سورية.. "أطفال الخبز" يشكون الندرة: "الذكية" قطعت أرزاقهم.. والحكومة تتفرّج على فقرهم!

محمود عبد اللطيف - وكالة أنباء آسيا

2020.11.18 - 10:01
Facebook Share
طباعة

 لا يخجل "أحمد" البالغ من العمر 11 عاماً من القول "أهجي" حين سؤاله عن مستوى تعليمه وهو يحتضن "ربطتي خبز" محاولاً بيعهما في ساعة متأخرة من الليل بالقرب من أفران "ابن العميد"، فالطفل المتحدر من ريف دير الزور ويعيش مع ذويه في حي ركن الدين بدمشق، كان قد نزح من قريته "الشعفة" برفقة ذويه هرباً من تنظيم "داعش" الذي كان ينتشر فيها قبل أن يستعيد الجيش السوري السيطرة عليها، وعن هذه الحال يقول "أحمد"، بأن ذويه فضلوا أن يبقى أمياً على أن يذهب إلى مدرسة تعلم مناهج كان قد اخترعها التنظيم بما يتناسب مع أفكاره الدينية.

ولـ "أحمد"، أخين توأم يكبرانه بسنة، يعملان أيضاً في بيع الخبز ولكن هما يختاران البقاء بجانب الفرن في "جديدة عرطوز" للبيع، فعلى الأطفال المساهمة في مصاريف البيت الكبيرة والتي تبدأ بأجرة المنزل التي تبلغ 75 ألف ليرة، علما أنها في منطقة "جديدة الفضل" التي من المفترض أن تكون أرخص من غيرها، يقول الطفل ما يبدو أنه سمعه من أبويه: "مفكرين كل الديرية كانوا يبيعون نفط، بس تقول أنا من الدير يفكروك زنكيل".

بالنسبة لـ "هيام" وهو اسم لطفلة في الثالثة عشرة من عمرها تقف عند "مفرق جديدة عرطوز" لتبيع الخبز في أوقات مختلفة من الليل، إذ تقول بأنها وأخواتها من الشباب والبنات يعملون في بيع الخبز لتحصيل قوت يومهم وتكاليف الدراسة، وهذا ما يعرضها أحيانا للتحرش من بعض الزبائن الذين يقفون بالقرب منها وهم يركبون سيارات فخمة بحسب توصيفها ليعرضوا عليها مبالغ مالية كبيرة مقابل الصعود معهم، وتؤكد الطفلة التي يبدو إنها كبرت قبل الآوان: "بعضهم يعرض علي 10 آلاف ليرة مقابل شغلات هو يسميها بسيطة، أحيانا أضطر اترك المفرق وروح، ومرات تنقضى بشوية صريخ أو بالشحاطة".

تحصل هيام على القليل من الخبز من خلال التعامل مع أحد الأشخاص الذي يحصل عليه بطرق ملتوية من فرن "جديدة عرطوز"، ويبيعه للأطفال بمبلغ ٥٠٠ ليرة للربطة الواحدة، ليقوم هؤلاء بالوقوف بالقرب من المفرق أو باب الفرن لبيع الربطة بسعر بين ٧٠٠-١٠٠٠ ليرة سورية، وتقول الطفلة في حديثها لـ "وكالة أنباء آسيا"، بأن "البطاقة الذكية قطعت رزقنا، قبل البطاقة كنا نقف ونشتري الخبز بـ ٥٠ ليرة ونبيعه بـ ١٠٠ أو ١٥٠ وكنا نقدر على بيع عدد كبير من الربطات يومياً، أما الآن فهي لا تحصل إلا على عشر ربطات في الحد الأقصى لكل يوم".

أما بتول البالغة من العمر 10 سنوات، تقول في حديثها لـ "وكالة أنباء آسيا"، أن بعض المارة كانوا يعطونها قبل ارتفاع سعر الخبز مبالغ مالية متعددة القيمة كنوع من التصدق عليها، إلا أنها كانت ترفضها على اعتبار إنها "ليست شحادة"، وقد تعلمت من أمها أن "الشحادة عيب"، وعليها أن تكسب رزقها بالحلال لكون مال المتسولين "حرام"، وتضيف الطفلة التي تعمل ببيع الخبز بعد دوامها المدرسي، بأنها تبيع الخبز بالقرب من "مفرق جديدة عرطوز"، لكونه مكان بعيد عن سكنها ومدرستها في صحنايا، والأمر يجنبها أن تصادف أحد الأطفال من أبناء صفها الدراسي وهي تعمل ببيع الخبز خوفاً من تحولها إلى مادة للسخرية بين أقرانها.

تعتبر القوانين السورية أن بيع الخبز من قبل الأطفال أو سواهم من المخالفات القانونية التي قد تعرضهم وأهلهم للعقوبة، كما أن قوانين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تعتبر أن عمل هؤلاء الأطفال يعد من "التسول المقنع" الذي يمارسه الكثيرين من خلال بيع "الورد - العلكة - البسكوت"، فيما لا تعتبر الوزارات السورية أن الضائقة التي يمر بها جزء كبير من أبناء الشعب السوري نتيجة لتذبذب سعر الصرف وعجز الجهات الرقابية عن ضبطه، إضافة إلى الكثير من قفزات الأسعار غير المبررة والتي تلصق بقرارات الحكومة من قبيل رفع سعر المحروقات، أموراً طبيعية وعلى الشعب أن يستوعبها، كما أن آلية بيع الخبز الجديدة والتي تتسبب بطوابير طويلة على أبواب الأفران باتت تعد من المشاهد التي باتت مألوفة بالنسبة للسوريين و"مسؤوليهم" على حد سواء .

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 2