تحققت نبوءة السوريين: هواء للبيع في أسطوانات!

وكالة أنباء آسيا - زينة عماد الدين

2020.08.14 - 02:30
Facebook Share
طباعة

 
كما توقع السوريون مراراً في أحاديثهم الساخرة: "سيأتي اليوم الذي سيكون فيه على الهواء الذي نتنفّسه ضريبة"، وبالفعل جاء هذا اليوم، وبات الهواء الذي يجب أن يتنفسه مرضى الكورونا الذين يعانون نقص الأكسجة مطرحاً للاستثمار والابتزاز والربح من قبل تجّار وبائعين، وتحت نظر وسمع الحكومة السورية وجهاتها التنفيذية.
فبالتزامن مع ازدياد حالات الإصابة بفيروس كورونا، ازدهرت تجارة جديدة عمادها أسطوانات الأوكسجين، التي ارتفع الطلب عليها بشكل كبير بسبب عجز المشافي السورية عن استقبال الأعداد المتزايدة من المصابين بالفيروس القاتل.
وارتفع سعر أسطوانة الأوكسجين على الفور من 60 ألف ليرة سورية إلى أكثر من 350 ألف ليرة في بضعة أشهر فقط، وفي بعض الأحيان إلى أكثر من هذا الرقم بكثير.
تجارة ولا أربح..
أحد المواطنين وهو ينتظر دوره على باب أحد المراكز، ليسأل عن إمكانية استئجار أسطوانة أوكسجين أو شراءها، قال لآسيا "بحثت كثيراً عن أسطوانة أوكسجين مقابل "رعبون" لعشرة أيام، لمريض أصيب بالكورونا لم يستقبله المستشفى، ونحن عاجزون أمام هذا الوضع، فاقترح الطبيب أن يوضع على جهاز الأكسجة.. سعر الأسطوانة ٢٥٠ ألف ليرة حسب حجمها وتوفرها، وهذا بعد بحث وجهد، فالسيارات الجوالة تبيعها ب ٥٠٠ ألف ليرة مستغلةً حاجتنا".
سيارة جوالة تبيع أسطوانات الأوكسجين، رصدناها في منطقة البرامكة وسألنا البائع عن سعر الأسطوانة ومصدرها، فقال إن الصغيرة بـ٥٠٠ ألف ليرة والكبيرة بـ٧٠٠ ألف، موضحاً أن مصدرها مرضى باعوها له منذ فترة قصيرة، مشيراً إلى أنه اشتراها بـ ٧٠ الف ليرة!.
مواطن آخر تساءل في حديثه لآسيا عن دور الرقابة، ومن هي الجهة التي تلاحق أولئك المتاجرين بآلام الناس وحياتهم؟
مضيفاً أنه حتى المراكز المعتمدة أصبحت تطلب أوراقاً من المشفى بأن المريض بحاجة لأكسجة، صحيح أنها تبيعها بسعر التموين وهو ٢٠٠ إلى ٢٥٠ ألف ليرة، ولكن بسبب الازدحام والطلبات أصبحت الإجراءات تضييع للوقت، فنحن في زمن نشتري حتى ثمن النجاة من الكورونا، كما قال.
توجهنا لأحد المراكز المعتمدة لتعبئة وشراء الأسطوانات، حيث يقول صاحب المركز إنه ونتيجة الضغط الكبير والطلب على أسطوانات الأوكسجين، طلبنا أوراقاً مثبتة من الطبيب للمحتاج فقط، لأن أغلب الناس تشتريها للاحتياط دون وجود حالة مرضية، إضافة إلى العقوبات التي أثرت على توفر الأسطوانات، فهي مستوردة من الصين، مقدراً عدد الأسطوانات الجديدة ب ١٠٠٠ في السوق، مؤكداً أن مادة الأوكسجين متوفرة، ولكن المشكلة في الأسطوانات.
أحد العاملين في مركز لبيع الأسطوانات أكد أن جميع أسطوانات الأوكسجين المباعة في السوق السوري مستوردة من الصين، وتعبّأ محلياً بالأوكسجين، لكن ما حدث في لبنان وخروج مرفأ بيروت عن الخدمة، أخّر وصول كميات مستوردة من الصين، ما تسبب بشح في الأسطوانات بالسوق، وجعل أغلب التجار يستغلون ذلك لرفع أسعارهم.
رقابة ولكن؟
تمام العقدة، مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، يقول لوكالة أنباء آسيا، إن تجارة الأسطوانات الخاصة بالأوكسجين لم تكن رائجة قبل الشهر الرابع، وأصبح سعرها يرتفع نتيجة استغلال البعض لهذه التجارة، مضيفاً أن الوزارة عممت على كل المراكز ضرورة الالتزام بإبراز وصل استلام وبيانات مع السعر، ولكن السيارات الجوالة لا تلتزم، ومازلنا نتابعها عبر شكاوى المواطنين.
يضيف العقدة بأن الأوكسجين متوفر، وحًدّد سعر التعبئة لأسطوانات الأوكسجين الكبيرة ب ٣ آلاف ليرة والصغيرة بألف ليرة أو ١٥٠٠ ليرة، لكن
المشكلة ليست بالأوكسجين، وإنما بالأسطوانات المستوردة والقليلة نسبة لعدد سكان سورية.
ويعترف مدير الأسعار بوجود "بعض الغش في السعر، حيث أن الأسعار تختلف بين المراكز المعتمدة وبين تجار السيارات الجوالة، وحتى من قبل المرضى بين بعضهم البعض، فأصبحت تجارة رابحة، خاصةً أن سعر بعض الأسطوانات وصل إلى ٧٠٠ الف ليرة"
مضيفاً أن الرقابة على مادة الأوكسجين في جودتها وكميتها وسعرها، أما الأسطوانات، ونظرا لقلتها وزيادة الطلب عليها، فنطلب من المواطنين التعاون معنا وتعزيز ثقافة الشكوى، وخاصةً أن قانون حماية المستهلك الجديد قيد الصدور، وستكون العقوبة شديدة لكل تاجر متلاعب بالأسعار، على حد قوله.
لكن الواقع يختلف كما يقول الدكتور تامر تامر "جراح عصبية” في مستشفى الأسد الجامعي: "طَمع الناس خلال الأزمات غريب، لا يمكن استيعاب كيف أن شخصاً يحرم المحتاج لأسطوانة أوكسجين، ويستغل مرضه من أجل الآلاف من الليرات". موضحاً "نحن نرى المئات يحتاجون إلى المنافس يومياً، وهذا مؤلم، فالإمكانيات محدودة، وظروف الناس صعبة ولا يجب استغلالها".
الجدير بالذكر أن سعر أسطوانة الأوكسجين لم يكن يتجاوز الـ 50 ألف ليرة قبل انتشار الوباء في سورية، بسبب الطلب القليل المقتصر على المشافي والمراكز الطبية، أما حالياً، فيبيع أحد المراكز أكثر من 100 أسطوانة يومياً، ويتراوح سعرها ما بين ٢٥٠ ألف إلى ٧٠٠ الف ليرة، إضافة إلى سعر التعبئة، وفضلاً عن الغش في نوعية وجودة الأسطوانات نفسها.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 6