورية ويمنعها من العودة!

وكالة أنباء آسيا – خاص

2021.01.07 - 07:34
Facebook Share
طباعة

 ليسوا معارضين للسلطة، ولا "إرهابين". سجلهم العدلي لا يحوي أي فعل مخالف للقوانين والأنظمة النافذة. هم سوريون، هُجروا من منازلهم بِفعل القتال والعمليات العسكرية خلال الحرب السورية المستمرة منذُ ما يقارب العشر سنوات.

عقارات السوريين تتعرض لانتهاك حق الملكية بالمصادرة والمنع من العودة لها، في مخالفة واضحة وصريحة للدستور السوري (2012) في مواده (15-16-17) وكذلك للقانون المدني، وقانون التخطيط وتنظيم العمران رقم 23 لعام 2015.

منع عودة

فشلت سحر العص (56 عاماً) بالعودة لمنزلها في بلدتها الشيفونية، بعد عدة محاولات. 

خرجت من منزلها بالعام 2015، نتيجة قربه من دائرة المعارك بالغوطة الشرقية، لتستقر ضمن الغوطة نفسها في أرضٍ زراعية تعود لزوجها الذي قُتل بالعام 2017.

تقول العص، في حديثها لـ"وكالة أنباء آسيا": "بعد انتهاء المعارك وحدوث التسوية بالعام 2018، أردت العودة لمنزلي لكني وجدت عناصر من الجيش السوري يقطنون المنزل، كنقطة عسكرية".

وتضيف العص "ذهبت للضابط المسؤول عن النقطة، فوافق على تسليمي المنزل شريطة حصولي على موافقة بلدية الشيفونية على ذلك"، مبينة أن رئيس البلدية رفض إعطاءها الموافقة بحجة أن منزلها يقع ضمن أراضٍ مستملكة للدولة كمنطقة حرفية منذُ عام 1980.

ولم تفلح محاولاتها المتكررة في العودة لمنزلها، إذ أن رئيس بلدية الشيفونية السابق أنور المصري، قال لها " أعطيكِ الموافقة شريطة تعهدك بالخروج من المنزل، في حال نُظمت المنطقة كمنطقة حرفية". لكن لسوء حظها تم تغيير رئيس البلدية وتاهت العص في تقاذف المسؤولية بين الرئيس الجديد والسابق، ولم تعد لمنزلها.

البلدية تنفي مصادرة المنازل

رئيس بلدية الشيفونية برهان العبود، نفى قيام البلدية بمصادرة أي منزل في الغوطة الشرقية، وأكد أن البلدية تُسهّل عودة الناس لمنازلهم، شريطة حصولهم على موافقة "أمن الدولة".

كما أنّ قرار العودة مفتوح لكل الناس المهجرين من الغوطة، بحسب العبود، باستثناء من كان منزله مُشيّد على أراضٍ تعود ملكيتها للبلدية، أي بمعنى (بناء مخالف).

وأوضح العبود في حديثه لـ"آسيا" "أن هناك منطقة حرفية تم شراؤها من وزارة الزراعة منذ عام 1980 وهي تضم العقارات (88،68، 80) ومن كان يسكن في جغرافية تلك المنطقة الحرفية لن يعود لمنزله.

وأكد العبود، أن الملكية الخاصة مصونة ولا يستطيع أحد منع أي شخص لديه ملكية خاصة من العودة، بينما من يسكن على أرض ملك للبلدية، فهذه لها موافقات خاصة، عبر شراء البيت من الدولة بعد فرز تلك العقارات كمقاسم سكنية.

وأشار العبود إلى أن أكثر من ثلثي السكان في الغوطة الشرقية عادوا، ومئة بالمئة من أصحاب الأراضي الزراعية عادوا لأراضيهم ويعملون فيها بالزراعة.

لكن كلام العبود يتناقض بشكل واضح مع ما حصل مع (طارق. س) أحد سكان الغوطة المُهجّرين، والذي تم رفض طلبه للعودة إلى منزله، بحجة انتساب أحد أقاربه لتنظيم جيش الإسلام سابقاً (التابع لزهران علوش) ومن ثم انتقاله إلى إدلب بعد تسوية العام 2018.

يقول طارق لـ "آسيا" " خرجت من منزلي بالعام 2016 بعد احتدام المعارك، ولم أشارك بأي فعل معادٍ للحكومة، ومع ذلك رُفض طلبي بالعودة، وحرمت من منزلي الذي عشت فيه أكثر من خمسين عاماً".

ولا يختلف حال أحمد (اسم مستعار) عن ما حدث مع طارق. حيث خرج من مدينة دوما بالعام 2016وأقام في إحدى ضواحي ريف دمشق مع عائلته.

ولدى شروع عائلة أحمد بعد العام 2018 بإنجاز معاملة حصر الإرث لـ 6 عقارات يملكونها، قام بتسليم حصر الإرث إلى أحد معقبي المعاملات، والذي بدأ بدوره بعملية استكمال الأوراق المطلوبة، وعندما وصل إلى الأوراق الخاصة بأحد الورثة من أقاربه، أخبره عنصر "الأمن العسكري" بأنه مطلوب، ولا يمكن إكمال المعاملة دون حضوره، ويقول أحمد لوكالة "آسيا" هكذا حُجزت العقارات الست لهذا السبب."

لا أرقام دقيقة لعدد المنازل المُصادرة

وقدّر مختصون، أن ظاهرة الاستيلاء والمصادرة لأملاك الناس في الغوطة الشرقية كبيرة الحجم، خصوصاً في الحالات التي ترك أصحابها منازلهم وخرجوا باتجاه محافظة إدلب، الواقعة تحت سيطرة تنظيمات متطرفة، أو الذين هم خارج سورية.

ويصعب الوصول إلى أرقام دقيقة حول من صودرت ممتلكاتهم خلال سنوات الحرب، في حين توضح بيانات نشرتها وزارة المالية، وجود 40 ألف حالة حجز احتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لسوريين في العام 2017، و30 ألفاً بالعام 2016، وأغلبها بسبب "التورط بأعمال إرهابية"، بحسب وصف المالية.

ما قانونية المصادرة للمنازل؟

في حديث لوكالة "آسيا" بيّن خبير قانوني (تحفظ على ذكر اسمه) بأنّ المصادرة للمنازل تحدث لمن هم مصنفين كإرهابين، وفقاً للقانون (19) "قانون مكافحة الإرهاب ". وحدد ثلاث حالات تتم فيها المصادرة، أو المنع من العودة، أولها أن يكون الشخص إرهابي، والثانية في حال كان المنزل مُهدّم، وأخرها حالة المنع من دخول منطقة بأكملها، إضافة للإجراءات الأمنية المطلوبة، والتي تشكل الأساس في المصادرة من عدمها، وفقاً للخبير القانوني.

تُعرف المصادرة وفق قانون مكافحة الإرهاب رقم "19" لعام 2012 على أنها: "الحرمان الدائم من الأموال المنقولة وغير المنقولة، وانتقال ملكيتها إلى الدولة، بموجب حكم قضائي".

وتحمي القوانين الدولية حقوق الملكية الفردية، وتفرض حمايتها من الحجز أو الاستيلاء من قبل الحكومات، إذ ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة "17" منه على أنه "لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفياً".

لكن، وبحسب مراقبون، فإنّ الحكومة السورية لا تتعامل برؤية قانونية واضحة ومحددة في تعريف من هو إرهابي، حيث أن بنود القانون (19) فضفاضة في تعريف الإرهابي، ما يشكل تعسفاً قانونياً في حدوث المصادرة لمنازل لكثير من السوريين.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 1