كتبت نادين عبدالله: تبعات هزيمة ترامب

2020.11.20 - 04:54
Facebook Share
طباعة

 عرفت الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب (ومازالت) نمط إدارة جديدا وغريبا عليها: نمط إدارة شركة لا دولة. والأهم هنا هو أن هذا الشكل نفسه اختاره الرئيس الأمريكى لإدارة علاقة بلاده بباقى الدول؛ وهو ما لم تعهده، على الأقل نسبيًا، الولايات المتحدة ولا أى دولة كبرى وديمقراطية. حسبة السياسى تختلف عن حسبة التاجر... الأول يحسب أبعاد قراراته الاجتماعية والسياسية والدولية؛ أما الثانى فيكتفى بالربح المادى ويعطيه كل الأولوية.


والحقيقة هى أن ترامب تعامل مع العالم باعتباره شركة كبيرة، ومع نظرائه فيه (بل ومواطنيه) باعتبارهم زبائن يقيم معهم علاقات بمنطق المنفعة المباشرة أو يمنعها لو انتفت الأخيرة. فهو لم يعبأ كثيرًا بمظهر الولايات المتحدة كأكبر دولة فى العالم، أو بالأعراف الدولية التى تتعدى هذا المنطق الضيق، أو حتى بتبعات قراراته على المجتمع الأمريكى. وهو أمر سيتغير بفوز بايدن حيث ستستعيد أمريكا التوازن الطبيعى فى علاقتها الدولية فتديرها بمنطق الدولة العظمى ووفقًا لمصلحة الدولة الأمريكية؛ فلا تجعل من المكاسب المادية مقياسًا وحيدًا للقرارات الاستراتيجية والسياسية وحتى الاقتصادية.


كما عرفت الولايات المتحدة تحت حكم ترامب نمط إدارة لا يعترف بمؤسسات الدولة بل يتعمد فى أحيان كثيرة إحراجها؛ ولا يعترف بالعلم بل يتعمد «الهرتلة» وشهدت حكمًا يتعمد تقسيم المجتمع وإهانة كل من مختلف؛ والتحقير من شأن الكفاءات لأجل تعيين من ينتمى إلى أفكاره المحافظة؛ وهى كلها أشكال من الإدارة لم تعتد عليها الدول الغربية ذات التقاليد الديمقراطية الراسخة نسبيًا.


ففى أوقات عديدة، أصر ترامب على الاستهتار بمهنية مؤسسات الدولة والمساس المتعمد باستقلاليتها، فكانت سلسلة الاستقالات المعروفة من كبار الموظفين بها؛ هذا بالإضافة إلى الاستهانة بالعلماء والمتخصصين، وهو ما ظهر واضحًا فى التعامل مع فيروس كورونا وانتشاره المرعب فى الولايات المتحدة. وهى أيضًا أمور ستتغير بفوز بايدن حيث ستستعيد أمريكا توازنها الداخلى واتزانها المؤسسى. لا يعنى ذلك أن نمط إدارة بايدن سيكون مثاليا، بالتأكيد لا؛ ولكنه فقط سيكون فيه عودة إلى القديم والمعتاد عليه من احترام التقاليد المؤسسية والمهنية التى عرفتها الدول الديمقراطية الكبرى.


لذا فإن فوز بايدن سيعنى استعادة الولايات المتحدة قدرا من هيبتها وتقاليدها داخليًا وخارجيًا حتى وإن كان نمط الحكم والإدارة المتوقع أبعد ما يكون عن الكمال أو المثالية.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 1