الحياد: طرح تفجيري في لحظة متفجرة !

زهراء أحمد وكالة انباء آسيا

2020.07.20 - 02:30
Facebook Share
طباعة

 
لعب البطاركة المسيحيون، وتحديدا الموارنة منهم، أدواراً سياسية مهمة، وكان على رأسهم البطريرك الياس الحويك، الذي كان صوتا مدوياً في مواجهة الأحداث السياسية، والتاريخية، خصوصاً إبان الاحتلال العثماني، والحرب العالمية الأولى بعد تقسيم الأراضي الواقعة تحت سيطرة الدولة العثمانية، عمل البطريرك الحويك على عرقلة ضم لبنان إلى سوريا، وطالب بإعادة لبنان إلى حدوده التاريخية، والاعتراف باستقلاله في إدارة شؤونه.
من هنا كانت الكنيسة البطريركية تلعب دورا أساسياً تجاوز المقام الروحي والديني، وكان لها أدوارا متفاوتة حسب المرحلة وتحدياتها، وفي عام 1955 وصل بولس المعوشي إلى سدة البطريركية في بكركي، وخاض مواجهات سياسية حادة مع الرئيس كميل شمعون المعارض لسياسات الرئيس عبد الناصر، والمتخوف من امتداد الوحدة بين دمشق والقاهرة إلى بيروت، فيما كان المعوشي مؤيدا علنيا لمواقف عبد الناصر .
وبعد وصول فواد شهاب إلى الرئاسة تجددت المواجهة بين رأس الكنيسة ورأس الجمهورية، حيث كان البطريرك يرى في الحكم الجديد خطراً على الديمقراطية ،فيما يرى الرئيس أن بكركي تتدخل في الشأن السياسي أكثر مما يجب، بعدها رحل المعوشي وخلفه انطوان خريش الذي على عكس من سبقوه، وجد صعوبة في لعب أي دور في فترة الحرب الأهلية، وتسارع الأحداث حد من دوره وبقي الحال حتى انتخاب مار نصر الله بطرس صفير عام 1986، والذي كان من مؤيدي اتفاق الطائف وكان معارضا شرسا للوجود السوري، ولم يزر سوريا على الرغم من وجود رعية له هناك .
وبعد خروج القوات السورية عام 2005 وجه انتقاداته اللاذعة إلى سلاح حزب الله، ودعا إلى حصر السلاح بيد الدولة، ومن هنا دخلت الكنيسة في صراعات داخلية مع طرف مهم وأساسي على الضد من توجهها، وتشكلت رؤية جديدة بعد التقارب النسبي بين المسلمين والمسيحيين في فترة الراحل الياس الحويك الذي استحضر البطريرك الراعي في كلمته الأخيرة كلام سلفه الراحل الحويك بأن لبنان له طائفة واحدة وهي لبنان، وأن من يعيش على أرضه نسيج متجانس من الطوائف التي قدمت للبشرية نموذجا للتعايش، وأكاديمية للإنسان والحوار والتلاقي.
ومن هنا، انطلق لطرح الحياد كفكرة أساسية لاستعادة الهوية اللبنانية المشوهة على حد تعبيره، واستدرك شارحا للحياد الإيجابي الفاعل الذي يلتزم بالقضايا العامة ومن ضمنها القضية الفلسطينية، وأن يبقى لبنان جسرا بين الشرق والغرب.
السؤال المهم الذي يطرحه الواقع اللبناني، هل الحياد هو مطلب آني؟ وهل لبنان قادر على هذه الدعوى في ظل الأوضاع الراهنة، وتأثر الفرقاء السياسيين بالقوى الخارجية؟ وهل يملك ترف تلطيف وتدوير الزوايا للتوافق- وإن حصل- فإن الإرادات السياسية الخارجية متقلبة حسب مصالحها، وبهذا فإن لبنان سيخضع لمتغيرات في بيئة لا تحمل استعدادات استحقاقاتها، وإذا كان مفهوم الحياد كما تطرحه بكركي هو الميل الحقيقي إلى النظام الديمقراطي التشاركي الذي لا يتأثر بأي قوى خارجية، فإنه أمر صعب لأن كل طائفة في لبنان تعيش بمنطقة جغرافية معينة وبتوجه سياسي خاص واصطفاف مع قوى خارجية.
البطريرك الماروني اعتبر أن العهد تحت سيطرة حزب الله وهذا ما أسرّه لأحد المقربين حيث قال :"إن رئيس جمهورية لبنان الفعلي هو حسن نصر الله وليس ميشال عون".
وهذه الكلمات وصلت الى جدران قصر بعبدا الذي ضج بهذه الكلمات، ما أثار استياءً ونفوراً كبيرين أدى في حينها إلى تعاظم العلاقة المتشنجة أصلاً بين بعبدا وبكركي.
في إشارة أخرى اعتبر الراعي، "أن هيمنة حزب الله على السلطة تركها محرومة من الدعم الخليجي والأوروبي والأمريكي"، وبعد زيارته للرئيس ميشال عون في بعبدا، أكد أن دعوته للحياد تتفق مع رؤية ومشروع العهد لجعل لبنان مركزا لأكاديمية التلاقي والحوار، وهذا لا يمكن تطبيقه إذا لم يكن لبنان غير حيادي، وينأى بنفسه عن الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة. ونفى أن يكون قصد في عظاته أي طرف سياسي أو فئة، وأوضح أن من بين أهم الأمور التي تعزل لبنان وتمنع وصول مساعدات إليه، اصطفاف حزب الله مع المعسكر السوري الإيراني، وهذا أمر لا يصب في مصلحته.
و يظهر من كلام الراعي هذا، التناقض الواضح، إذ من جهة ينفي القصدية عن أي طرف، ومن جهة أخرى يسمي حزب الله بالاسم باعتباره جزءاً من محاور وأحلاف خارجية، ما أثار جدلا واسعاً واستياءً كبيراً من جمهور المقاومة وحلفائها، ووصل الأمر ببعضهم إلى اعتبار ما قاله الراعي، بحق مكون لبناني مقاوم وجزء من السلطتين التنفيذية والتشريعية، عمالة وأن دخوله على الخط وانتقاده لحزب الله كان بإيعاز إسرائيلي، ويؤدي إلى التشويش على ملفات داخلية كإعادة الأموال المنهوبة، ومشكلة الكهرباء، ومسؤولية المصارف، وحاكم المصرف المركزي عن الانهيارات المالية والأزمة الاقتصادية.
رسالة "حزب الله" بحسب مقربين منه كانت واضحة، وهو رفضه تحييد لبنان واعتباره الدعوة إلى الحياد في هذا الوقت تحديدا يصب في مصلحة الإدارة الأمريكية، ومن خلفها إسرائيل، وهي جزء من الضغوط التي تمارس في الوقت الحاضر على لبنان، وأن الصراع في المنطقة لا يستهدف نظام بعينه إشارة الى سوريا بل أنه يستهدف المحور الممانع ويسعى عبر مؤسساته العسكرية والاستخباراتية إلى إثارة الأزمات الداخلية، وزرع الفتن بالقدر الذي يمهد لإضعافه وتقسيمه إلى عدة كيانات ودويلات، وتسريع عمليات التطبيع مع إسرائيل، وبالنظر للأوضاع الراهنة والأحداث التي يشهدها لبنان على الصعيد الداخلي نجد أن المخططات الصهيونية لضرب لبنان والمقاومة تسير على قدم وساق من خلال التقارير الاستخباراتية والدراسات الإسرائيلية التي بدأت تظهر في الإعلام في السنوات الماضية .
ربما ستشهد المرحلة المقبلة مزيداً من التشدد على حزب الله، وتضييقاً أكبر على حكومة دياب، لتأكيد فشلها وعدم قدرتها على إدارة شؤون البلاد، ما يمهد الطريق أمام شخصيات مدعومة من حلفاء أمريكا لركوب صهوة السلطة من جديد، وتكريس إعلام الظل لخلق حالة من التشوش في ذهن الشعب اللبناني تجعله ينظر إلى أن دعوة بكركي للحياد أفضل الخيارات المتاحة في الساحة حاليا، ويبدو طرح البطريرك الراعي طرحاً تفجيرياً في لحظة هي في الأساس متفجرة!
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 10