مافيا بتصنيف "AAA".. مزورون إيطاليون يغزون السوق المالية

خاص

2020.07.13 - 08:11
Facebook Share
طباعة

 قامت عصابة إجرامية بالتعاون مع المافيا في "كالابريا" بإيطاليا، من بيع سندات مالية لبنوك استثمارية وصناديق التقاعد بنجاح على مدى سنوات .

و على خلفية ذلك، اشتعلت فضيحة مالية في منطقة الاتحاد الأوروبي، حيث تبين أن مستثمرين على شكل مؤسسات، بما في ذلك بنوك وصناديق تقاعد، وظفوا الأموال في سندات صادرة عن المافيا الإيطالية.

المعاملات ترافقت مع مجموعة التدقيق والاستشارات الرائدة EY، و ظهرت بشكل لا يدعو للشك في وجود عمليات نصب أو خداع وعمليات استثمارية خارجة عن القانون.

و نُفذت العملية بأيدي "ندرانجيتا" (Ndrangheta- الاسم مأخوذ من الكلمة اليونانية ἀνδραγαθία ، والتي يمكن ترجمتها على أنها "بطولة" أو "البسالة")، هذه العصابة الإجرامية تتمركز في شبه جزيرة كالابريا، و يرجع تاريخها الى واحدة من أكبر المجموعات الإجرامية في إيطاليا.

و بعد هزيمة المافيا المتمركزة في صقلية، تمكنت هذه المجموعة من الاستيلاء على تجارة المخدرات، والتعاون مع الموردين من أمريكا اللاتينية وآسيا.


و لان السبب كان العمل الميداني للشرطة ضد المجموعة صعبا، كان من المستحيل إدخال عملاء غرباء لمراقبة المافيا المذكورة، ما سمح لها بتوسيع نشاطها. بحلول عام 2010، تراوحت مبيعاتها السنوية من 44 إلى 55 مليار يورو.
حيث تكمن الميزة الرئيسية لعصابة "ندرانجيتا"، في المقام الأول بعدم وجود تسلسل هرمي صارم داخلها. و يتشكل هيكل هذه العصابة من العائلات والجماعات التي لم يُسمح لأحد بالانضمام لها، باستثناء أفراد عائلات "المافيوز".

و لأن المجموعة لم تهمل الأنواع الأخرى من "البزنس"، الأكثر "قيمة واعتبارا" في مختلف المجالات. على سبيل المثال، قطاع الرعاية الصحية في إيطاليا، وفي المقام الأول في جنوب البلاد. لهذا، تم إنشاء العديد من الشركات المشروعة التي شاركت في تقديم الخدمات للمؤسسات الطبية الحكومية، حيث تمكنت من الوصول إلى قاعدة بيانات المستشفيات وغالبا ما كانت تعلم بأن هذا المريض أو ذاك توفي، حتى قبل أن يعرف أقاربه بذلك. بعد ذلك، كان يتم إقناع الأقارب المذكورين، باختيار شركات دفن الموتى التابعة للمافيا، لكي تشرف على عملية الدفن، و على الرغم من ذلك، تجارة المخدرات والأسلحة كانت ولا تزال مصدرا رئيسيا للدخل بالنسبة لـ"ندرانجيتا".

و انتقل اهتمام المافيا المذكورة، في السنوات الأخيرة إلى مجال "التمويل والعمليات المالية المختلفة".

صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، نشرت تحقيقا أفاد بأن هذه العصابة الإجرامية وجدت طريقة للحصول على المال في السوق المالية. وتلقت العديد من الشركات القانونية التابعة في الأصل للمافيا المذكورة، التي تعمل في مجال الخدمات الصحية الحكومية، العديد من الطلبيات من هذه المؤسسات، ما تسبب بظهور ديون مستحقة عليها، في شكل فواتير غير مدفوعة.

ووفقا لقوانين الاتحاد الأوروبي، فإن التخلف عن تسديد قيمة الفواتير لفترة معينة من الزمن، يؤدي إلى فرض عقوبات على شكل فوائد مالية. وقد جعل ذلك من هذه الحسابات والفواتير، أداة مالية واعدة.

وبدلا من الذهاب والمطالبة بالأموال من هياكل الدولة في المحكمة، قرروا بيع الديون لشركات وسيطة تم إنشاؤها خصيصا. وقام هؤلاء بدورهم بدمج الحسابات المكتسبة المذكورة مع الأصول الأخرى، وجعلوا كل ذلك ضمانات لسندات تم إصدارها ومن ثم بيعها في السوق المالية.

ومن بين الأمثلة شركة Chiron، التي اشترت فواتير طبية غير مسددة بقيمة 50 مليون يورو. ومن بين الشركات التي قدمت هذه الفواتير إلى Chiron شركة Croce Rosa Putrino، التي قدمت خدمات الإسعاف والجنازة لمستشفى في Lamezia Terme، في منطقة كالابريا.  في عام 2018، تم فتح تحقيق ضد الشركة المذكورة، واعتقل 28 شخصا، لكن الأموال دخلت التداول ولم يعد من الممكن سحبها.

ومن الصفقات الأخرى، إصدار سندات تخص أصول مخيم اللاجئين في كالابريا، والذي كان يدار أيضا من قبل مؤسسة تابعة لـ"ندرانجيتا". وفي عام 2018، تم اتهام إدارة المخيم باختلاس عشرات الملايين من اليورو من الأموال التي خصصها الاتحاد الأوروبي.

بالنسبة لـ"ندرانجيتا"، كانت كل هذه المعاملات طريقة رائعة لغسل الأموال المريبة. 

من بين المشترين كان مصرف Banca Generalli، أحد أكبر البنوك الاستثمارية الخاصة في أوروبا. استحوذت هذه المؤسسة المالية على أكثر من مليار يورو من الأوراق المالية التي عرضتها المافيا خلال أربع سنوات. تم تقديم الخدمات الاستشارية لها من قبل شركة EY، وهي شركة تدقيق تدخل في قائمة الكبار في هذا المجال. ومن بين المستثمرين أيضا، صناديق التقاعد وصناديق التحوط ومكاتب الاستثمار الأسري.

و الجدير بالذكر، إلى أن معظم الأصول التي كانت بمثابة الضمانات لهذه السندات، كانت طبيعية وقانونية. ومع ذلك، فإن قدرة الممولين على مزج فئات مختلفة تماما من الأصول في حزمة واحدة، كانت خطوة مفيدة. يمكن أن نتذكر سندات الرهن العقاري في الولايات المتحدة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما تقترن الديون السيئة بالديون الجيدة وتجتمع معها في سلة واحدة، وتحصل على تصنيف AAA، الذي أصبح أحد مسببات الأزمة المالية العالمية. في حالتنا هذه، لم يتم تصنيف هذه الأوراق المالية، ولكن مع ذلك كانت مطلوبة بشكل كبير.

و ما ساعد في نجاح ترويج "السندات المالية المافيوزية"، كون الكثيرين من الممثلين الشباب للأسر والعائلات المدرجة في "ندرانجيتا"، هم من حملة شهادات التعليم العالي، وخاصة الاختصاصات المالية. درس البعض منهم في كلية لندن للاقتصاد، وحصل بعض الشباب على ماجستير في إدارة الأعمال. كل هذا يسمح لهم بالتعامل بمهارة مع أكثر الأدوات المالية تعقيدا.

لقد أظهرت، قصة السندات المالية المافيوزية، أن التوقعات بظهور الشفافية الكاملة في عالم المال، مبالغ فيها إلى حد ما، على الرغم من أن الدول الرائدة قد قطعت شوطا كبيرا في مكافحة التهرب الضريبي والتصدي لمخططات "الأوف شور"، إلا أن المنظمات الإجرامية القديمة على ما يبدو، مثل العائلات الإجرامية في جنوب إيطاليا لا تزال عصية على هيئات تطبيق القانون.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 3