كتبت احسان الفقيه: علماء السعودية وشيطنة الإخوان…رُمح سياسي بغلاف ديني

2020.11.18 - 08:37
Facebook Share
طباعة

 «نحن على العهد، وسنستأنف المسيرة».. صدق أو لا تصدق، الناطق بهذه العبارة هو الضابط الذي صار رئيسا لمصر جمال عبد الناصر، وهو يقف عند أحد القبور، عقب قيام ما يعرف بثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952، إلى هنا ليس هناك مدعاة للدهشة، لكن ربما يتغير رد فعلك عندما تعلم أن المعنيّ بهذا العهد هو صاحب القبر حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.


هذا المشهد الذي يجسد كيف استفاد العسكر من جماعة الإخوان، إلى الحد الذي جعل عبد الناصر ينتمي إليها يوما ما، هو مشهد يتكرر مع كثير من الأنظمة العربية، التي ربطت علاقتها بجماعة الإخوان بقانون المصلحة، تسمح بوجودها حينًا، وتنقلب عليها أحيانًا أخرى، فلم يكن عجبا أن تُرص صفوف كتائب الإخوان قبيل نكبة 48 في شوارع القاهرة للسفر إلى فلسطين للدفاع عنها ضد العصابات الصهيونية، وسط هتافات توديع الجماهير، ثم يعلن حل الجماعة واعتقال القادمين منها من أكناف القدس إلى ظلمات السجون.

ولا عجب بأن تقوم السعودية في السابق بتدريس مناهج تعليمية تتضمن أفكارا ونصوصا لأبي الحسن الندوي وسيد قطب وحسن البنا، ويتولى الإخواني محمد قطب التدريس في جامعاتها، والإشراف على الرسائل العلمية، ثم يصدر علماؤها الرسميون بيانا باعتبارها جماعة إرهابية مارقة، ويسمونها بأبشع التهم. لنا أن نختلف مع الإخوان كيفما شئنا، فهم ليسوا ملائكة، وليسوا كذلك شياطين، ولله در الأديب الفقيه محمد الغزالي، الذي كان ينتمي يومًا إلى الجماعة، ثم انفصل عنها، لكن لم ينفصل عنه إنصافه حين قال: «الزعم بأن جميع الإخوان أشرار سخف وافتراء، والزعم بأن الجماعة كلها كانت معصومة من الخطأ غرور وادعاء». وما من أحد فوق مستوى النقد، ولقائلٍ أن يتحدث عن الإخوان والتعصب، أو عن الإخوان والبراغماتية، أو عن الإخوان وسوء الإدارة، أو أي شيء آخر بخلاف تهمة الإرهاب، فإنها تحتاج إلى تدقيق بالغ، وتحديد لمفهوم الإرهاب ومدى انطباقه على واقع الجماعة. وفي ظل الأحداث الجسام التي تمر بها الأمة، من هجمة فرنسية على الجناب النبوي، تبعها رد فعل قوي تمثّل في حملات المقاطعة، ومن نزاعات إقليمية تنذر باشتعال الحروب، وتطبيع عربي يكاد يطمس معالم القضية الفلسطينية، وترقُّب الأمة الضعيفة لما سيسفر عنه تغيير سيد البيت الأبيض، في ظل هذا وأكثر، لم تجد هيئة كبار علماء المملكة السعودية شيئًا توليه اهتمامها سوى إصدار بيان يُحمِّل الإخوان المسؤولية عن كل كوارث الكون.

إذا كان علماء السعودية يتهمون الإخوان بالإرهاب، فإن حكامهم فتحوا من قبل أبواب البلاد للإخوان الهاربين من الأنظمة القمعية، وسمحوا باندماجهم في المجتمع السعودي ومؤسساته، بناء على تفاهمات تكفل للإخوان العيش في أمان والانخراط في المجتمع، من دون المساس بالهوية الدينية السعودية القائمة على منهج محمد بن عبد الوهاب، ومن دون التعرض للنظام العام القائم على الحكم الوراثي لآل سعود، وبالتالي لو كانوا إرهابيين فإن السعودية متهمة أمام العالم بإيواء واحتضان ورعاية جماعة إرهابية، وعليها دفع التعويضات لكل ضحايا الإرهاب، طالما أن مصدره جماعة الإخوان. الملك فيصل بن عبد العزيز أبرق إلى عبد الناصر يرجوه وقف قرار إعدام سيد قطب، إلا أن الأخير أمر أعوانه بإعدام سيد في الفجر، وتسليمه البرقية بعد الإعدام، ثم أرسل إلى فيصل يعتذر بأنها وصلته بعد تنفيذ الحكم، وعلى ذلك فالملك فيصل مُدان في الدفاع عن رمز من رموز الجماعة الإرهابية، الذي يتهمونه اليوم بأن أفكاره مظلة منهجية للعنف والإرهاب. المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، أفتى بأن الإخوان من أقرب الجماعات إلى الحق، وأحرصها على تطبيقه. والشيخ الجهبذ عبد الله بن جبرين عضو هيئة كبار العلماء السابق عدّ الإخوان من الجماعات التي تعمل بالسنة، وتدعو إلى الشريعة، وأنه يجب موالاتها ومحبتها، وإذا كان معها نقص أو مخالفة ننصحهم، وبناء على ذلك فإن علماء السعودية السابقين، مدانون بالدفاع عن جماعة الإخوان الإرهابية!

والأهم من ذلك، أن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، تنبغي محاكمته على التعاون مع الإصلاح اليمني المنسوب للإخوان الإرهابية، الذي يقاتل الحوثيين تحت رعاية التحالف العربي الذي تقوده السعودية.

وصف السعودية للإخوان بأنها جماعة إرهابية ليس جديدا، فالداخلية السعودية، أعلنت في مارس 2014 إدراج الإخوان بقائمة التنظيمات الإرهابية، رغم أنه لا يوجد تنظيم علني للجماعة داخل السعودية، لكنها فعلت ذلك دعما للنظام الانقلابي في مصر، الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي رحمه الله، المحسوب على جماعة الإخوان. إذا كان الأمر ليس جديدا، فلم أصدرت تلك الهيئة الدينية الرسمية ذلك البيان؟

الهيئة أداة سياسية بيد السلطة، من دون مراعاة البعد الشرعي أو القيمي، بياناتها تصريحات سياسية وليس فتاوى شرعية

لنا أن نربط بين هذا البيان المفاجئ، ومخاوف دول السعودية والإمارات ومصر من صعود بايدن، الذي تعتقد هذه الدول المناهضة للإسلام السياسي أنه سوف يكون أكثر وداعة مع الإخوان، وأكثر تحفظا في التعامل مع الملفات الحقوقية السوداء لهذه الدول. ولنا أن نربط بين البيان والموقف الأوروبي من الإسلاميين، ورغبة السعودية في إظهار التوافق مع الغرب في التعامل مع الإسلام السياسي، الذي يمثله الإخوان، وتأكيدها على اتجاه المملكة في الوقت الراهن إلى محاربة مثل هذه التيارات، بل لنا أن نربط بين البيان والأوامر الملكية في أكتوبر الماضي، بإعادة تكوين هيئة كبار العلماء.. لكن في النهاية، لم يعد ثمة خلاف في أن هذه الهيئة أداة سياسية بيد السلطة، وتتبنى الاتفاق الدائم مع كل سياسات الدولة، من دون مراعاة البعد الشرعي أو القيمي، وشرعنة القرارات السياسية للنظام الحاكم، وهي الهيئة ذاتها التي اعتبرت أن قرار حصار قطر مصلحة للمسلمين، ومنفعة للقطريين أنفسهم، فأصبحت بياناتها مجرد تصريحات سياسية وليس فتاوى شرعية.

بِنْية البيان الذي أصدرته الهيئة هش للغاية، يتعارض مع الواقع بشدة، فقول الهيئة إن جماعة الإخوان قائمة على الخروج على الحكام ينقضه المنهج العملي للجماعة، وهو تبني العمل الدعوي والسياسي السلمي، فإذا كانت الهيئة تعتبر العمل الحزبي للإخوان خروجا، فإن جميع الأحزاب السياسية التي تسعى لتسلم السلطة في البلدان العربية عبر العمل السياسي هي من الخوارج، وإذا كانت الحكومات سمحت للإخوان بالعمل في الساحة السياسية رغم وضعها العراقيل أمام الجماعة، فهل كانت تلك الحكومات ترعى اتجاهات للخروج عليها؟ أما وصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية فلم يُعهد على الإخوان هذا التوصيف، إلا ما كان من سيد قطب الذي يكتب بأسلوب أدبي غارق في بحر التشبيهات والمجاز وليس بأسلوب علمي، علما بأن أحد العلماء السعوديين وهو الشيخ الفوزان، أفتى بجواز القول بأن هناك جاهلية جزئية، تكون في مجتمع ما أو في شخص ما، وليس جاهلية عامة. وأما غاية الوصول إلى الحكم فهي غاية مشروعة لكل حزب أو كيان سياسي أسوة بكل الأحزاب، وهل هناك حزب يمارس العمل السياسي في دولة لا يسعى للوصول إلى الحكم؟ وأما القول بأن الجماعات المتطرفة الإرهابية خرجت من رحم الجماعة، فإنه أمر لا يتحمل وزره الإخوان، وكيف يقال هذا والجماعات التكفيرية تكفر الإخوان وتفسقهم؟ إضافة إلى أن الواقع يشير إلى أن أكثر الجماعات الإرهابية تتكون من أفراد ينتمون إلى التيار السلفي وليس الإخوان. إن الإخوان كغيرهم، لهم حسناتهم ومساوئهم، وكانوا دائما ضحايا بطش الأنظمة القمعية الديكتاتورية، والسبب في هذا العداء من قبل الحكومات هو فكرة التصاق الدين بالسياسة التي يتبناها الإخوان، وهي أشد ما يقلق العروش التي تُورَّث، سواء في العائلات أو في العسكر، ومن هنا كان العداء يتجه أكثر لهذه الجماعة.

أعلم أن أي كلمة حق يكتبها قلم ينصف الإخوان فيما ظُلموا فيه لها ثمنها ومغبتها، ويكون صاحبه دائما على موعد مع مقصلة التصنيف، لكن الحق أحق أن يُتبع، والإخوان كغيرهم من أبناء الأمة وجب الذب عنهم فيما يقع عليهم من ظلم، وبيان أخطائهم ونصحهم فيما وقعوا فيه من خطأ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1