السلفيُّون في المغرب

اعداد خضر عواركة - صافي محمد سعيد- د. علي جمعة - د. زينة يوسف

2020.12.10 - 08:12
Facebook Share
طباعة

 [٨:٠٣ ص، ٢٠٢٠/١٢/١٠] Nour: ليست السلفيَّة في المغرب شيئاً جديداً, ويعتَبِر المؤرِّخون أنَّ الدولة "المرابطيَّة" التي حكمت المغرب خلال القرنين 11 و12 الميلاديَّين كانت تتبع منهجاً سلفيَّاً, ومعروف أنَّ المرابطين أحرقوا كتاب "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي في قرطبة، وأمروا بإحراقه في مختلف البلاد التي يحكمونها، بسبب نزعته الصوفيَّة.
بعد قرون، وبالتزامن مع ظهور حركة "محمد بن الوهاب" في الجزيرة العربيَّة، في القرن الثامن عشر، كانت الأصداء تصل بلاد المغرب, بل أنَّ سلطانين مغربيين عُرف عنهما تعاطفهما مع الحركة السلفيَّة، إن لم يكن تبنِّيها, ويتعلق الأمر "بمحمد بن عبد الله", و"ابنه سليمان" الذي أرسل وفداً إلى الحجاز للقاء حكَّامها الجُدد وتبيان أمر دعوتهم, وظلَّ أمر السلفيَّة بعدها خافتا في المغرب، باستثناء دعوة بعض السلاطين إلى التمسك بالكتاب والسنة ومحاربة البدع, وبرزت مع مجيء الاستعمار.
بعد سنوات من استقلال المغرب، وتحديدًا خلال عقد الثمانينيَّات، الذي شهد الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي، دخلت السلفيَّة المغربيَّة منعطفات جديدة عندا فُتِحَ الباب الجهاد في الأراضي الأفغانيَّة، تحت لواء ما سُمي بـ"الأفغان العرب"، مدفوعين بأفكار وعقائد سلفيَّة باتت تتشكّل شيئًا فشيئًا, وانتهت هذه المرحلة بوفاة زعمائها وعلى رأسهم زعيم حزب الاستقلال آنذاك "علال الفاسي" 1974م.
بدأت سلفيَّة جديدة بالظهور متأثِّرة بالتيار الوهابي في المملكة العربيَّة السعوديَّة, وكان عرَّابها عالم معروف درس في الشرق اسمه "تقي الدين الهلالي"، وينظر إليه على أنَّه أبو "الوهابيَّة المغربيَّة", بعد وفاته سنة 1987م، انتقلت قيادة الوهابيَّة المغربيَّة إلى الشيخ "محمد بن عبد الرحمن المغراوي"، الذي يصنَّف ضمن التيار السلفي التقليدي، أي السلفيَّة المهتمَّة بميدان العلوم الشرعيَّة أكثر منها سلفيَّة حركيَّة تخوض في السياسة, وبدأ نجم المغراوي بالظهور ابتداءاً من سنة 1975م، عندما أسَّس "جمعيَّة الدعوة إلى القرآن والسنة"، التي فَتَحَت العشرات من "دور القرآن" في مختلف المدن المغربيَّة.
وظلَّت السلفيَّة في المغرب تقليديَّة إلى نهاية الثمانينيَّات عندما انقسمت عموديَّاً إلى تيَّارين، حافَظَ أحدهما على تقليديَّته فيما تحول الثاني إلى حركي لا يتردَّد بالجهر بأفكاره السياسيَّة، وهو التيار الذي تحوَّل بعض أفراده إلى سلفيَّة جهاديَّة.
خلال فترة ثمانينيَّات القرن الماضي، ظهر ما يشبه التحالف بين الدولة والحركة السلفيَّة, لضرب التيار الماركسي وحركات الإسلام السياسي مثل جماعة العدل والإحسان التي قاد زعيمها "عبد السلام ياسين" محاولات لتوحيد الحركات الإسلاميَّة, في المقابل، كانت السلفيَّة تسعى إلى اكتساب جزء من الحقل الديني في المغرب، فمنحت الحريَّة لجمع الأموال من الناس عبر الصدقات والزكاة، قبل أن تربط لاحقاً علاقات وطيدة بشبكة الدعوة السلفيَّة عبر العالم، التي كانت تمولها المملكة العربيَّة السعوديَّة.
غير أنَّ تِلك السياسة بدأت تنقلب ضد قطاع عريض من السلفيِّين مباشرة بعد إعلان الولايات المتَّحدة الأميركيَّة الحرب على "الإرهاب" سنة 2001م، حيث تجنَّدت السلطات المغربيَّة للتربص بمن باتت تعتبرهم آنذاك إرهابيِّين يشكّلون خطرًا على السلم والأمن داخل البلاد وخارجها, وبالرغم من غياب كامل لإحصائيَّات أو معطيات ميدانيَّة، تدرس التوزُّيع الجغرافي للسلفيين بالمغرب، فإن مُدُناً بعينها باتت تُعرَف كونها "معاقل" للسلفيَّة المغربيَّة؛ فمدينة "مراكش"، مثلاً، اشتُهرت بكونها معقلاً رئيسيَّاً للسلفيَّة التقليديَّة، باعتبار أنَّ هذه المدينة هي مقر إقامة "المغراوي" وأنشطته في دُور القرآن، بينما تُعرف مدينة "طنجة"، مثلاً، أو "تطوان" أو "سلا"، بكونها مدنًا تكثر فيها السلفيَّة ذات التوجه الجهادي.
في أعقاب "الثورات" في العالم العربي العام 2011م، واتت التيار السلفي في المغرب الذي تخلَّى عن العنف، فرصة دعمت مركزه، حيث أدَّى الحراك السياسي والاجتماعي في المغرب إلى دفع السلطات لإجراء إصلاحات سياسيَّة، بدأت بإقرار دستور جديد يمنح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة على حساب صلاحيات الملك, ثم جاءت انتخابات برلمانيَّة أدَّت لفوز حزب "العدالة والتنمية" ذي المرجعيَّة الإسلاميَّة بالأغلبيَّة وقيادته لأوَّل حكومة شملت ائتلافًا مع أحزاب يساريَّة ويمينيَّة, وساعده بذلك فوز الإسلاميِّين الانتخابي في كل من تونس ومصر والمغرب أيضًا، فضلاً عن مطالبة الشارع عبر حركة 20 فبراير بإطلاق سراح المعتقلين الإسلاميِّين والسياسيِّين، على تقوية حجة السلفيِّين داخل السجون؛ فوافقت السلطات المختصَّة على إطلاق سراح عدد منهم رغم عدم إتمام مُدَد العقوبة، بينما منحَ العاهل المغربي عفوًا عن مشايخ السلفيَّة كـ"تحسن الكتاني" و"أبي حفص رفيقي" و"محمد الفزازي" و"عمر الحدوشي".
ولم يُخفي الشيخ "محمد الفزازي"، على سبيل المثال، وهو أحد أبرز الوجوه السلفيَّة بالمغرب، تأييده للثورات العربيَّة، ومباركته للأنظمة التي جاءت بها رياح الربيع العربي، حتى إنَّه شارك في مؤتمر بتونس بُعيْد الثورة التونسيَّة حول موضوع "دور العلماء والقيادة الشرعيَّة في الثورات".
بعد مرحلة السجون، وبداية "الربيع العربي" خاصة، تغيَّرت مواقف التيار السلفي الجهادي بشكل كبير في المغرب, إزاء التيَّارات والمكوِّنات الإسلاميَّة الأخرى بالمغرب، من جماعات وحركات إسلاميَّة، مثل جماعة "العدل والإحسان" و"حركة التوحيد والإصلاح"، و"حزب العدالة والتنمية"؛ فصار أكثر نزوعاً نحو التوافق من الميل إلى الصراع، وبرزت لديه فكرة الحوار مع التيارات الإسلاميَّة الأخرى بدلاً من السجال والمناكفة, فكل من التيار الجهادي والتقليدي لم يعد يرفض بالمطلق العمل السياسي، وإن كان الأوَّل يسعى نحو المشاركة السياسيَّة والجماعيَّة, وتبرَّر وجود الحركة السلفيَّة في المغرب، بمواجهة ثلاث أجندات رئيسة:
1. أولها مواجهة الفكرة الناصريَّة التي بدأت تمتد في الكثير من البلدان العربيَّة مثل سورية واليمن، وتُشكِّل تحديا للدولة المغربيَّة، وضمن هذا السياق تدخَّل الملك الحسن الثاني للدكتور تقي الدين الهلالي للإقامة بالمغرب والتدريس بدار الحديث الحسنيَّة.
2. ثانيها محاصرة الثورة الإيرانيَّة، وذلك اعتبارا لما بين التوجه الوهابي والتشيع من قطيعة فكريَّة وسياسيَّة.
3. وثالثها، مواجهة الحركات الإسلاميَّة بشكل عام، و"جماعة العدل والإحسان" بشكل خاص، إذ قامت بدور كبير في مواجهة فكر "عبد السلام ياسين"، إذ أنتج التيار السلفي عدداً من الكتب في مواجهة النزوع الصوفي, وأُلِّفت كتب في الرد على كتبه "الإسلام غدا" و"الإسلام بين الدعوة والدولة" و"الإحسان", ويمكن الحديث عن أهم التيارات والجمعيَّات السلفيَّة في المغرب بالآتي:
1. "جمعيَّة البصيرة":
انتظم بعض رموز السلفيَّة في المملكة المغربيَّة بجمعيَّة سميت بجمعيَّة "البصيرة"، كالشيخين أبي حفص وحسن الكتاني, رغم تصريح الكتاني أنّهم لا ينصفون أنفسهم بالسلفيَّة أو الجهاديِّين.
2. "النهضة والفضيلة":
تأسس العام 2005م بعد انشقاق قائده "محمد خليدي" عن حزب العدالة والتنمية, وهو ذو مرجعيَّة إسلاميّة وهو مزيج من الحركة الإسلاميَّة "التوحيد والإصلاح" وحزب الحركة الشعبيَّة الدستوريَّة الديمقراطيَّة "حزب العدالة والتنمية", ويعتقد البعض أنَّ الحزب قد انتهى بعد تفكك التحالف العام 2011م, إلَّا أنَّه ثمت مؤشرات تقول أنَّه عاد إلى الساحة من جديد كتنظيم سلفي يمارس الدعوة في الحقل السياسي.

3. "جمعيَّة الدعوة إلى القرآن والسنة":
وقد مثَّل هذا التيار "محمد عبد الرحمن المغراوي"، في مدينة مراكش سنة 1975م، والمُشرف على تأسيس أكثر من مائة مدرسة قرآنيَّة بمختلف المدن المغربيَّة بتمويل خليجي، ومباركة من السلطات المغربيَّة, من جانب آخر يتجلَّى موقف "جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة" من السلطة عبر رفضهم التام لكافة أشكال الاحتجاج الاجتماعي المناوئ للسلطة، مثل الإضرابات والتظاهرات والاعتصامات، ذلك أنَّّ منهجهم يقوم على الاستماع الدائم لولي الأمر، ومن ثم فإن الجهاد وفقا لهم لا يتأتى عبر الإضراب وإنما عبر التقرب من الله.
4. "جمعيَّة الحفاظ على البِر":
رأسها "جمال أسطيري"، ووجَّهت تلك الجمعيَّة اهتمامها إلى ضرورة تغيير واقعها كي تتجاوز بعض الخلل الذي رأت أنَّ بعض المشتغلين بالدعوة يعانون منه، وعل…
[٨:٠٣ ص، ٢٠٢٠/١٢/١٠] Nour: السلفيَّة في مصر:
من أهم ملامح تعقُّد الخريطة السلفيَّة في مصر, وجود نوعين من اتجاه السلفيِّين:
أولاً). "السلفيَّة التقليديَّة" أو "العلميَّة":
مثل المدارس السلفيَّة وشيوخها في الإسكندرية والقاهرة والمنصورة، إضافة إلى الدعاة المستقلين، مثل "محمد حسان"، و"محمد حسين يعقوب"، و"محمود المصري"، وهي تضم ثلاثة أشكال من السلفيَّة، هي:
1. "الدعوة السلفيَّة":
نشأت في سبعينيَّات القرن الماضي، على يد مجموعة من الطُلَّاب؛ إذ تُشبه اتحاد الدُّعاة الذي بدأ يتجلَّى بشكل منظَّم عام 1980م، ومن أبرَزَهُم "محمد إسماعيل المقدم، وأحمد فريد، وسعيد عبد العظيم، ومحمد عبد الفتاح، وياسر برهامي، وأحمد حطيبة" وقد التقوا جميعاً في كليَّة الطب بجامعة الإسكندريَّة, وانتمى هؤلاء الطلاب إلى تيار ما كان يسمى"الجماعة الإسلاميَّة"، والذي عُرف بالجامعات المصريَّة في السبعينيَّات بـ"الفترة الذهبيَّة للعمل الطلابي" في مصر، إلَّا أنَّهم انسحبوا من الجماعة الإسلاميَّة بعدما هيمن عليها طلاب الإخوان؛ فرفضوا منهجهم، وتأثروا بدعوة "محمد إسماعيل المقدم" من خلال الدروس التي كان يلقيها عليهم بجانب دروس "أحمد فريد" زميله؛ فكانت تلك الدروس بمثابة ملتقى أسبوعي لهم لمناقشة متن "العقيدة الطحاويَّة"، وكذلك "تحفة الأطفال"، و"مدارج السالكين"، وبهذا العدد القليل استطاع "محمد إسماعيل المقدم" تأسيس النواة الأولى من المدرسة السلفيَّة عام 1977م’ وأطلقوا على أنفسهم بعد ذلك اسم "المدرسة السلفيَّة"، إلا أنَّهم اشتهروا بمسمى "سليفو الإسكندريَّة", ومع مرور عدة سنوات من العمل الحركي، انتشرت السلفيَّة العلمية بجميع محافظات الجمهوريَّة وكثرت أتباعها؛ فأطلقوا على منظمتهم "الدعوة السلفيَّة", ومنذ منتصف الثمانينات، أسَّست الدعوة السلفيَّة معهد "الفرقان لإعداد الدعاة "في الإسكندرية عام 1986م، "كأول مدرسة إسلاميَّة ذات توجه سلفي لتخريج الدعاة"، وصدّرت دعاتها إلى جميع محافظات مصر, ويدعوا هؤلاء السلفيُّون إلى العودة لكتاب الله والسنة بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ويهتمون بكتب التراث، ومقولات الأئمة من أصحاب المذاهب والفقهاء، وأدبيات وأفكار "ابن تيميَّة وابن القيِّم" وشيوخ جمعيَّة "أنصار السنة المحمديَّة" وغيرهم.
2. "السلفيَّة الحركيَّة":
نشأ بحي شبرا بالقاهرة على يد مجموعة من الشباب, ومن أبرز رموزه "فوزي السعيد"، و"محمد عبد المقصود"، والدكتور "سيد العربي"، و"فوزي السعيد"، ويكاد يتطابق منهج السلفيَّة الحركيَّة مع منهج سلفيَّة "مدرسة الإسكندريَّة"، إلَّا أنَّ الحركيِّين لا يكتفون بتكفير الحاكم بل يذهبون إلى تكفيره عينيَّاً, إذا لم يحكم بما أنزل الله، ويجهرون بذلك في خطبهم، كما يعتقدون بحرمة المشاركة في المجالس النيابيَّة؛ لأنَّها تتحاكم إلى غير الشرع، وتجعل الدساتير الوضعيَّة حاكمًا لشريعة الله وهذا في منهجهم بمثابة كفر, وكذلك يعتقدون أن مظاهر المجتمعات الإسلاميَّة الآن من تبرج وسفور ومعاصي كلَّها من أمور الجاهليَّة، لكن لا يُكّفرون بها، ودائمًا ما يشنون هجومًا عنيفًا على التيارات السلفيَّة التي يرون أنَّها تهوِّن من مفهوم المعصية.
3. "السلفيُّون المستقلُّون":
يُعتبر هذا التيار امتدادًا للتيار السلفي القديم في مصر, ومنذ مطلع القرن العشرين، مثَّله عديد من الجمعيَّات مثل "جمعيَّة الهداية" التي تدعوا إلى الالتزام بالسنة ومحاربة البدع، كما اهتم اتباعها بـ"الهدى الظاهر" في المسائل المتعلِّقة بشكل الملابس، واللحية، وشعر الرأس، والحجاب.
ثانياً). "سلفيَّة المنهج والاعتقاد":
يُمثلها عدد من التيَّارات الإسلاميَّة، حيث لها طريقة عملها الخاص وأسلوبها الدعوى المستقل الذي يرفض العمل والتنظيم, ومن أهمها:
1. "جماعة أنصار السنة المحمديَّة":
تأسَّست في مدينة القاهرة على يد الشيخ "محمد حامد الفقي"، بعدما حدثت مضايقات متبادلة بينه وبين الطرق الصوفيَّة؛ لذا اتجه إلى العمل الجماعي المنظم من خلال إنشاء جمعيَّة تحمل منهج "أنصار السنة المحمديَّة" وتنشر مبادئها، ووضع لها قانونًا؛ حيث بلغ عدد أتباعها الآلاف, وتعاقب على جماعة أنصار السنة المحمديَّة عدد من الرؤساء بعد وفاة الشيخ "محمد حامد الفقي" حتى عام 1969م، وفي ذات العام، أدمجت الحكومة المصريَّة جماعة "أنصار السنة" في "الجمعيَّة الشرعيَّة"، واستمرت الجماعة على هذا الحال حتى جاء عام 1972م، فأعيد إشهار الجماعة مرة أخرى على يد الشيخ رشاد الشافعي "المؤسس الثاني"، مستفيدة من أجواء حالة الانفتاح التي سمح بها الرئيس الراحل السادات, وينتشر أعضاء الجماعة في كل محافظات مصر، ولها في مصر قرابة مائة فرع وألف مسجد, وترى الجماعة أن إقامة الدولة الإسلاميَّة (التمكين) لا يتحقق إلا بنشر التوحيد الخالص؛ وتعتقد أنَّ النظام الديمقراطي نظام كافر, ومن أهم رموز الجماعة الشيخ "محمد حامد الفقي"، و"عبد الرزاق عفيفي" عبد "الرحمن الوكيل"، و"رشاد الشافعي"، و"محمد علي عبد الرحيم"، و"صفوت نور الدين", وشهدت مؤخرًا صراعًا داخليًا نشب بين تياراتها على إثر صدور كتاب "الحاكميَّة والسياسة الشرعيَّة عند علماء أنصار السنة" للشيخ "عادل السيد" اتهم فيه السلفيَّة السياسيَّة ودعاة المدرسة الإسكندريَّة وحتى السلفيَّة الجهاديَّة باختراق المنهج العقائدي لأنصار السنة، مستغلِّين الظروف السياسيَّة، والمحلية، والدوليَّة التي تمر به البلاد، لتشويه سمعة السلفيَّة الحقيقيَّة من خلال خلط السياسي بالعقائدي بين المنتمين لجماعة أنصار السنة.
2. "الجمعيَّة الشرعيَّة":
أسَّسها الشيخ "محمود خطاب السبكي" عام 1912م, تحت اسم "الجمعيَّة الشرعيَّة لتعاون العاملين بالكتاب والسُنَّة المحمديَّة", وانتشرت فروعها التي بلغ عددها 350 فرعًا في جميع المحافظات المصريَّة؛ لما تقدِّمُه من خدمات اجتماعيَّة؛ حيث أظهرت الجمعيَّة أنَّ الهدف من وراءها هو الوعظ والإرشاد، والدعوة إلى الالتزام بالسنة ومحاربة البدع, وكذلك إرساء قيمة التعاون والتكافل بين أبناء الشعب؛ حيث نشـأت الجمعيَّة لتحقيق رؤية مؤسِّسها بما يتوافق مع الواقع المصري المضطرب في ظل الاستعمار الذي نتج عنه تنحية الشريعة الإسلاميَّة عن الحياة العامَّة، وتغيير مسار التعليم ومناهجه، وبداية حملة التغريب التي ظهرت في تلك الفترة، وما صاحبها من دعوات تقلل من قيمة المرأة، ومكانة الشريعة الإسلاميَّة في الحياة الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، وظهور وتفشي البدع والخرافات, وتهدف الجمعية وفقا لمنهجها الذي تسوقه، إلى خروج الأمة الإسلاميَّة من مشكلة التأخر الذي يرجع إلى البدع والخرافات التي دخلت على الدين، وتنقية الدين من هذه البدع كي تعود للأمة على مجدها وعزها. من أبرز رموز الجمعية الشيخ "محمود محمد خطاب السبكي"، والشيخ "أمين محمود محمد خطاب السبكي"، والشيخ "عبد اللطيف مشتهري"، والشيخ الدكتور "فؤاد علي مخيمر".
التيارات السلفيَّة في مصر والثورة:
أدَّت العزلة التي ارتضاها غالبيّة التيار السلفي أبان الحراك في مصر, إلى تشكّل صورة نمطية عنهم، تُغفل تنوعّهم الحقيقي، وتُظهرهم وكأنَّهم كتلة واحدة غير قابلة للفرز أو التصنيف, حيث صنّف السواد الأعظم من السلفيِّين ثورة يناير بمثابة "خروج على الحاكم وخراب على البلد"، باستثناء تيار ما يُعرف بـ"السلفيَّة الحركيَّة"، وهي مدرسة سلفيَّة تعمل بين منهجين في وقت واحد: تمارس الدعوة بين الناس مستغلّة التوافق مع الحاكم من ناحية، ولا تُسقط فريضة الجهاد على نفس الحاكم من ناحية أخرى, وامتنع أبناء "الدعوة السلفيَّة" بالإسكندريَّة، وأبناء "مدرسة السلفيَّة العلميَّة"، عن المشاركة في الثورة, ويكشف عدد الأحزاب التي أسسها السلفيُّون عقب الثورة، حجم الاختلافات بين أبناء هذا التيار، حتى وصل عدد الأحزاب التي أسسوها في حينه إلى 5 أحزاب.
وبعد أقلّ من شهرين على الثورة، جاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 9 مارس/ آذار 2011م، الذي شارك فيه التيار السلفي للمرة الأولى رسمياً من خلال الدعوة والحشد للتصويت بـ"نعم" في مواجهة القوى المدنيَّة، التي كانت تحشد للتصويت بـ"لا", ونشأت عقب ذلك أحزاب سياسيَّة سلفيَّة تحمل فكر المجموعات المختلفة في التيار السلفي.
وقد تباينت مواقف تلك الأحزاب والتكتُّلات السياسيَّة بشأن التعامل مع "الإخوان المسلمين" والرئيس المعزول محمد مرسي، ففي الوقت الذي تكتَّلت فيه معظم الأحزاب والتيارات السلفيَّة "الفضيلة والأصالة والإصلاح والوطن"، بالإضافة إلى "الجبهة السلفيَّة" خلف مرسي، في وجه "جبهة الإنقاذ" التي شكلتها القوى المدنيَّة، اصطف "النور" مع "الجبهة" معلناً العصيان في وجه مرسي, قبل أن يعلن مشاركته في انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013م بشكل واضح، في حين استمرَّت باقي القوى السلفيَّة في تحالفها مع جماعة الإخوان خلف الرئيس المعزول، وشاركت في اعتصامي رابعة العدويَّة والنهضة, وبالتالي تغيَّر المشهد السلفي في ممارسة العمل السياسي بشكل كبير عقب 30 يونيو/ حزيران، وبات التيار السلفي أكثر تشتُّتاً وضعفاً, وتحوّل "النور" ومعه "الدعوة السلفيَّة"، من قوة انتخابيَّة لا يستهان بها، ترهب كافة منافسيها، إلى منافس ضعيف تلقّى هزيمة قاسية في معاقله الانتخابيَّة.
وعلى صعيد باقي التكتلات والأحزاب السلفيَّة، فقد تحوّل معظمها لمجرد رموز شخصيَّة معبّرة عن كل حزب، بعد اضطرار معظمهم للخروج من مصر مطارَدين، عقب فض اعتصامي رابعة العدويَّة والنهضة، وموقفهم الرافض للانقلاب, وفي مقدمة هؤلاء: رئيس حزب "الفضيلة" محمود فتحي، ورئيس حزب "الأصالة" إيهاب شيحة، وأحد الرموز السلفيَّة بالقاهرة محمد عبد المقصود, وفي ما يتعلق برموز "السلفيَّة العلميَّة"، فقد التزم كل من الشيخ محمد حسان وأبو أسحاق الحويني ومحمد حسين يعقوب، الصمت تماماً، رافضين الدخول في صدام مع النظام السياسي بدعوى فقهيَّة وهي تجنُّب الفِتنة.
وفي مقابل مشهد السلفيِّين المنخَرِطين في العمل السياسي، ظلّت هناك تشكيلات سلفيَّة رافضة لممارسة أي عمل حزبي أو سياسي، حتى عقب ثورة 25 يناير, من أبرز هؤلاء، "جمعيَّة أنصار السُنَّة المحمديَّة"، التي أشرنا إليها سابقاً, ومن التشكيلات السلفيَّة أيضاً في مصر:
1. "الجمعيَّة الشرعيَّة لتعاون العاملين بالكتاب والسنّة":
التي ابتعدت تماماً عن المشاركة في أي عمل سياسي منذ تأسيسها عام 1911م، مكتفيةً في مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها البلاد بالعمل الدعوي والخدمي، وتمكنت من توسيع نشاطها، حتى بات لها حوالي 350 فرعاً في أنحاء مصر، وتدير 38 معهداً، موزعة على 12 محافظة، لإعداد الدعاة من الرجال والنساء. وتدير شبكة كبيرة من المشروعات الاجتماعية، منها كفالة اليتيم ورعاية الأرامل وتيسير الزواج، ومشروعات استضافة الفتيات المغتربات، ومشروعات علاجية إضافة لأنشطة متعلقة بمحو أمية الكبار، ومدارس تحفيظ القرآن.
2. "الجمعيَّة الشرعيَّة للعاملين بالكتاب والسُنَّة المحمديَّة":
تأسَّست في ديسمبر عام 1912م على يد الشيخ محمود محمد خطاب السبكي, وهي أوَّل جمعيَّة منظَّمة تدعو إلى إحياء السنة وإماتة البدعة، وكل القائمين عليها حاليَّاً وسابقاً من الأزهر وليس لها علاقة بالفكر السلفي أو الوهابي.
2. "الجماعة الإسلاميَّة" وذراعها السياسي حزب "البناء والتنمية":
وظَهَرَت في الجامعات مطلع السبعينيَّات، وخرج من عباءتها بعد ذلك مجموعة انضمت للإخوان وأخرى أسَّست ما يعرف بالسلفيَّة العلميَّة أو الدعوة السلفيَّة بالإسكندريَّة, قوة الجماعة الإسلاميَّة حاليَّاً وكثافتها في الصعيد, رُغمَ أنَّ مركزها الرئيسي القاهرة, وتحديداً في محافظات المنيا وسوهاج وبني سويف وأسوان وقنا وأعدادهم تزداد عن ال20 ألف فرد.
3. "مجلس أمناء السلفيَّة":
مؤسِّس مجلس أمناء السلفيَّة "د.محمد الإمام", ويضم مجموعة كبيرة من أبناء الدعوة السلفيَّة, ويهدف إلى حراسة السلفيَّة الصحيحة حسب رأيهم، ومن أهم الآراء السياسيَّة, أنَّ الخروج على الحاكم لابد أن يكون ضد الحاكم الذي لا يطبق شرع الله وليس الحاكم الظالم.


4. "الجبهة السلفيَّة":
هي مجموعة من القوى السلفيَّة الثوريَّة الرافضة للنظام السابق وممارساته من الاضطهاد والاعتقال, وهي عبارة عن حركة وتيار وجبهة وليست تنظيمًا أو جماعة أو حزبًا، ولها نظام إداري مكون من "7 لجان" ولا تعتمد على التنظيم الهرمي مثل الجماعات المعروفة وقراراتها تتخذ بشكل حر حسب الأغلبية، والجبهة ليست لها حزب وأعضاؤها منضمون لعدة أحزاب مختلفة ولكن ذات المرجعيَّة الإسلاميَّة والمنسق العام للجبهة يتم تغييره كل عامين.
5. "حزب الأصالة":
هو كيان منفرد بذاته لا يتبع أي كيان سلفي معروف, بل يتبع أحد رموز المدرسة السلفيَّة وهو الشيخ محمد عبد المقصود الذي لا ينتمي إلى أي كيان ولكن يصفه البعض بمدرسة القاهرة السلفيَّة, ويضم 500,7 عضو.
6. "الهيئة الشرعيَّة للحقوق والإصلاح":
ظهرت بعد الثورة, وهى هيئة علميَّة إسلاميَّة وسطيَّة مستقلَّة, وتتكوَّن من إخوان وسلفيِّين ومستقلِّين وأزهريِّين وأنصار سنة ومختلف التيارات الدينيَّة, وذلك من أجل تجميع العلماء في هيئة واحدة حتى تكون المشاركة فعالة، ترأسها في بداية التأسيس الدكتور نصر فريد واصل ثم على أحمد السالوس.
7. مجلس شورى العلماء:
تأسس مع الثورة في 24 يونيه 2011م, حيث أدَّت الأحداث الأخيرة لتباين الآراء بين العلماء وتغيير وضع الشعب المصري, وتشتت الآراء الفقهيَّة فتم التفكير في إنشاء مجلس شورى العلماء.
وتشير العديد من الدراسات إلى تراجع السلفيَّة في مصر, بعد البدء لا تخلص من إرث الثورة المصرية, ومشاكلها, ولو بشكل صُوري عام, وفي مقدمة تلك العوامل تنامي الوعي بحقيقة الأوضاع على الساحة، وتحالفات تيار الإسلام السياسي المهدِّدة للأمن والاستقرار، وصعود تيارات ملأت الفراغ وتواصلت مع الجمهور الذي أصبح أكثر تيقّظا للإشكالات الفكريَّة المثارة, ومن معالمه تقهقر نفوذ وتمثيل السلفيِّين الأخير في مجلس النواب, والانهيار الكلِّي في انتخابات مجلس الشيوخ، وكذلك تراجع دور وأداء حزب النور السلفي الأكثر تقارباً مع السلطة في مصر, كما تعمل الحكومة المصريَّة بعد الثورة على أن تطوي صفحة الاستقطابات الدينيَّة, والسجال الذي شغل المجتمع وأجهزة الدولة لعدة سنوات خلال الثورة, وبالإضافة لعوامل الفشل السياسي للسلفيِّين في أفول نَجمَهُم, هناك عامل يتعلَّق بسياسة أجهزة الدولة المصريَّة, والعمل على تعميم نموذجها الخاص للتدين، سعياً لإيجاد إسلام طيّع مستأنس لا يُؤدي إلى بروز أي معارضة مبنية على وازع ديني, ما سيشكل تحدياً كبيراً أمام انتشار السلفيَّة، فيُواجه النموذج السلفي في التدين من خلال الأفلام والمسلسلات والإذاعة والجرائد حيناً، وأساليب الإقناع الفكري, حيناً آخراً.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 6