وما بقي من أخضر سوريا يشتعل : إطفائيون يقارعون النار دون حماية أو طعام!

زينا صقر _دمشق وكالة أنباء آسيا

2020.09.08 - 03:40
Facebook Share
طباعة


حرائق مفتعلة وأخرى نتيجة أخطاء بشرية، والنتائج كارثية، أسطوانة تتكرر مع كل عام، مخلفةً كوارث بيئية واقتصادية يصعب تعويضها، لكن الكارثة الأشد وطأةً هي العقلية التي تقف خلف هذه الكوارث، والتي لم تتعظ من سنوات الحرائق الماضية، ولم تضع خططاً للحؤول دون تكرارها، سواء على صعيد مفتعليها أو على صعيد تأمين الجاهزية المناسبة للتعامل معها وحصر تداعياتها التي تستنزف كل عام ما بقي من رئة هذا الوطن المبتلى بالمصائب.


خريطة الحرائق..

يقول مدير زراعة اللاذقية منذر خيربك في تصريحات خاصة لوكالة أنباء آسيا أن حريق البسيط، سببه أحد المزارعين، حيث أوقفت شرطة ناحية قسطل معاف الشخص الذي تسبب به، و الذي نشب في البسيط في قرية الشيخ حسن، وتسبب باحتراق أكتر مر ٣٠٠ دونم من أشجار السرو والليمون والزيتون والصنوبريات، حيث أقدم المتسبب بالحريق وهو أحد المزارعين، على إشغال بقايا أعشاب يابسة لتنظيف أرضه، ولم يتمكن من السيطرة عليها لاشتداد الرياح، حيث امتدت النيران إلى مساحات كبيرة. وأتت على مساحات كبيرة من الأراضي الحراجية والزراعية، وسيتم تقديمه للقضاء المختص فورا".



و عن توزع فرق الإطفاء، أكد خيربك أن هناك سبعة مراكز إطفاء دائمة موزعة على مناطق المحافظة حسب الأهمية وكثافة الغابات، اثنان منها حالياً خارج الخدمة بسب الاشتباكات التي دارت مع الفصائل المسلحة خلال السنوات الماضية، كما أن هناك /١٥/ فرقة إطفاء حقلية موزعة بشكل مدروس على مسأحة المحافظة مع /٣٤/ إطفائية، كل إطفائية تحوي /٥_٦/ عامل، بالإصافة إلى /١٨/ جرار إطفاء يرافق كل حرار /٣ - ٥/ عمال .

و أشار خيربك الى أن الفرق تعاملت مع هذه الحرائق و ما زالت حتى هذه اللحظة مستمرة في العمل لإخمادها، و منذ يوم الخميس ٣/٩/٢٠٢٠ تم إخماء ٤٤ حريق زراعي و حراجي توزعت في مناطق عدة من ريف اللاذقية .

أسباب الحرائق..

يقول الدكتور محمود علي دكتوراه البيئة وحماية الغابات من الحرائق من جامعة Texas A&M Univercity الاميركية، إن أسباب الحرائق عادة متعددة و أغلبها بشري "خاصة عملية التفحيم، فهي تتم بشكل غير قانوني لأنهم يشعلون النار داخل الغابات للتمويه و خوفاً من أن تراهم الضابطة الحراجية، أيضا التحريق الزراعي القريب من الغابات، كما حصل في منطقة البسيط، بالإضافة الى السياحة البيئية التي تسبب الحرائق بسبب إهمال الناس، و هذا ما حصل في المحمية، حيث قام أحدهم مع زوجته بإشعال النار و فحم النرجيلة في منطقة (أروادي) في وسط المحمية، حيث خرجت النار عن سيطرتهم بسبب ظروف الطقس و اشتداد سرعة الرياح. الأشخاص لاذوا بالفرار، لكن الضابطة الحراجية عملت على ملاحقتهم و إلقاء القبض عليهم، و الآن يتم التحقيق معهم.


ويضيف "هذه المحمية تمتلك أهمية خاصة و فريدة، فيها نظامين بيئيين مميزين جداً، و يقتصر وجودهما في سورية على هذه المنطقة، هما الأرز اللبناني على السفح الشرقي التابع لسهل الغاب في محافظة حماه، و النظام الآخر هو الشوح السوري على السفح الغربي التابع إداريا لمحافظة اللاذقية الذي يديره مهندس حراجي من مديرية حراج اللاذقية، اما النظام التابع إدارياً لحماه، فمن المخطط ان يديره معاون للمدير حسب خطة إدارة المحمية، و لكن للأسف لم يتم تعيينه .

يؤكد علي بأنه كان متواجداً في المحمية يوم الإثنين للوقوف على حالتها، لم يكن سوى فرق تابعة لمحافظة اللاذقية تعمل بكل طاقتها و بإمكانيات ضعيفة جداً لإخماد الحريق. مضيفا أن طبيعة المنطقة، مع الكثافة النباتية الهائلة تعرقل وصول فرق الإطفاء لهذه المنطقة، في السفح الشرقي لم يكن هناك أي فرقة للمساعدة على إخماد النار، و طبعا معذورون لانشغالهم بحرائق سهل الغاب و مصياف التي باتت تهدد حياة السكان و لها الأولوية.

و يشير الى أنه في حال تم خسارة كمية الأشجار النادرة في المحمية، فهي خسارة لن تعوض و لن تعود إلى الحياة، لأن تشكيلها استغرق مئات السنين، فبعض الأشجار عمرها ٥٠٠ سنة، و لا تقتصر أهميتها على الجغرافيا السورية. مؤكداً أن المرفق العالمي للبيئة "Gef" هو من قدم التمويل لإقامتها و إعلانها محمية ، و أنا كنت رئيس الفريق و مسؤولاً عن الجزء النباتي عام ٢٠٠٤_٢٠٠٥ عندما تم إعلانها و وضع خطة لإدارتها" .




الخسائر التي طالت الغطاء النباتي

يقول علي بأنه من الصعب الإحاطة بالخسائر، "لأنها ليست بالارقام و لا تقتصر على ثمن الأخشاب، و إنما الخسائر هي بالتداعيات على البيئة ككل، لما تقدمه لنا الغابات من أوكسيجين و امتصاص ثاني أوكسيد الكربون، و تشكيل التربة، و إيواء و تغذية الحياة البرية، بالإضافة للنباتات الصالحة للطعام و المواد الطبية و العطرية التي تقدمها النباتات، و التي بالتأكيد سوف تتأثر بخسائر الغطاء النباتي" . بالإضافة إلى الحيوانات التي مات بعضها وفرّ بعضها الآخر، و هي أصلا ًمهددة، و تتعرض للقتل أحياناً عن طريق الصيد .

مكامن الخلل؟

يلفت الدكتور محمود علي إلى أن التقصير كان بتأخر وصول الآليات الثقيلة، على الرغم من وجود فرق إطفاء كثيرة، إلا أن العمال و نظرا لوعورة تضاريس المنطقة لا يستطيعوا فعل شيء دون الآليات الثقيلة. مشيراً إلى أنه لم يكن هناك تجهيزات أو إجراءات وقائية مسبقة، و لم يكن هناك تنسيق ما بين فرق الإطفاء. ويضيف "أعتقد بأن هذه المنطقة مهملة منذ بداية الأحداث في سورية، فلا يعقل أن يتواجد في هذه المناطق سوى حارسين أو ثلاثة فقط لحمايتها، لا نستطيع إلقاء اللوم على أحد الآن، فتوزع بؤر الحرائق سببت ارتباكاً لدى البعض، و بالتالي لعدم التنسيق بالشكل المطلوب". 

و ينوه على إلى أنه على الجهة الشرقية لا يوجد إلا طريق واحدة، ما اضطر إدارة المحمية لفتح طريق للنار بـ"البلدوزر" لحماية أشجار الأرز، أما من جهة اللاذقية فهناك عدة طرق تسمح بوصول فرق الإنقاذ . الجدير بالذكر أن غياب التغطية و صعوبة التواصل أدى أيضاً لعرقلة وصول الفرق الى المكان . حسب قوله.

الآن فرق اللاذقية هي المعنية بالعمل الجاد كما يقول علي "لانشغال فرق حماه بحرائق أُخرى، و الحمدلله بتدخل الجيش و الأهالي بعدد كبير، و توزيع المهام بالشكل الصحيح نستطيع القول بأنه تمت السيطرة على حريق المحمية".

علي في ختام حديثه رفض تصريحات أي مسؤول في مدينة اللاذقية تتعلق بمقارنة الخسائر بين الجهة الغربية و الجهة الشرقية، "عرض العضلات لا يكون في مثل هذه الظروف، المحمية واحدة و يجب على الجميع الالتفاف حول الكارثة للحؤول دون خسائر إضافية . بعد انتهاء الحرائق لكم أن تتراشقوا الاتهامات كما تشاؤوا" حسب قوله.

وكانت مصادر خاصة صرحت لوكالة أنباء آسيا أنه حتى يوم أمس ظهراً لم يكن لدى الجهات المعنية خطة واضحة لإدارة فرق الإطفاء و كيفية التنسيق بين الفرق المتواجدة في السفح . مضيفةً بأن بعض الفرق لم يصلها طعام و شراب حتى وقت متأخر، و خصوصا الفرقة المتواجدة على السفح الشرقي، و التي يحتاج الوصول إليها مشي على الاقدام مسافة ٣ كم، و هم يعملون منذ أيام في هذه الظروف السيئة لإطفاء الحرائق.

و أكدت المصادر أن هذه الفرقة تمردت و رفضت البقاء في مكان الحريق قائلة :" إننا نعمل بجد غير آبهين بالأخطار التي تحيط بنا من كل جانب، فهل يعقل ألا يصلنا الطعام و الشراب؟" .

المصادر أشارت الى ضعف القانون الذي يحفظ حقوق هؤلاء العمال من لجهة إطعامهم، وحمايتهم وتعويضهم، والتي لم تتفتق عبقرية الحكومات عن حل لها حتى هذه اللحظة!




 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 1