المساعدات الأممية والصراعات الدولية: السوريون خاسرون كل مرة!

كمال شاهين

2020.07.09 - 11:33
Facebook Share
طباعة

 

 
أعاد الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج الاصطفافات السورية ـ السورية واﻹقليمية والدولية إلى الواجهة مجدداً، بعدما رفضت موسكو مقترح تمديد قرار تفويض نقل المساعدات اﻹنسانية إلى سوريا عبر منطقتين حدوديتين مع تركيا، الذي كان مفترضاً استمراره حتى نهاية العام الحالي.
وجاء الفيتو الروسي ـ ورقمه الخامس عشر منذ اندلاع اﻷزمة السورية ـ يوم الثلاثاء في السابع من تموز الحالي ردّاً على مشروع قرار قدمته بلجيكا وألمانيا إلى مجلس الأمن، ينص على تمديد الموافقة على نقل المساعدات عبر معبري "باب الهوى" و"باب السلامة" على الحدود السورية ـ التركية، لمدة عام، وكلاهما واقعان تحت سيطرة قوات المعارضة المسلحة، وقد عبّرت ألمانيا وبلجيكا عن أسفهما للفيتو الروسي ـ الصيني، في بيان مشترك تلاه مندوبا البلدين لدى الأمم المتحدة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة مع الصحفيين.
في 20 كانون الأول 2019 عرقل فيتو روسي نفس المشروع، إلا أنه في 10 كانون الثاني الماضي تمكن مجلس الأمن الدولي من تمديد تفويض عملية إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا لمدة ستة أشهر فقط تنتهي في العاشر من تموز الحالي، لكن مع تقليص عدد المعابر ومدة الترخيص، وهو ما طالبت به روسيا.
القرار 2156 .. ست سنوات من التمديد:
كان قرار إدخال المساعدات (ورقمه 2165) قد صدر عن مجلس الأمن في تموز العام 2014، بهدف إيصال المساعدات إلى السوريين عبر الحدود الدولية "نظراً لحجم الأزمة السورية وتعقيدها والحاجة الملحة لإيجاد طرق بديلة لتقديم المساعدات الإنسانية داخل سوريا"، وفقاً لما ذكره موقع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، حيث يُمكِّن (الصندوق الإنساني السوري عبر الحدود)، الذي تموله دول عربية وغربية مانحة، أكبرها الولايات المتحدة، جميع المنظمات الشريكة في المجال الإغاثي، لا سيما السورية منها، من تقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية وخطوط التماس وتوزيعها.
هناك أربع نقاط رئيسية في القرار تتعلق بالمعابر أولاً وإدارتها، وزمن التمديد لها، وإدخال المساعدات وتسليمها، وموافقة الحكومة السورية أو إعلامها، و وفق تصريحات عدد من الناشطين في الشمال السوري لـ "وكالة أنباء آسيا"، لا يقتصر برنامج المساعدات الدولية على السلال الغذائية والصحية فقط، ولكنه يمتد إلى (تشغيل المشافي والأفران ومحطات المياه وصيانة المدارس، إضافة إلى تقديم اﻷدوية والمعالجة إلى العموم مجاناً)، وبالمقابل فإن المساعدات في مناطق سيطرة دمشق تكاد تنحصر في السلال الإغاثية وترميم بعض المنشآت مثل المدارس بحكم وجود اتفاقيات مع المنظمات الدولية وتحت إشراف الوزارات المعنية.
مُدد قرار المساعدات عاماً تلو الآخر حتى وصل عمره إلى ست سنوات، إلا أن المفاوضات الجديدة جعلت فترة التمديد بين ثلاثة إلى ستة أشهر، قابلة للتمديد إلى سنة، دون التوصل لاتفاق نهائي، ولا يتطلب القرار موافقة الحكومة السورية على إدخال المساعدات، وإنما اعتمد "إخطارها" فقط بدخول الشاحنات الإغاثية دون تقديم أية تفاصيل عنها وعن وجهتها وعن كيفية توزيعها، لكن روسيا تطالب الآن بإلزام الوكالات الأممية الحصول على الموافقة الكاملة من دمشق.
المعابر من 4 إلى 2 إلى واحد:
كانت المعابر الحدودية التي اتفق عليها في تموز 2014 أربعة معابر رئيسية هي (باب السلامة، باب الهوى، اليعربية، الرمثا)، عدا المعابر المستخدمة بالفعل لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها الذين قدرتهم اﻷمم المتحدة بـ 11.2 مليون (منهم ما يقارب 2.8 مليون في مناطق إدلب وريفها) بما في ذلك اللوازم الطبية والجراحية التي زادت الحاجة إليها في كل البلاد بعد تطبيق قانون قيصر الذي قيّد الوصول إلى السوق الدولية وتعاملاتها.
كانت روسيا قد طالبت سابقاً بتقليص المعابر المشمولة بالقرار إلى اثنين، وهما "باب السلامة" و"باب الهوى" وطالبت بإلغاء معبري "اليعربية" و"الرمثا"، ومن جديد تطالب بتصويت مجلس الأمن على قرار روسي يوافق على معبر واحد فقط تديره تركيا لإيصال المساعدات لمدة ستة أشهر تالية فقط، وهو ما رفضته واشنطن مسبقاً حيث قالت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت "أن الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في مجلس الأمن أيّدوا قرار التمديد، لأن البديل الروسي لا يوصف"، أي اعتماد معبر "باب الهوى" وحده ولمدة ستة أشهر فقط.
توقف عمل معبر "الرمثا" جنوب سوريا مع اﻷردن بعد عودته إلى اﻹدارة السورية الحكومية، أما معبر "اليعربية" في الشمال الشرقي للبلاد الواصل بين الحسكة ومدينة ربيعة العراقية فقد رفضت واشنطن إغلاقه بحكم استخدامه من قبل قواتها في المنطقة (ويديره أصدقاؤها في الإدارة الذاتية)، وقد عبرته سابقاً أكثر من مئة ألف شاحنة مساعدات إلى الشمال السوري حتى العام الحالي، في حين بقي معبري باب الهوى وباب السلامة اللذان تسيطر عليهما قوات المعارضة المسلحة المدعومة من قبل تركيا يعملان حتى اﻵن.
الموقف الروسي ..يلاحق اﻹرهاب؟
تقول روسيا أن إدخال المساعدات الإنسانية دون موافقة "الدولة السورية" انتهاك لـ"السيادة السورية"، وتطالب بمرور المساعدات وليس فقط الموافقات عبر دمشق، خاصةً أن اﻷمم المتحدة تعتبر دمشق الممثل الشرعي للدولة، ولذلك لا مشكلة لديها (اﻷمم المتحدة) في التعاون مع الحكومة المركزية، وتعتبر فوق ذلك أنه اﻷفضل لها لتخفيف نفقاتها في ظل جائحة كورونا، حيث يدير 40 موظفاً من تركيا والأردن نظام الاستجابة لكامل سوريا، بتكلفة تخطت ستة ملايين دولار عام 2017.
اﻹصرار الروسي على الأمر يصب في المحصّلة النهائية في صالح دمشق وتعويمها من جديد ضمن اﻷسرة الدولية، وهو ما تعمل عليه موسكو بهدوء، ظهر ذلك بوضوح في اعتراضها على كلمة "إدخال" المساعدات مطالبةً باستبدالها بـ "تسليم" وهذا يعني ضرورة وجود قوائم توضح أين ذهبت تلك المساعدات، وبالتالي فإن وصول أي من المساعدات إلى أي منظمة أو كيان أو تنظيم مسلح أو غير مرخّص أو مصنّف ضمن لوائح اﻹرهاب اﻷممية فإن ذلك يعني إيقاف البرنامج فوراً، وهو أمر انتبهت له دمشق وموسكو باكراً إذ وصلت بعض من هذه المساعدات إلى تنظيم جبهة النصرة وحتى داعش في السنوات السابقة.
بنفس الوقت، فإن إيقاف المساعدات عبر الحدود وتسليمها إلى دمشق لتقوم بتوزيعها او إدارة ملفها بحضور أممي يعني منح دمشق قدرة التحكم بمناطق المعارضة والشمال، عبر حصر المواد التي يسمح لها بالدخول، وبالتالي القدرة على استمرار استئناف المعارك سعياً لإعادة السيطرة على تلك المناطق، وهو ما تسعى إليه موسكو ودمشق معاً.
المعارضات والمساعدات:
وصول روسيا ـ ومعها دمشق ـ إلى واحد من أهم ملفات اﻹزمة السورية، يمثّل برأي المعارضة (كارثةً إنسانية قادمة مع تزايد الاحتياجات الإنسانية في سوريا واستمرار العنف والآثار الاقتصادية للنزاع المتمثلة بالتضخم، الذي أوقع 83% من سكان سوريا تحت خط الفقر، لذا يشكل دخول المساعدات إلى سوريا أهمية كبيرة للنظام تنعكس إيجابًا على اقتصاده، نظرًا لدخول كمية من القطع الأجنبي إلى خزينته، أو عن طريق دخول المواد الإغاثية) وفقاً لتصريح وزير الاقتصاد في "الحكومة السورية المؤقتة"، عبد الحكيم المصري، لجريدة عنب بلدي المعارضة.
كذلك يظهر على نفس الجانب أن المناطق التي قد تتعرض لحرمان من المساعدات لا تستطيع الجمعيات المحلية فيها إكمال مهامها نظراً ﻷن نسبة قيمة التمويل اﻷممية تزيد عن 40% من المساعدات التي تحصل عليها المنظمات، وفي حال تجريد تلك المنظمات من الصفة القانونية (وهذا ممكن في ظل عدم خضوعها للترخيص وعدم تمكنها منه أساساً)، فقد يؤدي هذا إلى انسحاب الدول المانحة من جهة، وإلى توقف المساعدات بالتالي، يضاف إلى كل هذا زيادة حجم الاحتياجات اﻹنسانية مع تطبيق قانون قيصر والتضخم المتسارع في البلاد.
هل تفعلها روسيا أم ماذا؟
استخدام روسيا حق النقض لتعطيل قرار المساعدات في كانون الأول 2019، كان حدثاً مفصلياً في تاريخ القرار الطويل، ومثّل قدرةً لها على الوصول إلى مفصل رئيسي في اﻷزمة، ولكن هل تضع روسيا نفسها في مواجهة جديدة مع المجتمع الدولي مساهمةً في (تشويه) صورتها كأحد رعاة المسألة السورية؟ إن ما يجري من مفاوضات في أروقة مجلس الأمن ـ حتى اليوم ـ لا يتعلق بمجريات الوضع في سوريا ووضعها اﻹنساني فقط، فمما لاشك فيه أن هناك كالعادة مقايضة للمصالح بين اﻷطراف المعنية، وأولها روسيا والولايات المتحدة وتركيا، وعلى اﻷرجح فإن روسيا سوف تتراجع عن فرض تصورها الذي يتفق مع الرغبة التركية من جديد.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 5