منذ عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 بعد فوزه بولاية ثانية بدعم واسع من قاعدة "ماغا" الشعبوية التي صعدت معه منذ حملته الأولى عام 2016. ولدت لحظة صدام بين سلطتين: السلطة الدستورية الرسمية، والسلطة العميقة غير المعلنة التي تمثلها عائلات تاريخية تملك الشركات المالية الكبرى مثل "بلاك روك" و"فانغارد" ومعهم حلفاء من شبكة من الرأسماليين المتخفّين خلف واجهات إعلامية واقتصادية وسياسية.
ترامب: من المهرج إلى العدو الأول للنظام
حين أعلن دونالد ترامب ترشّحه للرئاسة عام 2015، سخر منه الإعلام الأميركي بوصفه مجرد مليونير استعراضي، اشتهر بظهوره في عروض هوليودية وامتلاكه لشبكة مسابقات ملكات جمال. لم يكن يؤخذ على محمل الجد، حتى التقى ب"ستيف بانون" الذي أقنعه بتبني خطاب انعزالي عنوانه: "أميركا أولاً"، رافضًا الحروب الخارجية، والهجرة غير الشرعية، وعبء الناتو، ومساعدات الخارج.
بانون لم يكن يمثل تيارًا حزبياً تقليدياً، بل شبكة غير منظمة من المحافظين اجتماعياً والمعادين للعولمة، وبعضهم ناقم على النفوذ الإسرائيلي في الكونغرس. ومع أن ترامب لم يكن عقائدياً أو منظّراً، فإنه تبنى تلك الأفكار لتصبح لاحقاً هوية شعبوية جذبت ملايين البيض في الأرياف والمدن الصغيرة.
صعود ماغا: تحالف غير تقليدي
شكلت قاعدة "ماغا" تحالفاً وجد فيه الإنجيليين المؤيدين لإسرائيل فرصة لا يجب الا المشاركة في دعمها لاستغلالها لصالح اسرائيل ان لم يكن ممكنا حرفها عن العداء الصريح للاستغلال الاسرائيلي للقوة والثروة الاميركية، وقد تقبل ترامب تأييد الصهيونية المسيحية ومنحهم في المقابل وعودا بتعيين رجالاتهم في ادارته وقد فعل. كما أيد ماغا تيار المحافظين الرافضين لسياسات الحزب الديمقراطي الليبرالية، خصوصًا في قضايا المثلية والهجرة. لكن جوهر التيار، وخصوصًا منذ عام 2020، بات يتمحور حول رفض الحروب الخارجية، والتمرد على الدولة العميقة التي يُعتقد أنها تحكم أميركا فعلياً من خلال الإعلام وشركات المال ومن خلال السيطرة على اراء الناس من خلال استغلال التكنولوجيا في مراقبة الشعبووالتأثير في توجهاته.
علما أنه بدلا عن أن يخترق الصهاينة الانجيليون تيار ماغا، اجتذب هذا التيار جزءا من الكنائس المتطرفة.
وقد حدث منذ العام ٢٠١٦ انقسام داخل مراكز القوة بين المتحكمين بالدولة الاميركية. جزء من لوبي المال والتكنولوجيا رأى فيه فرصة لإعادة توطين الصناعات الأميركية واستعادة بعض "الهيبة الإنتاجية"، بينما تمسّك الآخرون بالعولمة التي تدر أرباحًا هائلة من خلال استغلال العمالة الرخيصة في الصين وجنوب شرق آسيا.
اللوبي المتحكم بالدولة العميقة ترد: حرب كبرى و غزو لايران
مع عودة ترامب في 2025، ارتفعت حدة الصراع. ورغم أنه لا يملك مشروعًا متماسكًا، فإن مجرد تمثيله لتيار ماغا يجعله هدفًا للمنظومة. لكن كيف يتم إسقاط ترامب دون انقلاب صريح؟ الجواب قد يكون: بجره عبر من هم حوله من اللوبي الاسرائيلي الى حرب لا يمكن انهائها الا بورطة عسكرية تمتد لسنوات.
ان تورط ترامب في حرب كبرى مع طهران، فذاك يعني أنه قضى على جميع الوعود التي قطعها لانصاره وبالتالي سيقضي على نموذجه السياسي وعلى الخطر الذي تشكله التيارات الشعبية التي ترفض العولمة وتدعو للانعزال.