الباحث صافي محمد سعيد: هذا تاريخ السلفيين في العراق

بحث لصافي محمد سعيد

2020.10.06 - 02:41
Facebook Share
طباعة

تختلف التفسيرات والروايات حول نشأة التيار السلفي العراقي، فمنها ما يدَّعي نشأته في مرحلة متأخِّرة من حكم الرئيس الأسبق صدام حسين، وذلك بعد الاضطرابات التي أصابت النظام السياسي العراقي السابق في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية، إلَّا أنَّ الوقائع تؤكِّد أنَّ التيار السلفي العراقي ضارب بجذوره في أعماق التاريخ العراقي منذ ما يقارب القرنين من الزمان، وأنَّه ليس وليد التطورات السياسيَّة خلال العقود الثلاثة الماضية, ويمكن التمييز بين أربع مراحل رئيسيَّة في تطور ونشأة التيار السلفي العراقي:
1). المرحلة الأولى: "التأسيس على يد الألوسي":
تزامنت الدعوة السلفيَّة في العراق مع نظيرتها في المملكة العربيَّة السعوديَّة؛ فالارتباط التاريخي بين السلفيَّة السعوديَّة والعراقيَّة وثيق جدَّاً، كما أنَّ مؤسِّس التيار السلفي محمد بن عبد الوهاب، سبق وأن تلقى علومه الدينيَّة في مدارس "البصرة" الدينيَّة جنوب العراق، وهو الأمر الذي سمح بانتشار الدعوة السلفيَّة في بلاد الرافدين, ويُعدُّ العراقي "نعمان الألوسي" (1836 – 1899م) أشهر من تأثروا بتعاليم عبد الوهاب، وعمل على تأسيس تيار سلفي جديد في العراق أشبه بما يُسمى الآن بـ"السلفيَّة العلميَّة"، ومن أبرز تلاميذ تلك المدرسة إياد عبد اللطيف القيسي، ومرشد الحيالي, وأبو المنار العلمي، وعبد الحق التركماني.

تميزت هذه المرحلة في انتشار السلفيَّة بشكل حلقات ومجموعات متفرِّقة, يجمعهم رابط تطبيق الفكر السلفي، وخلال تلك المرحلة انطلقت أفكار ومبادئ السلفيَّة نحو دعوة المسلمين بالالتزام بتعاليم الدين الإسلامي وفقًا لمنهج السلف الصالح ورفض التصوف، والأهم من ذلك رفض الانخراط في العمل الحزبي والسياسي والدخول في معترك الحياة السياسيَّة العراقيَّة.

2). المرحلة الثانية: "تسييس السلفيَّة":
وبدأت تلك المرحلة في سبعينيَّات القرن العشرين، في ظل التوتُّرات السياسيَّة في الداخل العراقي، التي أسفرت في النهاية عن سيطرة حزب البعث -بقيادة صدام حسين- على المشهد السياسي العراقي, وخلال تلك المرحلة ظهرت السلفيَّة الحركية العراقية الداعية إلى تكفير الحاكم، الذي لم يطبق الشريعة الإسلاميَّة، وجرى تأسيس الجمعيَّات والجماعات لتنظيم القواعد الشعبيَّة ونشر الدعوة، ومن أبرز رموز ذلك التيار إبراهيم المشهداني، وسعدون القاضي، الضابط البعثي السابق, وهو أحد أبرز قيادات تنظيم "أنصار السُّنَّة في العراق"، ومن أبرز رموز تلك المدرسة محمود المشهداني، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لمجلس النواب العراقي عام 2005م، وأيضًا الداعية سامي رشيد الجنابي.
3). المرحلة الثالثة: "الحملة الإيمانيَّة":

في عام 1993 أطلق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حملة "العودة إلى الإيمان"، والمعروفة إعلاميًّا بـ"الحملة الإيمانيَّة"، وهدفت إلى تطبيق الشريعة الإسلاميَّة، والاهتمام بالبرامج الدينيَّة وإحياء السنة النبوية؛ ما أتاح فرصة كبيرة للجماعات السلفيَّة للتمدُّد والانتشار في الداخل العراقي، وتوجد العديد من الأسباب التي تُفسِّر توجه النظام البعثي في تسعينيات القرن العشرين نحو السلفيَّة، ومنها, أن صداما افلس سياسيا ومصداقيته التي بنيت على ارث حزب البعث القومي العربي ضاع هباء بممارساته الخرقاء واراد ان يستوعب الجمهور العربي والعراقي من خلال حشد اهل السنة خلفه من خلال التحريض الطائفي. ومن خلال التحالف مع التيار الاسلامي السياسي في الدول العربية وهو تيار قوي بل هو كان الاقوى شعبيا في تلك المرحلة
وجاءت الانتفاضية الشعبانية في العام 1991 لتزيد من حاجة صدام الى خطاب يستغل الاسلام ويزعم التدين, وكذلك الفشل الأيديولوجي الذي واجهه النظام البعثي؛ حيث يُعدُّ احتلال الكويت في عام 1990م انهيارًا لمنظومة القيم العروبيَّة التي نادى بها صدام حسين.

4. المرحلة الرابعة: "السلفيَّة الجهاديَّة":
بدأت إرهاصات تلك المرحلة قبيل الغزو الأمريكي للعراق، وتَعاظم دورها وتأثيراتها في مرحلة ما بعد احتلال بلاد الرافدين؛ حيث نشطَ العديد من الجماعات السلفيَّة المقاتلة قبل سقوط نظام صدام في مناطق الاكراد و بعد سقوط النظام في وسط وشمال وغرب العراق.


ففي مرحلة ما بعد الاحتلال تحولت السلفيَّة العراقية من الإطار الدعوي والحركي إلى الإطار الجهادي والقتالي، تحت دعوى محاربة ومقاومة المحتل، فظهر العديد من الجماعات:
1. "جند الإسلام":
مع تأسيس جماعة "جند الإسلام"، كان انتشارها على شريط القرى الممتد بين حلبجة والقرى المتاخمة للحدود الإيرانية التابع إداريًّا لمدينتي "حلبجة والسليمانية" بإقليم كردستان العراق، وتعدادها تقريباً تسع قرى أهمها (البيارة) التي كانت مقر قيادة جند الإسلام. وقامت الجماعة بدعوى الحسبة وكانت تأمر بغلق المتاجر أثناء الصلاة، وتمنع بيع الخمور وتدعو إلى الإعداد والتجهز للجهاد ضد أعداء الأمة, وينبثق عنها جماعة أنصار الإسلام.
2. "أنصار الإسلام":
لها مواقع محصنة في العراق, بالكهوف وفي الجبال, وهي جماعة كرديَّة تأسَّست منتصف الثمانينات، ويتردد أنَّها تتعاون مع "القاعدة"، ودخلت في قتال مع الاتحاد الكردستاني منذ أيلول عام 2000م, ويتزعمها نجم الدين فرج المعروف بـ "الملا كريكار"
وتُعدُّ الجماعة منشقة في الأساس عن حزب "الحركة الإسلاميَّة الكردستاني" المحسوب على تيار الإخوان المسلمين، وعُرفت هذه الجماعة في الأوساط السلفيَّة بـ"طالبان الكرديَّة".

3. "جيش أنصار السنة":
ينشط شمال البلاد، وكان مسؤولاً عن تفجيرات مقار الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديموقراطي الكردستاني في أربيل، وأعلن عن تأسيسه في 20 أيلول (سبتمبر) عام 2003م بقيادة أبو عبد الله الحسن بن محمود, وأظهرت البيانات أنَّ "جيش أنصار السنة" يختلف عن "أنصار الإسلام" لجهة الهدف الذي يحاربان من أجله، لكنهما يتشابهان في أنهما جماعتان محليتان بخلاف "القاعدة" ويتشابهان في المرجعية الشرعية من قرآن وسنة واعتماد آراء علماء السنة وفي الخطاب السلفي الجهادي.
4. "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين":
بدأت عملها باسم "جماعة التوحيد والجهاد" بزعامة أبو مصعب الزرقاوي, قبل أن يتم اغتياله، وباشرت عملياتها منذ سقوط نظام صدام حسين، عندما أعلن الزرقاوي تحالفه مع أسامة بن لادن، لينصبه الأخير زعيماً على تنظيم "القاعدة" في العراق.
5. "حزب التوحيد":
تحول اسمها لاحقا إلى "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" بعد إعلان ولائها للتنظيم. وقد شكل التنظيم الأخير مع جماعات جهاديَّة محلية صغيرة في 2006م ما أطلق عليه "مجلس شورى المجاهدين في العراق". وكان من أهم الخطوات التنظيمية التي تبعت هذا الإعلان، إعلان تشكيل ما أطلق عليه "حِلف المطيبين" في حزيران من العام نفسه، وكانت الخطوة الأخيرة في هذا المسار إعلان مجلس شورى المجاهدين عن قيام "دولة العراق الإسلاميَّة" في 15/10/2006، الذي كان النواة لإعلان الدولة الإسلاميَّة في العراق والشام، ثم دولة الخلافة المزعومة.
3. "الجماعة السلفيَّة المجاهدة في العراق":
نشرت الحركة أوَّل بيان لها في موقع أبي دجانة العراقي، أمير كتائب الجماعة السلفيَّة المجاهدة بتاريخ 1/7/،2003.
وحدد البيان التوجهات التكفيرية للحركة وعلاقتها العقائدية بافكار تنظيم القاعدة.

4. "الهيئة العليا للإرشاد والتوعية الدينيَّة":
أنشأها "مهدي صالح الصميدعي" مع مائة من علماء السنة, والهيئة العليا للإرشاد عضو في مجلس شورى أهل السنة والجماعة هي هيئة سنيَّة موحَّدة أنشئت لمواجهة تهميش الطائفة كما تدعي.

5. "كتائب السلفيَّة الجهاديَّة":
أعلنت الجماعة نفسها قائدة للجهاد السلفي في بلاد الرافدين, بهدف تصفية الساحة الجهاديَّة في العراق من "المرجئة" و"الخوارج" و"أزلام البعث" وفقا للبيان الذي أصدرته الجماعة, وقال أمير الكتائب المكنى بـ"أبو الدرداء العراقي" أن تشكيل كتائبه "جاء بعد التشاور مع أهل الخبرة من أركان الصحوة السلفيَّة الجهاديَّة في العراق".

6. "تنظيم القاعدة":
ما لبث تنظيم القاعدة أن دخل على خط التيار السلفي العراقي، فظهر في البداية تحت مسمى "جماعة التوحيد والجهاد" التي أسَّسها أبو مصعب الزرقاوي، العام 2003م، التي تحوَّلت في مرحلة لاحقة إلى تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين".

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 3