زراعة الشرفات واﻷساطيح .. هل تحمي السوريين من الجوع؟

خاص آسيا _ كمال شاهين

2020.07.03 - 09:46
Facebook Share
طباعة

 ليست الزراعة المنزلية، سواء على الشرفات أو على اﻷسطح، جديدة على السوريين، فلطالما كانت بيوتهم وأسطحتهم، حتى في قلب المدن تحتضن النباتات الخضراء بأنواعها، الحشائش والنباتات العطرية والفواكه أحياناً، أما الخضار فقد كانت سيّدة المآكل والتبولة والفتوش، ومع اضطرار الناس الانتقال إلى ثقافة الاستهلاك واﻹنتاج الزراعي المركّز بعد ظهور الزراعات المحمية في عموم البلاد قبل أكثر من عقدين من السنوات كادت تختفي تلك المشاهد الخضراء من كثير من المناطق، والمدن والقرى على حد سواء.


تقول "عليا" سيدة سورية من اللاذقية (45 عاماً) وتعمل موظفةً، أن (مساحة شرفتها مقبولة وهي تستفيد منها في زراعة مواد تساعدها في التخفيف من المصروف الشهري على الخضار والفواكه، وقد بلغت وفق حساباتها قرابة مئة ألف ليرة سورية (50 دولاراً تقريباً) من أصل راتب العائلة (يتضمن الزوج وابن مهندس غير متزوج) البالغ جميعه حدود 200 ألف ل.س).


تتفوق زراعة الخضروات في الحدائق أو اﻷراضي الزراعية على الشرفات في ميزة واحدة وهي المساحة. ولكن من الممكن زراعة النباتات في الشرفة بشكل مثالي مهما كانت مساحتها، كما أن بعض النباتات تفضل الشرفات أكثر، مثل الطماطم، التي يذكر كتاب زراعة إيطالي أنها بقيت تزرع في شرفات أوروبا زمناً طويلاً باعتبارها من نباتات الزينة دون أكل ثمارها ﻷنهم كانوا يعتقدون أنها سامّة.


تقول السيدة إن الاستنزاف اليومي هو للخضار، فقد أصبح سعر ربطة البقدونس (نص كمشة) بين 100-150 ل.س، وهي يمكنها أن تزرعه في صندوق من الفلين على مدار العام تقريباً بكلفة أقل من مئة ليرة وقليل من المياه، واﻷهم (رائحته بتشهّي)، وإلى وجواره هناك نعناع وزعتر وحبق وأنواع أخرى.


سبق للسيدة العام الماضي أن قامت بالتجربة في مجال صغير لكن (اﻹنتاجية لم تكن كافية) لذلك قررت هذا العام زيادة المساحات المستغلة على الشرفة خاصتها فقامت بإزالة عدد من الأغراض المهملة واستعاضت عنها بصناديق الفلّين، وهذا العام (زرعت بندورة كرزية وفليفلة، والأمور مشجعة على الاستمرار).


تقول السيدة أيضاً إن مسألة البذور لم تكن مسألة صعبة، فقد استعانت بجدتها المقيمة في إحدى قرى جبلة للحصول على بذور بندورة كرزية: (فقط نسحب البذور من الثمرة حتى لو كانت إنتاج هذا الموسم، نجففها يومين أو ثلاثة ثم نرطبها لبضعة أيام، ونزرعها من ثم في وعاء صغير فهي تنمو في مختلف الظروف)، وبقية الخضار أيضاً يمكن اعتماد نفس الطرق معها ولو أنه (يفضل البذور البلدية التي أصبحت حلماً من اﻷحلام).


(محمد) عامل في شركة الغزل يمتلك سطحاً مساحته لا تكاد تتجاوز ستين متراً حوّلها بهمة ونشاط إلى تجربة زراعية حققت له تقريباً الاكتفاء الذاتي من الخضار، لا بل إنه عمد إلى زراعة شجرة تين فوق سطح منزله معتمداً تقليمها الشديد وإنقاص مجموعها الخضري حتى تعطي كمية إثمار أكبر، يقول الرجل (50 عاماً) إن فكرة استغلال سطح منزله راودته منذ سنوات، فبدأ بتجهيز السطح بما توافر له من أخشاب، ورتبها على شكل صفوف أفقية وأخرى عمودية، وانتقى لها تربة (طيبة) ثم بدأ بزراعتها منذ أربع سنوات على اﻷقل ساهمت في تحقيق اكتفائه الذاتي من الخضار كلياً.


يزرع محمد البندورة والخيار والفليفلة واليقطين والليف والحشائش وغيرها، وكل حسب موسمه، فالزراعات الصيفية تستمر تقريباً نصف العام، والشتوية مثل الخس والسلق والملفوف تستغرق النصف الباقي، (مع جهد يستمر يومياً بضعة ساعات وتأمين سقاية لها من مياه المطر الذي يخزّن في خزان خاص على السطح).


لم تكن تكلفة المشروع الخاص بمحمد كبيرة، يقول: (يمكن الاستفادة من كل شيء نستخدمه في حياتنا، علب السمنة الفارغة، والصناديق الفلينية، ومزيد من الاحتراف يقتضي الحصول على ألواح خشبية لتركيبها بما يشبه المساكب، أما البذور فهي عملية ليست صعبة وهي عموماً متوافرة للأنواع متوسطة اﻹنتاج، ولكن في حال الحصول على بذور عالية اﻹنتاج ـ متوافرة ولكن سعرها غال يصل إلى 80 ألف للعبوة سعة 1000 بذرة). كما يمكن الحصول على تربة جيدة من المشاتل وبأسعار مقبولة جداً، وتساهم مشاتل وزارة الزراعة في تقديم بعض الخدمات المناسبة).


على العموم، لم تكن زراعة اﻷسطح في الساحل السوري من الزراعات المنتشرة كثيراً في السنوات اﻷخيرة باعتبار المنطقة من المنتجين اﻷساسيين للخضار في سوريا، خاصة المحمية المستمرة اﻹنتاج على مدار العام، ولكن ارتفاع أسعارها نتيجة لارتفاع أسعار البذور والمبيدات واﻷدوية والنايلون عشرات اﻷضعاف، دفع عدداً من الناس إلى إعادة استخدام أراضيهم الزراعية المهملة، ومحاولة العودة إلى تحقيق اكتفاء ذاتي، من القمح إلى الخضار.


أضاف قانون قيصر اﻷميركي مزيداً من اﻷعباء على السوريين الذين لم يكن ينقصهم مزيد من الضغط الاقتصادي والمالي، يقول (رامي) ـ متقاعد 62 عاماً موظف سابق في التبغ ـ إن ما جرى دفعه لزراعة مساحة داخلية في شقة على العضم تقع فوق بيته بهدف إنتاج جزء من حاجات عائلته، كما عمد إلى تربية عدة دجاجات لتأمين حاجته من بيض المائدة وهو اليوم يأكل منتجها كما يجمّع زرقها بهدف بيعه أو استخدامه في تسميد نباتاته.


من الغريب أن الحكومة السورية ومعها وزارة الزراعة لم تقم بتشجيع الزراعات المنزلية بشكل حقيقي حتى اﻵن رغم أن تجارب عربية قريبة أضافت كثيراً للحاجة المتزايدة للخضار في المنطقة، فمنذ وقت قريب عمدت السلطة الفلسطينية إلى إطلاق حملة زراعة مليون شتلة خضار في الحدائق المنزلية مع توزيع الشتول مجاناً، وبنفس الوقت فقد أدّت جائحة كورونا إلى تدفق ملايين الناس إلى الزراعة المنزلية، وهو ما لم يحدث في سوريا.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 9