"جريمة ناعمة": سوريون يستغلون أطفالهم الكترونياً بهدف الكسب المادي

وكالة أنباء آسيا - هيا حمارشة

2020.07.10 - 05:22
Facebook Share
طباعة

 قوانين عدة وضعتها منظمات حقوق الطفل، وغيرها من المنظمات الداعمة لحقوق الإنسان عامة وحماية الطفل خاصة من مجتمعه، والمطالبة بحقوقه، وعلى الرغم من كل تلك القوانين، إلا أنه لم يكن بحسبان تلك المنظمات، حماية الطفل من عائلته ومحيطه المنزلي.

تسليع الأطفال

عبر الشبكة العنكبوتية، يقوم العديد من الأهالي، بتصوير أطفالهم فيديوهات على "اليوتيوب"، ذات قالب مضحك وفارغ في الظاهر، يرمي إلى "تسليع أطفالهم" في باطن الأمر، مقابل الحصول على مبلغ مادي،

أحد تلك الحالات قناة (أبو رعد للأفلام القصيرة)، والتي تعرض فيديوهات لثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين الأربع والعشر سنوات، يمثلون أدوار مختلفة (كالكنة والضرة)، و(الخيانة للحبيبة)، لديهم 29.600 ألف مشترك، ويشاهدها ما يقارب 11مليون مشاهد.

"علاء جركس حياني"، من حلب، وهو أب لثلاثة أطفال، (ليان، وليلى، ويمان)، أكبرهم إثنا عشر عاما، يستخدمهم، من خلال قناة يوتيوب باسمه، ليبث عبرها فيديوهات مضحكة ومسلية لأطفاله، طالباً الدعم والاشتراك من جمهور مواقع التواصل، وذلك من أجل الحصول على مبلغ مادي، حيث يبلغ عدد مشتركيه اليوم 117 ألف مشاهد، ومليون مشاهد.

انتهاك خصوصية

اعتدنا فيما سبق على قيام بعض الأهالي، باستخدام أطفالهم على إشارات المرور لبيع "العلكة"، وتنظيف بلور السيارت، حتى وصلت بهم إلى تأجير أطفالهم لعائلات مقابل المال، لكن في ظل هذا التطور الذي نعيشه، نشهد الآن استغلال من نوع آخر، يقوم به الآباء أو الأمهات لأطفالهم، دون إدراك الطفل لهذا الاستغلال والانتهاك لخصوصيته، وربما دون إدراك الأهل أيضاً للأضرار التي يسببها هذا الاستغلال اللامباشر للطفل، وبالمقابل الآثار السلبية التي يكتسبها المتلقي "الطفل"، الذي بات يربيه الإنترنت في ظل غياب أو تغيّب أهله، لتأمين حاجاته الأساسية، بسبب سوء المعيشة في البلاد.

تربية الإنترنت

حول موضوع "تسليع الأطفال"، تتحدث الخبيرة الاجتماعية "حنان ديابي"، عن مدى كارثية الموضوع قائلة: " إن الأب والأم غائبين تماماً عن تربية أطفالهم، وبالتالي من سوف يقوم بتربيتهم هو الإنترنت، الذي بات شبه مجاني، فقد غابت التربية بسبب سوء المعيشة، مما دفع بعض العائلات لاستغلال أطفالهم، والذي يعد أحد الجرائم الالكترونية، ويجب معاقبة الأهل عليها، وعائلات آخرى التفتت لتأمين قوت يومها، متجاهلةً واجبها تجاه أطفالها، ليقوم الإنترنت بهذا الواجب"، وتوجه ديابي سؤالا إلى المجتمع بأكمله يتوجب على كل فرد أن يسأله لنفسه: "لماذا الإنترنت في بلادنا شبه مجاني على الرغم من اعتماده على تقنيات عالية؟..يجب الوعي بأن الهدف هو خلق جيل ذو طابع معين".

الإتجار بالأشخاص

ينص القانون السوري مادة في قانون الجرائم المعلوماتية الذي تم وضعه عام 2012، عقوبة لمن ينتهك الخصوصية، حيث تنص المادة (23) من القانون على: " يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة من 100 ألف إلى 500 ألف ليرة سورية، كل من نشر عن طريق الشبكة معلومات تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، حتى ولو كانت تلك المعلومات صحيحة"

بينما ينص قانون الاتجار بالأشخاص عام 2010 في مادته الرابعة على: " يعد اتجاراً بالأشخاص، استدراج أشخاص، أو نقلهم، أو اختطافهم، أو ترحيلهم، أو إيواؤهم، أو استقبالهم، لاستخدامهم في أعمال أو لغايات غير مشروعة، مقابل كسب مادي أو معنوي، أو وعد به، أو بمنح مزايا، أو سعياً لتحقيق أي من ذلك أو غيره، ولا يتغير الوصف الجرمي للأفعال المذكورة آنفاً، سواءً كانت باستعمال القوة، أو بالتهديد باستعمالها، أو باللجوء إلى العنف، أو الإقناع، أو استغلال الجهل، أو الضعف، أو بالاحتيال، أو الخداع، أو باستغلال المركز الوظيفي، أو بالتواطؤ، أو تقديم المساعدة ممن له سلطة على الشخص الضحية".

الطفل أداة الجريمة

المحامي "عاطف جاويش"، يشير إلى عدم وجود مادة في قانون الجرائم المعلوماتية يتعلق بالجرائم الواقعة على القاصر، ولا يمكن تشريع قوانين عند حدوث أي جريمة، فالمشرع دائماً متأخر بخطوة، وعن هذا النوع من الجرائم، يقول جاويش: "يمكن تسميتها بالجريمة الناعمة، فعندما يظهر الطفل على الشبكة وكأنه سلعة، أو إهمال الطفل بتركه على الشبكة، فإن هذا الأمر يجب تجريمه بقانون يعالج مشكلة القاصر، كما يمكن تطبيق المادة الرابعة من قانون الاتّجار بالأشخاص، لأن استخدام الطفل كأداة للحصول على غاية معينة، هو اتّجار بالأشخاص عبر الشبكة بصورة ناعمة".

تفكير مادي بحت

الخبيرة التربوية الدكتورة "حلا زبيدة"، تشير إلى أن العائلة التي تستغل طفلها بهذه الطريقة، لا تعرف أنها تدفعه ليكون شخصاً مادياَ في المستقبل، فهو من خلال القلق والتوتر وعدم ممارسة حياته بشكلها الطبيعي أثناء التصوير، يصبح مرغماً على التفكير المادي، ويكون على استعداد أن يفعل أي شيء مقابل الحصول على المال والشهرة، مما يؤدي للوصول إلى نتائج مستقبلية لا يحمد عقباها، أما بالنسبة للطفل المتلقي، فإن مشاهدته لهؤلاء الأطفال، سوف يشعر بالإحباط والاكتئاب لأنه لا يعيش ذات الحياة ولا يمتلك ما يمتلكه الطفل في الفيديو.

ربما بات على المشرّع، أو المنظومة القضائية، ومنظمات حماية حقوق الطفل، والدفاع عنه، وضع الأهل في حسبانهم، وحماية الطفل منهم، في ظل الانفتاح، والأوضاع المعيشية، التي أصبحت تدفع أي شخص لارتكاب أي جرم من أجل العيش، بالمقابل، أصبح من الضروري تطوير منظومة القوانين والعمل على تعديلها بما بتناسب مع مشاكل العصر.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 6