في سورية : بين أثرياء الحرب وفقراء التضحية.. كما بين الخيار والكافيار

زينا عماد الدين

2020.07.10 - 12:35
Facebook Share
طباعة

 لم يعد غريبا مشهد الجوع والفقر في وطن كان "وطن الخيرات"، البلاد التي كانت تُعرف ب"أم الفقير" أدارت ظهرها للفقير اليوم في ظل ارتفاع الدولار وانخفاض قيمة الليرة السورية واحتكار التجار للمواد الأساسية .

حرب وأزمة اقتصادية وفساد غيبت الطبقة الوسطى في المجتمع، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي اعتادها الشعب السوري بشكل عام خاصة بعد حرب مستمرة منذ ما يزيد على تسع سنوات.

لكن السوريون يجمعون في جلساتهم وأحاديثهم اليومية على أن هذه المرحلة هي الأقسى اقتصاديا منذ الثمانينات، ولكن ليس على الجميع.
قسّمت الحرب السوريين إلى عالمين منفصلين: عالم الأغنياء ومحدثي النعم من تجار الحرب، و عالم الكادحين المثقلين بهموم الحرب وتبعاتها.
ومن يتابع ما يكتبه السوريون على صفحاتهم سيعرف كم الغبن الذي يشعرون فيه. يقول أحدهم "وكأن هذه الأزمة مرت على الأثرياء مرور الكرام، أو بالأصح لم تمر، فيما الضحية وكبش المحرقة كانوا كما هي العادة، الفقراء وذوي الدخل المحدود.

مظاهر الثراء ترهق الفقراء

عندما تتجول في أحياء دمشق لابد أن تشعر بتناقض غريب بين وجوه بائسة تنتظر كفاف يومها بسلام، وبين من جلس باكرا في الكافيه دون حسابات ذهنية لفاتورة رفاهيته الصباحية.
يتناقل الناشطون في تعليقاتهم اليومية أخباراً عن مظاهر الثراء المثيرة للاستفزاز ، فهذا زفاف اسطوري لابن أحد المسؤولين الذين طفوا على سطح الأزمة، وهذه مجموعة من السيارات الفارهة تجوب الشوارع الراقية وصوت موسيقاها أعلى من صوت أب يبكي لعدم قدرته شراء مايحتاجه الاولاد.

وقد لاتخلو مواقع التواصل من صور الأكل في أفخم مطاعم دمشق، وصور منسوخةللفو اتير الخيالية التي تكفي أسرتين لشهر كامل يصرفها البعض من الأثرياء بساعات من المرح والترف.

بين الكافيار والخيار... ماذا يأكل الأثرياء والفقراء ؟

أم محمد موظفة في مؤسسة حكومية ولديها ثلاثة أطفال، تقول لآسيا إن راتبها الشهري لا يتعدى 50 ألفا بعد الزيادات الأخيرة.
وتضيف بأن لديها أولويات، فهي لم تستطع أن تشتري لحم الدجاج منذ أشهر فتستبدله بالفول: "حتى الفواكه أصبحت رفاهية" حسب كلامها، فغلاء الأسعار اختصر حتى الأولويات للعائلة السورية التي لايكفيها دخلها عشرة أيام في ظل الوضع الراهن.

من جهته، يقول أحد مالكي المحلات التجارية في ضواحي دمشق إن القدرة الشرائية انخفضت إلى أكثر من النصف، ولم تعد الأسرة المحدودة الدخل قادرة على شراء ماتحتاجه بل نصف أو ربع احتياجاتها.

ويضيف في حديثه "لآسيا" : يتوجه أصحاب الدخل المحدود اليوم إلى الخضار الموسمية التي يستطيعون شراءها نوعا ما (بندورة وخيار وبعض الخضروات الورقية) إضافة إلى الخبز، وبعض الناس يشترون نصف طبق بيض وأما اللحوم فاقتصرت على المناسبات
موظف آخر اشتكى من عدم تناسب الدخل مع الأسعار . يقول "الزيت والرز والسكر والشاي والحبوب والسمنة هي من أولويات كل بيت، لانستطيع شرائها بالكميات ذاتها - الله بعين - أصبحنا نشتري بالنصف كيلو و أقل"
وفي مشهد مختلف تماماً، و تحديدا في شوارع المالكي والوكالات والمولات ترى من يتسوق مما لذ وطاب، حتى المنتجات المستوردة تجدها على الرفوف التي اقتصر زبائنها على ميسوري الحال، فلا يضيعون وقتهم بالبحث عن الأنسب في الأسواق فهنا تتوافر جميع المواد مهما كان سعرها.

أحد الزبائن الذي لفت انتباهنا كان يشتري "كافيار" من أحد المولات الفخمة، قال إن عمله "تجارة خاصة" دون أن يوضح معنى ذلك، مضيفاً أنه مازال قادرا على شراء مايريده، ويرى أن الأسعار ارتفعت قليلاً ولكنها ما زالت مقبولة. وأما عن الأساسيات الغذائية لديه فهي اللحوم والأجبان والألبان والكافيار والمكسرات، مصرّحاً بأنه صرف نحو 50 ألف ليرة خلال تسوقه اليوم.

أصحاب المحال التجارية في المناطق "الراقية" يقرّون بأن ما يبيعونه يختلف عن الأسواق الشعبية مع إن المصدر واحد (سوق الهال) لكن طبيعة المناطق هنا والسكان لايبالون بأي سعر ستباع الفواكه أو اللحوم وحتى الملابس فهنا القدرة الشرائية أكبر والعمل أجزى.

مشهد .. متنافر

المشهد واضح لمعظم السوريين - ويتحدثون عنه بلا حرج في يومياتهم - فبينما قطفت فئةً صغيرة ثمار الحرب، وكدّست ثروات هائلة، وغالباً بطرق غير مشروعة، على حساب عموم الشعب من الطبقتين الوسطى والفقيرة، يعيش هذا الشعب في ظروف قاسية لم يواجهها حتى في فترة حصار الثمانينات.

تؤكد على ذلك العديد من الجهات المحلية والدولية، وآخرهاوكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة، كانت حذرت مؤخراً من أن سوريا تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، حيث يفتقر أكثر من 9٫3 مليون شخص إلى الغذاء الكافي في وقت أكد فيه برنامج الأغذية العالمي في آخر دراسة أن عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1٫4 مليون في غضون الأشهر الستة المنصرمة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 8