"نيويورك تايمز": أسطورة العَظَمة اللبنانية تنهار.. فمن المخلص؟

ترجمة: عبير علي حطيط

2020.08.03 - 05:43
Facebook Share
طباعة

 نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقال رأي يرى أن لبنان بات مُنهكًا ولم تعد "أسطورة" صلابته تنفع في الظروف المزرية الحالية. فأي شخص يعرف لبنان سمع بعبارة "اللبنانيون شعب صلب"، وهذا بسبب قدرتهم على مواجهة سلسلة من التحديات الكبرى مثل الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا، وتوترًا مع سوريا، وحروبًا مع إسرائيل، وانهيار البنية التحتية والخدمات. وكان الانهيار الاقتصادي الذي فاقمه وصول فيروس كورونا في آذار/مارس أخر التحديات التي واجهت هذا الشعب.

وبعد سنوات من المناورات المالية وإدارة الدين من الحكومة والمصرف المركزي قادت إلى نضوب الاحتياطات من العملة الأجنبية بشكل أسهم بفقدان العملة اللبنانية المربوطة بالدولار بنسبة 80%. وخسر الناس مدخراتهم في ليلة وضحاها، في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية والأساسية بنسبة 50% وللشهر الثالث على التوالي، بشكل جعل لبنان أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من التضخم المفرط. ولأن اقتصاد لبنان قائم على الخدمات، فالبلد لا ينتج إلا القليل ويستورد الكثير. ونظرًا إلى هبوط قيمة الليرة اللبنانية وعدم القدرة للحصول على الدولار فإن الكثير من المحلات التجارية لن تكون قادرة على العمل أو البقاء مفتوحة. فالرواتب التي لم تخفض فقدت قدرتها الشرائية. وعانت السياحة التي كانت عمادًا من أعمدة الاقتصاد اللبناني من الوضع السياسي والاقتصادي المتردي، ومن الإغلاق لمواجهة فيروس كورونا. وتقول الكاتبة والمترجمة لينا منذر إن حوالي 1.000 مطعم أغلقت أبوابها وخسر 25.000 من العاملين بالمطاعم وظائفهم.

ولم تعد التحويلات من الخليج والذي يعمل فيه آلاف اللبنانيين تتدفق بالقدر الكافي لسد العجز بالميزانية، نظرًا إلى هبوط سعر النفط. ورغم عدم توفر البيانات لعام 2020 بعد، إلا أن التحويلات المالية ستنخفض بسبب غياب الثقة بالبنوك أو القيود على السفر، مما يعني أن المال لن يصل عبر التحويلات المصرفية أو الشخصية. وأدى الأثر التراكمي لهذه العوامل إلى محو معظم الطبقة المتوسط التي يبلغ أفرادها 3.5 مليون نسمة أو ما نسبته 65% وأصبحوا فقراء. وأصبح الفقراء أكثر فقرًا ويعانون من الجوع. ويجد الناس أنفسهم مرة أخرى يدفعون ثمن أخطاء الحكومة. وكمثال على ذلك، ظهور مجموعات على صفحات "فيسبوك" تحاول مبادلة كل ما لديها من أجل توفير ما تحتاجه: فالملابس الباهظة الأثمان يتم مبادلتها بحليب الأطفال، مجموعة من كاسات الشرب مقابل كيس أرز.

وقام رجل بمداهمة صيدلية للحصول على حفاضات أطفال. وقام شخص آخر بسرقة آخر بعدما رفع عليه السكين ليعود وهو يعتذر لأنه لا يجد ما يطعم به أولاده.

ورغم ما حققته حركة الاحتجاج في تشرين الأول/أكتوبر 2019 التي طالبت بوقف الفساد والنظام الطائفي الذي يسود النظام السياسي من إجبار الحكومة على الاستقالة، إلا أن التي تلتها لم تقم بعمل ما يجب أو معالجة الظروف المتدهورة. وبات البؤس واضحًا من صفوف المحلات المغلقة ومن خلال أكوام النفايات في مختلف الأحياء والتي تعاني من تقطع في الخدمات ومن شوارع بيروت المظلمة في الليل حيث تنقطع الكهرباء لعشرين ساعة في اليوم.

فهذه ليست بيروت التي نالت مديحا لحياتها الليلية وحاناتها الصاخبة، وهو موضوع كتب عنه الصحافيون الغربيون في كل صحيفة مهمة. وكررت المقالات الحديث عن نفس الأسطورة التي صدقها اللبنانيون وهي أنهم يرقصون وسط تطاير الرصاص، ويحولون ملاجئ الحرب إلى نواد ليلية، ولديهم القدرة للعثور على طريقة لسد ما يحتاجونه، والسبب هو أن اللبنانيين صلبون وبارعون. وكانت فكرة منحت العزاء في أثناء الظروف الصعبة، ونقطة فخر حول الطريقة التي يتعاملون فيها مع الظروف. ولم يعد هناك ما يشي عن صلابة اللبنانيين باستثناء السياسيين وأمراء الحرب القدماء الذين يرفضون التخلي عن مناصبهم حتى بعدما أسهموا في إفلاس البلد وشعبه.

وتقول الصحيفة إن المصارف اللبنانية التي كان يُنظر إليها باعتبارها مؤسسات مرنة وصلبة فإن الوضع الحالي لا ينطبق على المؤسسات هذه بقدر ما ينسحب على المصرفيين أنفسهم. وحتى صندوق النقد الدولي الذي ينظر إليه "بمقرض الملاذ الأخير" لم يكن قادرًا على إقناع المصارف على التوافق حول الخسائر المالية المطلوبة للموافقة على قرض. واستقال مسؤولان بارزان بسبب تعثر المفاوضات، وكان أحدهما آلان بيفاني، مدير عام وزارة المالية، والذي كشف أن البنوك هرّبت 6 مليارات دولار إلى خارج البلاد في وقت منعت فيه المودعين الصغار من سحب حتى 100 دولار من أموالهم. وتقول كريستين طعمة مؤسسة منظمة الفن "أشكال ألوان" التي بدأتها في سيارتها في عام 1993 واستطاعت على مدى 27 عامًا رغم نقص التمويل تنظيم برنامج لتدريس الفن إنها أجبرت على وقف البرنامج لأن البنوك صادرت المال المخصص للطلاب. وقالت "حاولنا وبجهد كبير لجعل الأمور تبدو جيدة ولكن انظروا أين نحن الآن" و "أشعر بالحزن لأنني لم أعد قادرة على الحلم أو التفكير بالمستقبل، أنا منهكة”. وتقول منذر إن الإجهاد واضح على وجوه الناس الذين تقابلهم، ربما كانت الصلابة كذبة بقينا نتغذى عليها ونحدث بها أنفسنا لمواصلة العمل في ظل دولة فاسدة جداً لا تستطيع تقديم أدنى الخدمات العامة والاجتماعية". وهي دولة لا تفكر بشعبها وتتشاحن حول معونة زهيدة وعدت بها العائلات الفقيرة خلال وباء كورونا، بعدما نقصت قيمة المعونة من 180 دولار إلى 50 دولار بسبب انهيار قيمة العملة. إلا أن التظاهرات العام الماضي كانت دليلًا على أن رفض الصلابة والعزيمة هو رفض للقبول بالظروف التي جعلت من الضروري الاعتماد على الفكرة بالمقام الأول. ورفض العثور على حلول للمشاكل التي يجب أن تحل من قبل الدولة.

المصدر : [https://www.nytimes.com/2020/08/03/opinion/lebanon-coronavirus-economy.html](https://l.facebook.com/l.php?u=https%3A%2F%2Fwww.nytimes.com%2F2020%2F08%2F03%2Fopinion%2Flebanon-coronavirus-economy.html%3Ffbclid%3DIwAR25RZnKf6d61kVdCAoJg3L-tij-aQ8RfUJf70liIXWJyTEbnWtJluVZNYQ&h=AT1-6jXXag6l_S_PVJwVl7Szieb8SHgrWn-AlT1gqXHzoq646XNFdh2XsKi39SxsWZCka5aX7_SET8isVvbctWgrN2w8h4jltX0dw3pALG3DZvA-40vMHS6a1vRoK5_lug&__tn__=-UK-R&c[0]=AT1Qv-VEUwme1P-n9qy1bm5e9ArUGTP_IOXfgIgDJJn2mqQ1RWhnCP9CBWE6asGtyTC8FmRFoa6s1UVtN7VW9eUm0JtA_nKFsXXsqz-zv1QoBywv0k41-rkUbYFwlW0pPOD6UJAeEtD9TAnCLaMrRtJqxMAYH5_KdJMAAbNRKWXAo1W0W4DPXkFFh5ikCQV2pdIQcXKOI3ppHQ)

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 1