نظرية المؤامرة" حاضرة وأيضاً علامات الاستفهام حول موقف روسيا: النيران تلتهم أرزاق السوريين وتحاصر بيوتهم

بيتي فرح _دمشق وكالة أنباء آسيا

2020.10.10 - 02:18
Facebook Share
طباعة


"ليست الغابات والأراضي الزراعية من تحترق فقط.. قلوبنا هي الأخرى تحترق" عبارة تتكرر منذ صباح هذا اليوم المشؤوم (الجمعة 9 تشرين الأول) على ألسنة السوريين. حالة من الغضب والذهول عمت البلاد بشكلٍ غير مسبوق حتى في ذروة الحرب التي عاشتها البلاد لأزيد من تسع سنوات.


تباينت تفسيرات ما يحدث بين من يرد هذه الحرائق الرهيبة إلى فعل فاعل خارجي أو داخلي، ومن يتهم فاسدين ومرتزقة بإشعالها، وآخرون حملوا الحكومة وأجهزتها مسؤولية الكارثة بسبب إهمالها وتقصيرها، فضلاً عن حالة الجو التي كانت عاملاً مساعداً لانتشار النيران بهذا الشكل المخيف.



مفتعلون "متعلمون" ويعرفون ما يفعلون

يقول أستاذ علم المناخ بكلية الجغرافيا بجامعة تشرين، رياض قره فلاح في حديث خاص لوكالة أنباء آسيا، إنه "عندما تندلع الحرائق ليلا في أماكن متفرقة ومتباعدة وداخلية في الغابة، وبشكل مخيف يصعب على رجال الإطفاء السيطرة عليها، وقبل يوم واحد من تحول الرياح إلى شرقية جافة جعلت من الرطوبة في المناطق الساحلية تنخفض فهذا يعني من وجهة نظري أن الحريق قد قام به شخص أو مجموعة أشخاص، أو جهة (مثقفة ومتعلمة) تتابع حالات الطقس وتفهم تماماً الأحوال الجوية و الرياح كعامل مساعد في امتداد الحرائق، علماً أن هذا يحصل للمرة الثانية خلال شهر، وبنفس الظروف الطقسية، والأهم من ذلك في أماكن جديدة لم تطالها الحرائق المرة السابقة !".



ويضيف قره فلاح :"كلامي السابق يصبح بالنسبة لي يقينا عندما تكون الحرائق قد اندلعت عند الفجر حيث يكون الضغط الجوي مرتفعاً، وتكون الرياح في أهدأ أوقاتها وسرعاتها، والأجواء باردة نسبياً بالمقارنة مع النهار، ومن المعروف أن السرعة الأعلى للرياح تحدث نهاراً وليس ليلا مع انخفاض الضغط الجوي، مما يعني أن من افتعل الحريق كان يعلم بأن الرياح ستشتد مع شروق الشمس وسيصبح الوضع كارثياً خلال فترات الظهيرة مع اشتداد سرعة الرياح الشرقية الجافة."

ويستند الاختصاصي في علم المناخ على الإحصائيات العالمية في هذا الشأن: "من بين كل 100 حريق هناك 4 حرائق فقط قد يكون الطقس سببها، وأهم أسبابها الصواعق - ونحن لسنا في الشتاء- وبالتالي يمكن أن ندرك أن من قام بالحريق – من وجهة نظري- فرد أو أفراد حاقدون مدركون لما لهذا الأمر من تبعات كارثية بيئية واقتصادية " كما يقول قره فلاح
عشرات الحرائق.. وعشرات آلاف أشجار الزيتون
أحصت وزارة الزراعة ما يزيد عن 79 حريقاً حتى ساعة إعداد هذا التقرير، معظمها في اللاذقية وطرطوس، وعدد أقل في حمص .



ففي فجر اليوم، الجمعة، اندلعت موجة ضخمة من الحرائق في عدة مناطق في ريف اللاذقية، وما زال معظمها مستمراً حتى اللحظة، و بدأت فرق الإطفاء في كل من اللاذقية، جبلة، القرداحة، الحفة، حرف المسيترة، الفاخورة، والدالية، فدائرة الحراج، والدفاع المدني، تتعامل مع الحرائق الضخمة في مناطق ريف جبلة أيضاً وكلماخو وجبل العرين وقمين والفاخورة وبسيت بريف القرداحة.

كما نشبت النيران بين المنازل في منطقة سربيون، فالحرائق اندلعت بالقرب من المنازل وأشجار الزيتون بجوار الكلية البحرية، وسط محاولات أفراد من الكلية السيطرة على النيران.
وفي طرطوس، اشتعلت النيران في منطقة الكفرون التي تبعد عن محافظة طرطوس 48 كيلو متراً، منذ الساعة ١٢ ليل أمس، لتمتد بسرعة و تلتهم حتى اللحظة بحسب تقديرات أولية حوالى ١٨٠٠٠ شجرة زيتون، فضلاً عن الأحراج، كما أن خط نار يبلغ طوله ١٥ كم يشتعل من جبل السن فبيت بارود فالدوير فالسايح، وقرية نبع كركر التي أصبح ٩٠% من مساحة أراضيها رماداً، حيث تم إخلاء بعض منازل المنطقة تحسبا لوصول النيران إليها، مع الإشارة إلى وجود قرى محاصرة "بسدقين" وجوارها شمال غرب مشتى الحلو .

مناطق اشتهرت بغطائها الأخضر الذي ميزها سياحياً و زراعياً تحولت إلى جهنم بين ليلة وضحاها ، ومازالت النيران تلتهم تلك المساحات، لتصل إلى البيوت.

غضب الفلاحين و تأثرهم كان جلياً هذه المرة، فشقاء العمر ذهب بلمح البصر و صدمة الفلاحين تراها في عيونهم المحمرة قهرا و عتبا .

يوجه الفلاح السبعيني" ل ابراهيم " عتبه على المعنيين من خلال وكالة أنباء آسيا: "أرضي التي ورثتها عن أبي، عمر شجر الزيتون فيها ٢٠٠ عاماً، لم يبق منها شيء، فالنيران لفّت أراضي كفرون بدرة من جميع الاتجاهات، وامتدت على مساحات مئات الكيلو مترات، مضيفاً: "طالبنا البلدية بشق الطرقات الزراعية لتخديم الأراضي أولاً، و تسهيل مرور سيارات الإطفاء و الجرارات تحسباً لهكذا حوادث وبالتالي السرعة في إخماد النيران، و لكن لم نلق جواب، عوضنا على الله" .

بدوره رئيس بلدية مشتى الحلو جوزيف عيد اعترف لوكالة أنباء آسيا بفداحة الكارثة قائلاً "نحن عاجزو، ولا نعرف حتى الآن المساحات التي أكلتها النيران، لأن النار لم تتوقف حتى الآن ، ولكن يمكن القول بأن المساحات المحروقة حتى اللحظة تقارب نصف المساحات الحراجية، و ربع مساحة القطاع بما يعادل ٢٠% أغلبيتها أشجار زيتون وحراجية" .



و أكد عيد على الظروف الجوية التي ساعدت على الانتشار الكبير والسريع للنيران "في البداية اشتعلت النار في أكثر من موقع، فاعتمدنا مبدئياً على الإطفاء المحلي في مشتى الحلو ثم استنجدنا بمراكز الإطفاء القريبة، لتتوسع دائرة المساعدات بإرسال سيارات الإطفاء من حلب ودمشق، و بمؤازرة من قوى الجيش أيضا بالإطفاء".

مضيفاً " في الوقت الراهن ونظرا لصعوبة الجغرافيا و الهواء الجاف لم نستطع السيطرة الكاملة، و نحن بانتظار الدعم الجوي من قبل وزارة الدفاع خلال ساعات قليلة، نأمل ألا تتأخر، فالنيران التي حصدت مساحات واسعة في الجويخات والعيون القريبة من المشتى والتابعة لمحافظة حمص مازالت تحصد المزيد".
ويناشد عيد ساكني الأبنية باقتناء جهاز إطفاء في المنازل، و التوجيه المباشر بالتنظيف حول الأبراج الكهربائية .

"نظريات" ومطالبات "عاجلة"..

تعددت النظريات التي رافقت النيران منذ اندلاعها ليلة أمس، أحد اللمزارعين خسر خمسة دونمات من الزيتون الجاهز للقطاف، يقول ل"آسيا": "احترقت أرضي بالكامل، و لكني لن أدخل في نظرية المؤامرة والصور والدراسات التي أرسلت لي، والتي تؤكد استخدام غاز "الكيمرتيل" ولكن في النتيجة هناك من يعمل على إزالة الغطاء الحراجي في الساحل السوري لأغراض عديدة!!"
فيما يقول الكاتب والناشط عماد جبور بأن "هناك عدة أوجه لإحداث الحرائق والتي قد تكون بدائية وصولاً الى طائرات الدرون المسيرة"! لكن الأهم من كل ذلك "يجب إعلان حالة الطوارئ فوراً، واعتبار مايجري عملاً حربياً، والتعامل معه على هذا الأساس . مضيفاً "يجب استخدام الطيران الحوام وفوراً للاشتراك في عمليات الإطفاء والاستعانه بالطيران الحوام الروسي إن اضطر الأمر . فالقضاء على الأشجار الحراجيه والمثمرة مهما كانت العناوين، هو عملية إباده متكاملة .يجب التحرك الفوري لوقفها، وإطلاق نداء إغاثه إقليمي اذا كان الأمر خارج السيطرة، هناك قرى مهددة وبشر يواجهون النيران باللحم الحي، لاوقت لكلام آخر غير مواجهة الحرائق ".

من جهته محمود علي، الاختصاصي بحرائق الغابات من جامعة " TexasA&M University" الأميركية، يرى في حديث له مع وكالة أنباء آسيا أنه "من الصعب إحصاء الخسائر في الوقت الحالي، الجهة الوحيدة القادرة على دعمنا بالبيانات هي الهيئة العامة للاستشعار عن بعد، فلديهم تقنيات يمكنها تحديد الخسائر بشكل تقريبي ، هناك ٣٨ حريق ما زال مستمراً حتى اللحظة، و الحرائق في تزايد، و لكن يمكننا الجزم بأن خسائر الأراضي الزراعية أكثر بكثير من الأراضي الحراجية".



و يؤكد علي أن اسباب الحرائق هو الإهمال كسبب رئيسي، فإشعال النيران بشكل عشوائي، و امتدادها بسبب الرياح، و بالتالي صعوبة السيطرة عليها، هو المسبب الأول، و من غير الوارد أن تكون جميع هذه الحرائق مفتعلة.
ويشير علي إلى أنه خلال اجتماع مع الوزير بعد حرائق اللاذقية الأخيرة قال الوزير: "طلبت الضبوط الحراجية، و كانت النتائج أنه لم تتم إدانة أي شخص منذ عام ٢٠٠٥ و حتى هذه اللحظة بأي ضبط، و بالتالي هناك تقصير في مكان ما".

و يضيف: " كنت متواجداً في عدة نقاط مشتعلة، و رأيت بأم عيني العمل الجبار لعمال الحراج و الإطفاء و الدفاع المدني، لكن الإمكانيات ضعيفة و عدد عربات الإطفاء المجهزة للعمل لا يتجاوز ١٥٧ من أصل ٣٥٠ فيما الباقي معطل، و هذا بسبب الحصار، ولا يستطيعون إصلاحها لعدم توافر قطع الغيار". و يؤكد على وجوب التعاون من قبل الأهالي مع "الحراج" و الجهات المعنية للوصول الى المسبب الأساسي .

ويشدّد علي على أن "الفقر هو من الأسباب المسببة للحرائق، فهناك من يلجأ للحرق و من ثم بيع الحطب، و من كان يعتبر أن مسكنه قرب الغابات هو ميزة لقدرته على الاستفادة من الغابات وحرقها، الآن هو يعاني، لأن بعض الأهالي تشردوا اليوم نتيجة تعرض منازلهم للاحتراق."

الموقف الروسي .. علامات استفهام؟!

و يشير علي إلى أنه "في هذه الظروف نحتاج إلى طيران قاذف، فالحوامة لا تستطيع عمل شيء، و على الحكومة الطلب من روسيا و عليها تلبيتنا كما لبت إسرائيل وعدة دول أخرى"، معتبراً أن ثمة علامات استفهام حيال الموقف الروسي، فالمطلوب " تدخل سريع من قبل روسيا وليس من قبل القنيطرة و دمشق و حلب، نحتاج آليات متطورة لا نملكها نحن و إنما روسيا تملكها وتستطيع التدخل".

و يختم علي: " لستُ مع نظرية المؤامرة، و لكن على وزارة الداخلية التحقيق و كشف الفاعل، لأنه إذا كانت هذه الحرائق مفتعلة فمن الواضح بأنه لدينا خلل ما و يجب معرفة الدوافع و من الفاعل و محاسبته و معاقبته و إعلان اسمه على الإعلام ليكون عبرة لغيره" . 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 3