أُدخل القطاع الصحي في لبنان مرّاتٍ عدّة إلى العناية المرّكزة، إلى أن وصلَ به الحدّ ليُصاب بغيبوبةٍ قد تفقده سمعةً لطالما كانت محط إعجاب وتقدير في المنطقة.
وظهرت مؤشرات التأزم في هذا القطاع مع فصل ٦٥٠ موظفاً من مستشفى الجامعة الأميركية، حيث خسر هؤلاء عملهم، فيما قد يتبعهم آخرون، في الوقت الذي تئن مختلف المستشفيات، العامة والخاصة تحت وطأة الأزمة.
وتشير مصادر "وكالة أنباء آسيا" إلى أن "الوضع سيتأزم أكثر مع فرضية استمرار أزمة الدولار وشح الوقود والكهرباء، واستمرار تفشي فيروس كورونا.
رسالة فضلو خوري
إثر الصرف التعسفي الذي تعرض له ٦٥٠ موظفا، وجّه رئيس الجامعة الأمريكية فضلو خوري رسالة إلى أسرة الجامعة بعد صرف المئات من الموظفين، مشيراً إلى أن "القرار الأخير أجبرنا خسارة ٨٥٠ شخصاً من أفراد أسرتنا من خلال تسريح ٦٥٠ موظفاً وعدم تجديد عقود ٢٠٠ آخرين". وتابع خوري في رسالته "بفضل جهود القيادة في إدارة الجامعة، وبالتعاون مع نقابة العمال ومستخدمي الجامعة الأميركية في بيروت، استطعنا بشكل ملموس النجاح في تقليل عدد الوظائف، وفي الوقت نفسه قمنا ببناء شبكة أمان اجتماعي موسعة، حيث قررنا دفع راتب ما بين ٦ الى ٢٤ شهراً كتعويض إنهاء الخدمة.
وسوف نستمر في دفع تكاليف التعليم في برامج البكالوريوس في الجامعة الأميركية في بيروت لأولاد الموظفين الذين غادرونا لحين تخرجهم، وسنحافظ على كامل تمويل التعليم الدراسي لمدة عام واحد، وعلى تقديم منافع صحية لمن هم بأمس الحاجة إليها".
لكن إحدى العاملات في قسم العيادات الخاصة ممن تم صرفهم من مستشفى الجامعة الأميركية قالت لـ"وكالة أنباء آسيا"، " تم وضعنا في مناخ الصرف التعسّفي منذ فترة، فسادَ جوٌ من التوتر بين الموظفين، فمن الصعب أن يخسر الإنسان عمله بطريقةٍ بَشِعة وغير لائقة بالجهد الذي منحه للمؤسسة على فترة سنوات". وتضيف "رُفع الغطاء عن منحتي الدراسية في الجامعة الأمريكية التي كانت بنسبة ٦٠٪ ، والآن أشعر أنني ملقاة في منتصف الطريق، فتكلفة الماجستر عبء لا أستطيع تحمله لوحدي".
مستشفى الجامعة الأمريكية .. ليس الوحيد
وعن موضوع الصرف التعسفي الذي تعتمده بعض المستشفيات، يؤكد نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون لـ"وكالة أنباء آسيا"أن "ما حصل في مستشفى الجامعة الأمريكية ليس بالأمر الجديد، بل سبقها إلى نفس التدبير عدد لا بأس به من المستشفيات، لكنها لم تلقَ الضجة التي أحدثتها الجامعة الأميركية لإمتلاك الأخيرة رمزية معينة، إذ تم صرف حوالي ٢٥٠٠ موظف من أصل ٢٥ ألف بالقطاع الصحيّ في أواخر سنة ٢٠١٩ حتى عامنا هذا، مع احتمالية تفاقم العدد إذا لم يتم إيجاد حل للأزمة التي تحدق بالمواطنين وبمختلف القطاعات".
كورونا وضائقة القطاع الصحيّ
"القطاع الصحيّ ليس وحده في الواجهة، فكل قطاع يتعامل بالعملة الأمريكية (الدولار) سيلحقه الضرر، وأغلب المؤسسات والشركات ستجد صعوبةً عمّا قريب في دفع الأجور للعاملين فيها" وفق ما يقول رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي "لوكالة أنباء آسيا". ويضيف أن "بعض المستشفيات تدفع لموظفيها نصف رواتبهم مع احتمالية عدم القدرة على الدفع بالكامل لاحقاً، الأمر الذي سيشكل خضّة كبيرة في البلد".
وعن نقص المستلزمات الطبية التي تعاني منه المستشفيات بسبب أزمة الدولار، يشير عراجي إلى أن " مصرف لبنان يدعم المستلزمات الطبية بنسبة ٨٥٪ على سعر الصرف الرسمي، والنسبة المتبقية يتم تأمينها عبر السوق السوداء. مضيفاً أنه "خلال اجتماعنا مؤخراً مع نقابة الأطباء والصيادلة ومستوردي الإمدادت الطبية، تم الاتفاق على ضرورة دعم مصرف لبنان بنسبة ١٠٠٪، الأمر الذي سيساهم بتخفيف عبء الدولار على القطاع الصحيّ ".
وعن مدى جهوزية المستشفيات لمواجهة فيروس كورونا، خاصةً بعد ارتفاع وتيرة الإصابات بشكل تصاعدي، يلفت عراجي إلى إنه " تم تجهيز المستشفيات بشكل عام لتكون على أتمّ الاستعداد لزيادة قدرات التأهب والاستجابة، ولكن هذا لا يعني أن الأمور بخير، فهناك إمكانية لفقدان السيطرة بسبب أزمة الدولار التي تعيق طريق النجاة، وهذا ما أخاف منه. لذلك نطالب السلطات المعنية والمسؤولين بالتجاوب معنا كي لا نقع في كارثة أكبر".
من جهته، برى هارون أن " المستشفيات الخاصة تواجه نقصاً حاداً في اللوازم مثل القفازات، الكمامات، النظارات والبدلات الوقائية، إذ يعجز المستوردون عن تأمينها بسبب نقص الدولار".
وفي ما يخصّ موضوع كورونا تفصيلياً، يوضح أنه "بالرغم من عدم تسديد الحكومة المستحقات المترتبة عليها تجاه المستشفيات الخاصة، إلاّ أنه تمّ تأمين ٥٠٠ سرير استعداداً لإستقبال الإصابات الجديدة، فبعد الاجتماع الذي عقدته لجنة مكافحة فيروس كورونا في لبنان، أبدينا تخوفاً من المصير القادم لجهة تفشي الفيروس، ولكننا في اتجاه أخذ الحيطة والحذر"، مشيراً إلى "بدء تأمين أماكن حجْر مخصصة للحالات غير الحرجة المصابة بفيروس كورونا، أي التي لا تحتاج إلى أجهزة طبية، على أن تعمم هذه الخطة في المناطق اللبنانية كافة".
موضحاً "إذا فاقت الحالات قدرتنا الاستيعابية سنضطر لحجز بعض المستشفيات بالكامل لمرضى كورونا، وذلك بالتعاون مع المستشفيات الحكومية".
تحذيرات من الأسوأ
وضمن السياق نفسه، فجّرت مستشارة رئيس الحكومة حسان دياب للشؤون الطبية بترا خوري قنبلة من العيار الثقيل عبر حسابها على "تويتر"، دقت بها ناقوس الخطر بشأن القطاع الصحي المهدد في لبنان، قائلة: "سنبدأ قريباً برؤية مشاهد مروعة في مستشفياتنا مثل باقي البلدان. على هذه الوتيرة، ستمتلىء أسرّة العناية الفائقة بحلول منتصف آب. نحن في مرحلة خطيرة جداً". فهل ستدق طبول الخطر مع إعلان حالة طوارىء في البلد؟