"حصار الحوالات" يُطبِق على ما تبقى من "مقاومة" عند السوريين

وكالة أنباء آسيا – نور ملحم

2020.08.14 - 09:08
Facebook Share
طباعة

 "أعتمد على المبالغ التي يرسلها لي زوجي من الإمارات" تقول هيام الجرف، وهي أم لثلاثة أطفال تعيش على الحوالات الخارجية التي ترسل لها كل شهرين، بعد انخفاض قيمة الليرة السورية، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني .
هيام ليست الوحيدة التي تعتمد على الحوالات الخارجية، فالآلاف من العائلات السورية تعتمد هي الأخرى على المبالغ المالية التي يرسلها أبناؤها أو أقاربها، بعدما أصبحت حاجة الأسرة المكونة من خمسة أشخاص تقارب وفقاً لدراسة حديثة 400 ألف ليرة سورية، من أجل الأكل والشرب فقط، في الوقت الذي لا يتعدى راتب الموظف الحكومي 60 ألف ليرة سورية .
تقول ابتسام المنصور، وهي أرملة وأم لطفلين لـ وكالة أنباء آسيا "أخي وأختي يعملان في الكويت، ويرسلون لي كل شهر مبلغ أصرفه وأطعم به أولادي، ولكن حالياً لم يعد هذا المبلغ يكفي، فالأسعار نار".
أما مصطفى، ابن الـ 20 عاماً، فهو يدرس حالياً في جامعة خاصة، بفضل ما يرسله والده في دبي، يقول "شو بيقدرو بيبعتولي.. مدبرين حالنا فيهن أكل وشرب ومصروف ودراسة " .
تمثل الحوالات المالية، التي يرسلها السوريون في الخارج إلى ذويهم في الداخل، طوق نجاة حقيقي للأسر السورية حالياً، في ظل غلاء المعيشة وهبوط قيمة الليرة، رغم تقيد الحكومة السورية لإجراءات تحويل الأموال، وتحديد سعر صرف دولار الحوالات بأقل من نصف سعره المتداول، لذلك كان لابد من البحث عن خيارات وحلول بديلة، لإيصال الحوالات المالية من السوريين في الخارج إلى أسرهم داخل سوريا.
حاول إلياس، وهو شاب سوري يعيش في ألمانيا، إرسال حوالة مالية لوالدته في العاصمة السورية دمشق، عبر إحدى شركات الصرافة، تقدر قيمتها بـ 400 دولار، ليكتشف أن الحوالة التي وصلت عبر البنك المركزي السوري كانت نصف القيمة الحقيقة للمبلغ المرسل، لذلك أصبح يعتمد طريقة تسليم المبلغ من شخص إلى آخر وليس عن طريق مكتب.
طرق ملتوية ...
العديد من الطرق بات يعتمدها السوريون في تحويل أموالهم إلى ذويهم في سورية، وأبرزها "التسليم باليد".
ولـ "التسليم باليد" طريقتان، الأولى عبر العلاقات الشخصية، أي أن يقوم السوري في الخارج بتسليم مبلغ الحوالة إلى صديقه (الذي يعيش خارج سورية أيضاً) ليقوم أحد أقارب الأخير بتسليم قيمة المبلغ داخل سورية
والطريقة الثانية لـ "التسليم باليد" تتبعها مكاتب الحوالات المنتشرة في البلدان التي يعيش فيها السوريون، إذ تتم عبر تجار يعيشون داخل سورية، مقابل وضع قيمة الحوالة في حسابات بنكية لأولئك خارج سورية، وذلك بحسب ما أكده لنا محمد شاب يعمل في شركة صرافة بسورية
وأشار الشاب 36( عاماً) إلى أن الأجهزة الأمنية في سورية تعمل على ملاحقة عمليات "تسليم الحوالات باليد"، إذ أنها تنصب كمائن في أماكن عامة من الممكن أن يتفق على تسليم الحوالات فيها، موضحاً أن اعتقالات طالت عدداً من الأشخاص أثناء تسليم وتسلُّم الحوالة، مما أدى إلى انخفاض حجم الحوالات اليومي التي كانت تتراوح ما بين 10-12 مليون دولار أمريكي، فانخفض إلى نحو 2 مليون دولار أمريكي ، مضيفاً أنه "مع بداية انتشار وباء كورونا، وتقييد السفر في معظم بلدان العالم، تقلص حجم الحوالات إلى مبالغ محدودة جداً، لم يعد لها ذلك التأثير على الحياة الاقتصادية في الداخل السوري.


قوانين صارمة ...
وكان الرئيس السوري بشار الأسد، قد أصدر في كانون الثاني 2020، مرسوماً يقضي بمنع التداول بغير الليرة السورية، وفرض غرامات وعقوبات وصلت إلى الأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن سبع سنوات لمن يتعامل بالدولار.
بالمقابل رفع "مصرف سورية المركزي" في الـ 17 من حزيران 2020، أسعار صرف الدولار، وسعر صرف دولار الحوالات القادمة من خارج سورية، لتصبح 1250 ليرة للدولار الواحد بعد أن كان بـ 700 ليرة، ومع السعر الجديد للحوالات، لا يزال سعر صرف الدولار أقل من السعر المتداول بنحو النصف.
وأغلق البنك المركزي في الثاني من حزيران 2020، ست شركات تحويل أموال، وهي (الحافظ وإرسال وفرعون وشامنا وآراك وماس) بحجة أنها تخالف تعليمات المركزي، وتُسلِّم حوالات مجهولة المصدر.
حوالات شبه متوقفة ...
لا توجد حالياً أرقام موثقة تبين قيمة الحوالات المالية الوارد إلى سورية، بحسب تصريح الخبيرة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب لـ وكالة أنباء آسيا، مبينةً أن "البنك الدولي" ذكر في عام 2016 أن حجم الحوالات إلى سورية بلغ 1.6 مليار دولار، أي حوالي 4.5 ملايين دولار يومياً، في حين أكد أصحاب مكاتب تحويل أن الرقم أكثر من ذلك بأضعاف، وذلك بسبب اعتماد طرق تحويل غير معلنة.
وتشير سيروب إلى أن "الحوالات المالية إلى الداخل السوري باتت بحكم شبه المتوقفة، بسبب تعقيد إجراءات التحويل، نتيجة صعوبة الحركة بسبب تفشي كورونا، إلى جانب القيود التي باتت تفرض على حركة الأموال للأشخاص والشركات السورية".
بالمقابل، فإن البيانات الرسمية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، تشير إلى أن صافي الحوالات الخارجية قد بلغ في عام 2017 ما يقارب 3,8 مليارات دولار، وهي تشمل تحويلات العاملين وتحويلات أشكال الدخل الأخرى.
أما الدراسات الدولية فتعتمد الرقم الدولي المثبّت: 6 مليارات دولار، حتى عام 2017، وتنشر توزع مصادره بناء على الدول ليتبين بأن السوريين في الإقليم هم المصدر الأساس للحوالات إلى سورية.
علماً أن الجهات الأربع الأكثر توريداً للحوالات هي السعودية 480 مليون دولار، ثم لبنان 272 مليون دولار، يليه الأردن 245 مليون دولار، فتركيا 234 مليون دولار. وهي الجهات الأربع التي تسجل تدفقات سنوية بأكثر من 100 مليون دولار لكل منها، أما المصادر الغربية الأساسية فهي الولايات المتحدة 37 مليون دولار، ثم ألمانيا 27 مليون دولار، فالسويد 19,5 مليون دولار.
وهذا والأرقام من أوروبا مرشحة للازدياد، وتحديداً مع وجود 700 ألف لاجئ سوري في ألمانيا وحدها، نصفهم مرشح لدخول سوق العمل الألمانية في عام 2020.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 7