رضّع في الشوارع... أطفال بلا هوية

رزان الحاج

2025.06.19 - 10:48
Facebook Share
طباعة

 في مشاهد صادمة تعكس عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها السوريون، تتكرر ظاهرة التخلي عن الأطفال حديثي الولادة في مختلف المناطق السورية، حيث عُثر منذ بداية عام 2025 على أكثر من 17 رضيعًا تُركوا في أماكن عامة، بعضهم وُجد على الأرصفة، وأمام المساجد، وآخرون في حاويات القمامة أو حتى داخل أكياس بلاستيكية.


هذه الظاهرة، التي أخذت بالتصاعد منذ مطلع العام، لم تعد محصورة بمنطقة جغرافية أو طرف من أطراف النزاع، بل باتت تنتشر في جميع أنحاء البلاد، ما يعكس أزمة إنسانية تتجاوز الأبعاد الفردية إلى مستوى الظاهرة المجتمعية.


تنوّعت أماكن العثور على هؤلاء الأطفال، ففي الرقة، عُثر على جثث بعض الرضّع على الأرصفة، فيما تُرك آخرون أمام أبواب المساجد في إدلب ودرعا ودمشق، إلى جانب مناطق في منبج والحسكة واللاذقية. وغالبًا ما تكون الحالات مصحوبة برسائل قصيرة تُركت مع الأطفال، تتحدث عن العجز والفقر وعدم القدرة على تأمين الحياة الكريمة، في حين تُرمى بعض الأجساد دون أي تفسير، وكأنها لا تنتمي لأحد.


في بعض الحالات، بادر السكان المحليون إلى تقديم الرعاية الأولية أو نقل الأطفال إلى مراكز رعاية أو دور أيتام، بينما شهدت مناطق أخرى تقصيرًا واضحًا في الاستجابة أو غيابًا للمؤسسات المعنية، ما يعكس الفجوة الكبيرة بين الواقع المأساوي وواجب الحماية الاجتماعية المفترض.


العدد المُوثق لهذه الحالات، والذي بلغ 17 منذ بداية العام فقط، لا يعكس على الأرجح الصورة الكاملة، إذ إن ما خفي قد يكون أعظم، لا سيما في ظل صعوبة الوصول إلى بعض المناطق وغياب وسائل التوثيق الرسمية في أخرى.


تكرار هذه الحالات وبهذا الشكل المأساوي يدق ناقوس الخطر ويكشف هشاشة الواقع الاجتماعي، إذ تتضافر عدة عوامل لتغذية هذه الظاهرة، أبرزها الفقر المدقع، تفكك الأسرة، غياب الوعي والرعاية، إلى جانب انهيار مؤسسات الحماية الاجتماعية.


الأطفال المتروكون لا يملكون ذنبًا، ومع ذلك يُواجهون مصيرًا مجهولًا منذ لحظات ولادتهم. بعضهم يُكتب له النجاة، بينما يُعثَر على آخرين جثثًا باردة تحت الجدران أو داخل أكياس النفايات.


المجتمع السوري، الذي عرف مآسي الحرب والتهجير والانقسام، يقف اليوم أمام امتحان جديد يتطلب تضافر الجهود، بدءًا من الحكومة والسلطات المحلية، وصولًا إلى منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، للتصدي لهذه الظاهرة من جذورها، عبر إنشاء مراكز رعاية عاجلة، وتفعيل برامج توعية، وتقديم دعم مباشر للأسر المعوزة.


في النهاية، لا يمكن الحديث عن مستقبل سليم لسوريا في ظل أطفال يُلقَون في الظلّ منذ لحظتهم الأولى. مواجهة هذه الظاهرة ليست ترفًا إنسانيًا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية عاجلة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 5