جعجع.. الأقوى أو الأضعف؟

كتب جورج حايك

2020.11.18 - 05:50
Facebook Share
طباعة

مرّ رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع في مراحل عديدة ولم يغيّر ثوابته، قد يلتقي معه كثيرون حول مفهومه للدولة في لبنان، وقد يعارضه كثيرون، إلا أن مسيرته بعد خروجه من السجن عام 2005 لا ثغرات كثيرة فيها، إنما كان في غالب الأحيان متعلقاً بالمبادئ والثوابت، إلا في بعض المحطات التي تطلبت براغماتية معيّنة في مواجهة الظروف الصعبة.
 
هو يعتبر نفسه الأقوى مسيحياً؛ بل وطنياً، لعدم تنازله واستمرار حزبه سداً منيعاً أمام محور المقاومة، وخصومه يصنفونه في خانة الضعفاء من دون أي تأثير بالأحداث، وسط عزلة سياسية نتيجة ارتكابه أخطاء مع الجميع، أو جميع القوى السياسية ارتكبت أخطاء معه.
 
ما هي حقيقة سمير جعجع؟
لا أحد يستطيع تقييم مسيرة الرجل إلا عارفيه، وقد أقرت إحدى الشخصيات المقربة منه، والتي رافقته طوال الحرب اللبنانية وحتى اليوم أن "جعجع خرج من مرحلة الاعتقال الطويلة بإرادة قوية جعلته يبدأ من الصفر لبناء حزبه من جديد، بعدما تعرض للاضطهاد والتنكيل والاعتقال والتهجير ومصادرة الأملاك.
 
 ومن ينظر إلى القوات اللبنانية اليوم بتنظيمها وكوادرها وانتشارها وخطابها لا يستطيع إلا الانحناء احتراماً لجعجع الذي لم يضيّع وقته في المتاهات السياسية الضيقة، إنما تمسّك باتفاق الطائف والميثاقية وبناء الدولة الحديثة.
وتقول الشخصية المقربة من جعجع إنه "رضي باللعبة الديمقراطية التي ينص عليها الطائف ولم يحاول الانقلاب عليها، بل اقتنع بعدد النواب المحدود في استحقاقي 2005 و2009 حتى تعاون مع بعض القوى السياسية لتغيير القانون الانتخابي وحصد 15 نائباً بقواه الذاتية، أي من دون تحالفات داعمة، وبالتالي لا تزال شعبية القوات في ازدياد منذ لحظة خروجه من السجن".
 
ويضيف: "قد يعتبر البعض أن جعجع أخطأ في إبرام تفاهم معراب، وترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، لكن الرجل تصرف ببرغماتية آنذاك بسبب صعوبة الظروف والأوضاع. ويجب ألا ننسى أن تفاهم معراب سبقته مصالحة مسيحية تاريخية ثم انعطافة لحليف جعجع؛ أي سعد الحريري نحو ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وتخلي الحريري عن ترشيح جعجع مما شكّل مفاجأة للأخير، وكان لا بد من القوات اللبنانية ورئيسها جعجع أن يحترما الأكثرية المسيحية التي أعطت 70 في المئة من أصواتها لعون، فكان القرار بترشيحه وإنقاذ البلاد من حالة الفراغ الرئاسي، وبالتالي عقد جعجع اتفاقاً سياسياً ببنود سيادية مع عون، إضافة إلى اتفاق يضمن له مكتسبات سياسية لتحقيق مشروعه السياسي الإصلاحي".
 
مواجهة مفتوحة
لا ترى الشخصية المقربة من جعجع أنه ارتكب خطأ في خياره "وفشل عون في الرئاسة لا يجوز تحميله لجعجع الذي تحوّل إلى أشرس معارض لعون والتكتل النيابي الذي يدعمه"، كيف؟ 
لقد قدّم جعجع خياراً آخراً للمسيحيين من خلال أداء وزرائه الشفافين والمستقيمين، وبذل نوابه جهداً كبيراً في تحقيق مشاريع قوانين إصلاحية رغم عرقلتهم من الخصوم. وقبل الثورة في أيلول 2019 قدّم جعجع اقتراحاً في جلسة حوارية للأقطاب في القصر الجمهوري اقتراحاً بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، لكن السلطة لم تعر اقتراحه أية أهمية وأكملت بممارساتها حتى انفجر الشارع في 17 تشرين الأول 2019، وكان جعجع أول من لبى نداء الشارع باستقالة وزرائه من الحكومة، وسرعان ما استقال رئيس الحكومة الحريري ودخل البلد في معمعة، إلا أن جعجع دعم الثورة وترك لمناصريه حرية المشاركة فيها من دون أن يقودها، مما أكسبه المزيد من التأييد في الشارع المسيحي، وأخيراً التقى مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي حول مشروع الحياد، ولا يزال الرجل مستمراً في مواجهته للمنظومة الحاكمة المثلثة الأضلاع والمكوّنة من حزب الله والتيار الوطني الحر والمستقبل، مطلقاً شعار المقاومة السياسية مع القوى التي تلتقي معه استراتيجياً، ولو بدت قليلة والقوات اللبنانية الأكثر تنظيماً فيها".
 
ولا يغيب عن بال الشخصية السياسية المقربة من جعجع "ان القوات اللبنانية عززت علاقاتها مع عواصم القرار، بحيث لا تخلو معراب من حركة السفراء الأجانب الذي يقصدون معراب أكثر من قصر بعبدا. 
 
لا شك أن كل ما زرعه جعجع سيحصده في الانتخابات النيابية المقبلة التي يطالب بها بشكل مبكر ويرفضها الفريق الآخر، لعلمه المسبق بأنه سيفقد الأكثرية النيابية أمام جعجع وحلفائه؛ وخصوصاً على الساحة المسيحية، لأن رئيس التيار الوطني الحر ارتكب أخطاء كبيرة وخسر شعبيته، وفرنجية معروف حجمه شمالاً، أما جعجع فتمددت شعبيته مسيحياً حتى باتت عابرة للطوائف إسلامياً سنياً".
 
عزلة جعجع
في المقابل، يرى أحد المستشارين في فريق 8 آذار "أن جعجع هو الأضعف اليوم، وخصوصاً في السباق الرئاسي، لانتمائه إلى المحور الخليجي - الأمريكي الذي يبدو خاسراً في المنطقة اليوم لصالح الجمهورية اللإسلامية الإيرانية وخط الممانعة".
ويتساءل المستشار السياسي:"ماذا فعل جعجع منذ خروجه من السجن حتى اليوم، علماً أن تاريخه مجبول بالجرائم والتصفيات لرموز سياسية كبيرة؟ 
فهو دائماً في الصف الثاني عندما كان العماد عون رئيساً لأكبر تكتل سياسي، ثم خلف جبران باسيل الذي تمكن من أن يكون الرجل الأول في اللعبة السياسية، حتى أن جعجع لم يستطع المحافظة على تحالفاته مع "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" ويعيش حزبه نوعاً من العزلة السياسية في تموضعه خلف خطوط المعارضة المشتتة أصلاً".
 
ويؤكد المستشار أن "جعجع لم يستفد حتى من تفاهمه مع عون، إذ رشّحه لرئاسة الجمهورية معتقداً أنه سيفصله عن التفاهم مع حزب الله، إنما النتيجة لم تكن لمصلحة جعجع وخسر رهانه، بل أخذ يستهدف وزراء التيار الوطني الحر في الحكومة، مكرراً اتهاماته لهم بالفساد، حتى جعل باسيل يتشدد بتصغير حجم مشاركة القوات في الحكومة التي تلت انتخاب عون".
 
ركوب موجة الثورة
ويرى المستشار أن "جعجع حاول ركوب موجة الاحتجاجات الشعبية، إلا أن الشعب لفظه، ولم يتمكن من نيل ثقة المحتجين بسبب نفورهم من ماضيه واعتباره جزءاً لا يتجزأ من الطبقة السياسية الحاكمة، فهو كان في صلب التسوية التي حصلت لانتخاب عون والمشاركة في الحكومات في عهده، وبالتالي لا يستطيع التهرّب من هذه الوقائع ويجعل من نفسه بطلاً".
 
ويختم "بات جعجع ضعيفاً ومعزولاً، لا أمل بانتخابه رئيساً طالما أن الأكثرية النيابية ليست معه، بل ترضخ لإرادة حزب الله والتيار الوطني الحر، وإذا كان رهانه على الأمريكيين فسيكون خاسراً أكثر، لأن انتخاب المرشح الديمقراطي جو بايدن لن يكون لمصلحته، وستبقى الرئاسة حلماً بالنسبة إليه، واستمراره في التصويب على المقاومة لا ينفع لأن لا حلفاء له، وبالتالي هو يفتقد إلى داعم قوي، وحتى السعودية التي تخلت عن لبنان لا تستطيع دعمه، ومهما عارض وحرّض لن يؤثّر في الواقع السياسي، علماً أنه لا يستطيع أن يخوض أي مغامرة عسكرية لأنه سيكون الخاسر الأكبر".
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 1