بحث:شرق الفرات والعشائر العربية خلال الحرب السورية، الجزء الثاني

اعداد خضر عواركة، دراسات ميدانية د. علي جمعة، تدقيق وتوثيق زينة يوسف

2020.06.16 - 05:24
Facebook Share
طباعة

ثانياً). العشائر العربيَّة خلال الحرب السورية:
أظهرت الحرب التي تعيشها البلاد ضياعاً وتشتتاً في صفوف أبناء القبائل والعشائر، دفعوا ثمنه من خلال سطوة تنظيمات مختلفة على مناطقهم، وفتكهم بالكثير من أبنائها, فتمكّنت المجموعات المسلحة، وخاصة «جبهة النصرة» و«داعش»، من اختراق البيئة العشائرية السورية مع انكفاء دمشق عن الشمال والشرق السوريَّين لانشغالها في معارك أساسيَّة متعلّقة بأمن العاصمة، واحتفاظ الجيش بالمدن الكبرى على حساب مناطق انتشار العشائر.
ورغم أداء معظم الزعامات العشائريَّة المعروفة بولائها للدولة السوريَّة دوراً إيجابيَّاً في بداية الأزمة، إلَّا أنَّ انجرار العديد منهم في فترة ما قبل الحرب خلف مصالحهم الشخصية والسعي للوصول إلى مقعد في البرلمان أو مجالس المحافظات، وحالة التمدن التي عاشتها سورية خلال فترة ما قبل الحرب, أحدث شرخاً مع أبناء القبيلة وأبعد الشيوخ عن «رعيتهم»، وأخرج الكثير من الأبناء عن عباءة القبيلة أو العشيرة.
ورغم انخراط عدد لا بأس به من أبناء العشائر إلى جانب الدولة السورية في حربها ضد الإرهاب، إلا أنَّها لم تكن «بالمستوى المأمول», والعشائر التي تشكل أكثرية من دون ثقل عسكري طالبت أكثر من مرة الدولة بتسليحها لتنضم إلى معركة الحفاظ على وحدة سورية، لكنَّ دمشق كانت ترفض وجود سلاح خارج منظومة الجيش والقوات الرديفة له.
ثالثا). العشائر وداعش, والتنظيمات الإسلاميَّة الأخرى:
قُبيل بدء الغارات الجويَّة الأميركيَّة على تنظيم الدولة الإسلاميَّة في أيلول/سبتمبر 2014م، كانت هذه المجتمعات المحليَّة تحصد ما بين مليون إلى 3 ملايين دولار يوميَّاً، يأتي ثلاثة أرباعها من ريع آبار النفط في محافظة دير الزور, ولذا، كانت المجتمعات التي تستخرج النفط وتبيعه قبل وصول الدولة الإسلاميَّة تحصد أرباحاً طائلة, قبل دخول التنظيمات المسلَّحة والمتطرِّفة إلى منطقة الجزيرة.
ففي أوائل 2013م، استقرت جبهة النصرة في بلدة الشحيل، وبدأت بتوسيع عمليَّاتها العسكرية وتحالفاتها في المنطقة, فتعايشت مع العديد من المجموعات المسلَّحة، ولعبت دوراً مهماً في إقامة الهيئة الشرعيَّة المركزية في الشحيل, وارتبط المتطرفون الإسلاميَّون، في المراحل الأولى لنشاطات الجماعات الراديكاليَّة قبيل بروز الدولة الإسلاميَّة وسيطرتها على الرقة، بالسكان المحليين عبر إغداق وعود المزايا الماديَّة, واستخدام اللغة الدينيَّة معهم, وعلى سبيل المثال، بنت جبهة النصرة قاعدتها الشعبيَّة في دير الزور استناداً إلى توفير الخدمات، ودعم المواد الغذائيَّة، وتوفير الأمن للقرى في المنطقة.
هذه العلاقات بين جبهة النصرة وبين السكان المحلِّيين امتُحِنَت من قِبَل المجموعات المحليَّة المتطرِّفة التي احتكرت موارد الغاز والنفط، وكانت غير مستعدة للإذعان إلى سلطة الجبهة وما يسمى "المجالس الشرعيَّة", ودلّلت الطريقة التي اندلعت فيها المجابهات، والوسائل التي استُخدمت لتسويتها، على أهميَّة الروابط القبلية على المستويات المحليَّة.
رابعاً). العشائر بعد القضاء على تنظيم داعش:
صعد نجم "داعش" في محافظة دير الزور, ووسعت إلى طرد الجماعة المُنافسة لها من حقول النفط في المحافظة, وقطع علائقها مع السكان المحليِّين, وركّز التنظيم جهوده الخاصة بالتجنيد على البلدات التي يقطنها عشيرة "البكير", وبالتالي انطوى القتال في دير الزور على صراع حول الموارد الاقتصاديَّة, وما سهّل انغماس هذه الجماعات في المعارك ودَفَعَ إلى تصعيد المجابهات، غياب التضامن القبلي, وسهَّل ذلك نسبياً تشظي المجتمعات المحليَّة ذات الأصول القبلية بفعل النزاع السوري، قدرة القوى السياسية الجديدة على تنفيذ برامجها السياسيَّة الخاصة في المناطق التي تقيم فيها القبائل، بما في ذلك محافظة الحسكة في أقصى شمال شرق سورية.
وحرص كلاً من الدولة الإسلاميَّة وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى منع الزعماء القبليِّين من تعبئة قبائلهم ضدهما, إذ اعتمدت الجماعات الإسلاميَّة المتطرِّفة، وكذلك وحدات حماية الشعب، وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، على الشبكات القبليَّة المحليَّة لإدارة شؤون السكان القابعين تحت سيطرتهما, بيد أن زعماء المجتمعات المحليَّة القبليَّة لطالما استخدموا هذه الجماعات المسلحة لتحقيق أغراضهم الماديَّة والتموضع على نحو مواتٍ لهم في مقابل الأطراف القبلية الأخرى.
وبعد القضاء شبه النهائي على «داعش» في الحسكة والرقة ودير الزور، لا تزال هذه العشائر تعيش تشتتاً وتعدداً في المرجعية (أكثر من شيخ للعشيرة ذاتها أو للقبيلة)، وهو ما انعكس على كل أبناء القبيلة والعشيرة، وجعل الأرضيَّة خصبة لخلق جيوش ومجموعات بمشاريع متعدِّدة من أبناء العشائر من خلال ترغيبهم بالمال، نتيجة ارتفاع نسبة الفقر, وهذا التشتت جعل إمكانيَّة توحيد العشائر والقبائل مهمَّة صعبة، خاصّة أنَّ مجموعة من العوامل الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وخروج الدولة السوريَّة من هذه المناطق, هدَّد تلك المناطق بمزيد من التشتت, ودفعت نتيجة ذلك قبيلة الشعيطات ثمن تمردها على التنظيم, "أكثر من 1500" قتيل ذبحهم «داعش» حينها، ويبرر الكثير من أبناء تلك المناطق أن الانخراط في التنظيم سببه اقتصادي، بسبب الفقر الذي لحق بمناطقهم نتيجة الجفاف وعدم وجود مشاريع اقتصاديَّة.
خامسا). العشائر والوحدات الكردية:
ذهبت بعض القبائل، كقبيلة شمّر مثلاً، إلى تفضيل «الوحدات» الكرديَّّة على الانخراط مع أي فصيل آخر، فشكلت «قوات الصناديد»، بقيادة الشيخ حميدي الهادي شيخ القبيلة، والتي أصبحت في ما بعد أكبر القوات العربيَّة ضمن تحالف «قوات سورية الديموقراطية ــ قسد»، مع تردّد أنباء عن خلافات متكرِّرة مع «الوحدات» نتيجة اتهامات بتفرد الأخيرة بالقرارات, كما أنَّ الخلاف كان يبرز من خلال تصريحات متكرِّرة للشيخ الهادي في اعتبار الرئيس بشار الأسد هو رئيس البلاد، وأن كل المناطق في النهاية لا بد من أن تتبع لسلطة دمشق, وهو ما فُسّر بأنها رسالة تقارب مع الحكومة السوريَّة، وتأكيد دائم على وحدة تراب البلاد.
ولعلَّ حجم التنكيل والأذى الذي لحق بأبناء العشائر، أدى إلى انقلاب المزاج بشكل كبير لمصلحة الدولة، وتضاعف أعداد القوات العشائريَّة المقاتلة إلى جانبها, وهنا يرى عضو مجلس الشعب، وشيخ قبيلة طي، الشيخ محمد فارس الطائي، أن «العشائر بداية الحرب كانت اتكاليَّة، وكانت تنتظر الدولة لتأتي وتخلصها من الإرهاب، ولم يكن هناك ثقافة رد الاعتداء عن ممتلكاتهم وأرضهم، وهي ثقافة تطورت مع الحرب، وأدت أخيراً إلى مشاركة الآلاف من أبناء العشائر في المعارك ضد الإرهاب».

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 10