مقدمة:
يُعدّ تحالف "حداش-تعال" أحد الأصوات البارزة في معسكر اليسار داخل الكنيست الإسرائيلي، ويجمع بين توجهات شيوعية وعلمانية يمثلها حزب "حداش"، والنزعة القومية العربية التي يتبناها "تعال". يسعى هذا التحالف إلى تمثيل قضايا الفلسطينيين في الداخل المحتل، ويدافع عن الحقوق المدنية، والسياسات التقدمية، والموقف الرافض للصهيونية. وفي انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين، حصل التحالف على خمسة مقاعد، ما أتاح له هامشًا للحضور في مشهد سياسي تطغى عليه القوى اليمينية المتطرفة. ويضم التشكيل البرلماني للتحالف كلًا من: أيمن عودة، وأحمد الطيبي، وعايدة توما-سليمان، وعوفر كاسيف، ويوسف عطاونة. وتُظهر مواقفهم الجماعية التزامًا واضحًا بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومواجهة ممارسات الاحتلال، والانخراط في قضايا العدالة الاجتماعية ومناهضة التمييز ضد المواطنين العرب داخل الأراضي المحتلة عام 1948. يوفر وجودهم داخل البرلمان الإسرائيلي صوتًا مغايرًا، يعكس معاناة الفلسطينيين وتطلعاتهم في وجه سياسة الإقصاء والتمييز التي تنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
موجزات تفصيلية لأعضاء حزب حداش-تعال:
أيمن عودة:
وُلد أيمن عادل عودة في مدينة حيفا المحتلة عام 1975، وهو سياسي فلسطيني بارز من الداخل المحتل، ويمثل صوتًا نقديًا داخل الكنيست الإسرائيلي، في وجه السياسات العنصرية التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة ضد الفلسطينيين. تلقى تعليمه في رومانيا، حيث حصل على شهادة في القانون من جامعة كرايوفا (1993–1997)، وخلال إقامته هناك، شارك في مسيرات داعمة للقضية الفلسطينية ووسع اطلاعه على النظريات السياسية والتحررية.
رغم حصوله على رخصة مزاولة القانون داخل إسرائيل عام 2001، لم ينضم إلى نقابة المحامين الإسرائيلية. بدأ نشاطه السياسي في مجلس بلدية حيفا ممثلًا عن حزب "حداش" بين عامي 1998 و2005، قبل أن يتسلم منصب الأمين العام للحزب عام 2006، ثم رئاسته عام 2015. وفي العام ذاته، تولى قيادة "القائمة المشتركة"، التي جمعت أبرز الأحزاب العربية داخل الأراضي المحتلة عام 1948، ما جعله أحد أبرز الأصوات الفلسطينية في الكنيست.
عرف عن عودة مواقفه الثابتة في الدفاع عن الحقوق الوطنية والمدنية للفلسطينيين داخل أراضي 48، وتمسكه بخيار حل الدولتين على حدود 1967، مع تأكيده الدائم على رفض الصهيونية كأيديولوجيا إقصائية. يرى عودة أن التعايش العادل بين العرب واليهود يجب أن يقوم على المساواة الكاملة، ويرفض بشكل قاطع النظام القائم على الامتيازات العرقية. وقد قدم مشروع قانون للاعتراف بدولة فلسطينية، في خطوة رمزية تؤكد التزامه بالحق الفلسطيني في تقرير المصير.
يحمل عودة خطابًا نقديًا لاذعًا تجاه الاحتلال، وقد وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ"قاتل السلام المتسلسل"، ما أدى لطرده من الكنيست في إحدى الجلسات، في مؤشر على حدة المواجهة السياسية التي يخوضها داخل البرلمان الإسرائيلي. كما طالب بتدخل دولي لإدانة تقاعس إسرائيل عن حماية المجتمع العربي من تصاعد الجريمة، مشيرًا إلى أن هذا الإهمال يحمل أبعادًا سياسية تهدف إلى تفكيك النسيج المجتمعي الفلسطيني.
خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، لم يتردد عودة في اتهام الحكومة الإسرائيلية بارتكاب جرائم ترقى إلى "الإرهاب المنظم"، معبرًا عن تضامنه مع الضحايا، ومطالبًا بوقف فوري لإطلاق النار وضمان الحماية للمدنيين.
يتولى حاليًا رئاسة الكتلة البرلمانية لتحالف "حداش-تعال"، ويشارك في عدد من اللجان البرلمانية، من بينها لجنة العلوم والتكنولوجيا، إضافة إلى رئاسته لتجمع الشراكة العربية اليهودية من أجل العدالة والمساواة، وعضويته في تجمع مكافحة العنصرية. وتبرز مشاركته في هذه الأطر البرلمانية كجزء من نضاله من داخل المؤسسات الرسمية، رغم القيود، من أجل انتزاع حقوق المواطنين العرب، ومواجهة البنية العنصرية للدولة.
أحمد الطيبي:
أحمد الطيبي، سياسي فلسطيني من الداخل المحتل، وُلد في مدينة الطيبة عام 1958. تلقى تعليمه الطبي في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، وتخصص في طب النساء، وعمل في مستشفى هداسا بين عامي 1984 و1987، قبل أن يتحول إلى العمل السياسي. برز الطيبي كمستشار سياسي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بين عامي 1993 و1999، وهي فترة وضعته في قلب المشهد السياسي الفلسطيني، في وقتٍ كان يُعاد فيه تشكيل العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
أسس الطيبي عام 1996 "الحركة العربية للتغيير" (تعال)، ليخوض بها انتخابات الكنيست في محاولة لتمثيل الفلسطينيين في الداخل ضمن واقع الاحتلال القانوني والسياسي. ومنذ عام 1999، يشغل مقعدًا في الكنيست، مع احتفاظه المتكرر بمنصب نائب رئيس الكنيست، رغم مواقفه الرافضة للصهيونية، ما يعكس تعقيدات حضوره داخل مؤسسة تشريعية تمثل منظومة استعمارية.
يُعرف الطيبي بموقفه الثابت الرافض لتعريف "إسرائيل" كدولة يهودية، ويدعو إلى تحويلها إلى "دولة لجميع مواطنيها"، مع إنهاء جميع الرموز والتشريعات التي تكرّس التمييز العرقي، مثل "قانون العودة" والعلم والنشيد القومي. يرفض تجنيد الفلسطينيين في جيش الاحتلال، ويدافع عن "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين. يصف نفسه بـ"فلسطيني الانتماء، إسرائيلي الجنسية"، ويعبّر علنًا عن رفضه للسياسات العنصرية التي تستهدف الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وفي الأراضي المحتلة.
في الكنيست الـ25، يشغل الطيبي منصب نائب للرئيس، إلى جانب رئاسته المشتركة لتحالف "حداش–تعال" مع أيمن عودة. كما يشارك في لجنتي الكنيست والمالية، ما يمنحه تأثيرًا مباشرًا في بعض الجوانب الإجرائية والرقابية داخل البرلمان، رغم طبيعة الهيمنة الصهيونية عليه.
كان للطيبي دور فاعل في طرح عدد من المبادرات التي تستهدف تحسين ظروف الفلسطينيين في الداخل، منها تأسيس لجنة تحقيق برلمانية لمتابعة التمييز في التوظيف بالقطاع العام، إضافة إلى تمرير قانون لتعويض المسافرين عن تأخير الرحلات الجوية. لكنه يواجه باستمرار عراقيل سياسية، خاصة عند طرح قضايا تمس جوهر الرواية الفلسطينية؛ إذ رفضت هيئة رئاسة الكنيست عام 2012 مشروع قانون قدمه لحظر إنكار النكبة. كما قوبلت تصريحاته التي وصف فيها الشهداء الفلسطينيين بـ"رموز الوطن" بحملة تحريض من الأوساط اليمينية الإسرائيلية.
عرف الطيبي بمواقفه الصريحة، ومنها هجومه على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بسبب سياساته العنصرية، كما اتهم وزير "الأمن القومي" إيتمار بن غفير بالتقاعس المتعمد عن مواجهة موجة العنف داخل المجتمع العربي، والتي يرى مراقبون أنها تُستخدم كأداة لضرب البنية المجتمعية الفلسطينية في الداخل.
تحركات الطيبي ومبادراته تشكل جزءًا من معركة الفلسطينيين في الداخل لانتزاع حقوقهم، وكسر النظام القائم على التفوّق اليهودي، رغم ما يفرضه العمل من داخل مؤسسات الاحتلال من قيود وإكراهات سياسية.
عايدة توما-سليمان:
عايدة توما-سليمان، ناشطة وسياسية فلسطينية من مدينة الناصرة، وُلدت عام 1964، وبرزت كإحدى الشخصيات النسوية القيادية في الداخل الفلسطيني المحتل. حازت على شهادة البكالوريوس في علم النفس والأدب العربي من جامعة حيفا، وكرّست حياتها للعمل الإعلامي والنضال المجتمعي، مركّزة على قضايا النساء وحقوق الفلسطينيين في ظل النظام الإسرائيلي الاستعماري.
شغلت توما-سليمان سابقًا منصب رئيسة تحرير صحيفة الاتحاد، المنبر الإعلامي الناطق باسم الحزب الشيوعي، كما أسّست وترأست جمعية "النساء ضد العنف"، التي تُعد من أبرز المنظمات النسوية في الداخل، حيث قادت حملات لمناهضة العنف الأسري، وافتتحت ملاجئ وآوت نساء ضحايا الانتهاكات، متحدية قيودًا مجتمعية ونظامية في آن.
يُعد دخولها الكنيست عام 2015 تتويجًا لمسيرة طويلة من النضال المدني والسياسي، وهي أول امرأة تنضم إلى لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل، في سابقة كسرت احتكار الذكورية في التمثيل الوطني للفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
تنطلق مواقف توما-سليمان من خلفية نسوية راديكالية، تربط بين النضال الطبقي والاجتماعي من جهة، ومقاومة المشروع الصهيوني من جهة أخرى. هي من أبرز الأصوات المناهضة لقانون "الدولة القومية" الذي يكرّس علنًا تفوق اليهود داخل المنظومة القانونية، ووصفت "إسرائيل" بأنها تنزلق نحو الفاشية المؤسسية. رغم أنها لا تكثر من استخدام مصطلحات صريحة مثل "حق العودة"، إلا أن مواقفها تتماهى مع برنامج حزب حداش الذي يعارض المشروع الصهيوني ويطالب بعدالة تاريخية للفلسطينيين.
في الكنيست الـ25، تشغل توما-سليمان عضوية عدة لجان مؤثرة، من بينها لجنة المالية، والعمل والرفاه، والأمن القومي، وحقوق الطفل، إضافة إلى اللجنة الخاصة المعنية بتعديلات القانون الأساسي للحكومة، ما يضعها في موقع مواجهة مباشرة مع مشاريع التشريع التي تعزز من تغوّل الاحتلال. كما ترأس عدة "تجمّعات برلمانية" تعنى بمكافحة العنصرية، والدفاع عن حرية الصحافة، وحقوق مقدّمي الرعاية، ما يعكس اتساع نطاق اهتماماتها الحقوقية.
تُعد من الأصوات الفلسطينية الجريئة داخل البرلمان الإسرائيلي، حيث لم تتردد في اتهام جيش الاحتلال بارتكاب جرائم حرب في عدوانه على غزة، وهو ما أدى إلى تعليق عضويتها في نوفمبر 2023، في خطوة تعكس تضييق المساحة المتاحة حتى لأبسط تعبير عن التضامن مع الضحايا الفلسطينيين. كما أسهمت في تأسيس لجنة نسائية دولية من أجل سلام عادل، ونظّمت مؤتمرًا داخل الكنيست حول "الدولة الفلسطينية"، رغم محاولات التخريب من قبل أعضاء اليمين المتطرف، ما يكشف استمرارها في تحدي السردية الصهيونية داخل المؤسسة التشريعية.
من أبرز مواقفها مؤخرًا، مهاجمتها لمشروع قانون يتيح للإسرائيليين شراء أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة، واصفة إياه بأنه "ضم على المنشطات"، في إشارة إلى تسارع وتيرة السطو الاستيطاني على أراضي الفلسطينيين.
تمثل توما-سليمان، في سياق مركّب، نموذجًا للمرأة الفلسطينية التي تحاول استخدام الهامش المتاح في بنية استعمارية لرفع صوت الضحية، وفضح من يدّعي الديمقراطية بينما يبني منظومته على النفي والاحتلال والقهر.
عوفر كاسيف:
عوفر كاسيف، أكاديمي وسياسي يهودي معادٍ للصهيونية من الداخل الإسرائيلي، وُلد في 25 ديسمبر 1964 في مدينة ريشون لتسيون، على أنقاض أراضي فلسطينية مُهجّرة. يحمل درجة الدكتوراه في الفلسفة السياسية من كلية لندن للاقتصاد، كما أكمل زمالة ما بعد الدكتوراه في جامعة كولومبيا. عمل قبل دخوله المعترك السياسي محاضرًا في الجامعة العبرية في القدس، لكنه سرعان ما تحوّل إلى أحد الأصوات القليلة داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي التي تتحدى الهيمنة الصهيونية من داخل الكنيست.
رغم التحاقه بالخدمة العسكرية الإلزامية، رفض كاسيف لاحقًا الانخراط في قمع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ما أدى إلى سجنه أربع مرات كمعترض ضميري، في موقف نادر داخل مجتمع يحكمه الإجماع العسكري والسياسي على قمع الفلسطينيين. هذا الرفض كان تعبيرًا مبكرًا عن معارضته الجوهرية للاحتلال، ووضعه على مسار سياسي مناهض للاستعمار الصهيوني.
خاض كاسيف الانتخابات في عام 2019 ضمن قائمة "حداش-تعال"، وكان قد عمل مساعدًا لعضو الكنيست الشيوعي البارز مئير فيلنر، الذي كان من القلة التي عارضت الاحتلال منذ بداياته. حاولت المؤسسة الإسرائيلية منعه من الترشح بسبب تصريحاته "الاستفزازية" – أي تصريحاته التي تتحدى أسس المشروع الصهيوني – لكن المحكمة العليا سمحت بترشحه، في قرار نادر يتعارض مع نهج الإقصاء المعتاد تجاه الأصوات المعارضة من الداخل.
يتبنى كاسيف أيديولوجية ماركسية شيوعية، ويرى في الصهيونية مشروعًا عنصريًا واستيطانيًا يعزز التفوق اليهودي على حساب السكان الأصليين. لا يكتفي بمعارضة الاحتلال بوصفه مشكلة "سياسية"، بل يعارض بنية الدولة ذاتها، التي يعتبرها قائمة على التمييز العرقي والإقصاء القومي. يرفض كاسيف بشدة المستوطنات، ويصف الحكومة الإسرائيلية بأنها "فاشية"، ويتهمها علنًا بممارسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، كما دعم القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية بشأن جريمة الإبادة الجماعية.
موقفه هذا أدى إلى فرض عقوبة غير مسبوقة عليه في نوفمبر 2024، حيث عُلّقت عضويته في الكنيست لمدة ستة أشهر، ولم يُسمح له سوى بالتصويت دون الإدلاء بأي مداخلات أو نشاط برلماني. وقد جاءت هذه العقوبة نتيجة لتصريحاته التي وصف فيها المقاتلين الفلسطينيين في جنين بأنهم "مقاتلو حرية"، وتصريحه بأن "القدس الشرقية ستتحرر وفلسطين ستكون حرّة"، وهو ما اعتُبر تحريضًا من قِبل المؤسسة الصهيونية.
رغم هذه القيود، واصل كاسيف اتخاذ مواقف مبدئية وشجاعة، فكان من بين أكثر من 200 شخصية إسرائيلية وقّعت رسالة دعم لقضية جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية، كما قدّم شهادة مكتوبة إلى البرلمان البريطاني، فضح فيها عنف المستوطنين المدعوم من الدولة في الضفة الغربية المحتلة.
عوفر كاسيف، وإن كان جزءًا من الكنيست الإسرائيلي، إلا أنه يُعد حالة استثنائية لأكاديمي يهودي يرفض الخضوع لمنظومة الاستعمار الاستيطاني، ويتبنّى خطابًا جذريًا منحازًا للحق الفلسطيني. وجوده في الساحة السياسية لا يُعبر عن قبول من المنظومة له، بل هو شاهد على تناقضات "الديمقراطية الإسرائيلية" التي لا تحتمل مجرد وجود صوت من داخلها يُسمّي الأشياء بأسمائها: الاحتلال احتلال، والتمييز عنصرية، والمقاومة حق مشروع.
يوسف عطاونة:
يوسف عطاونة، محامٍ وناشط سياسي فلسطيني من الداخل، وُلد في 26 أكتوبر 1966، داخل حدود ما تُعرف اليوم بـ "دولة إسرائيل" – على أرض ما زالت تحمل جراح النكبة والتطهير العرقي. يحمل عطاونة خلفية أكاديمية في التربية، القانون، والسياسات العامة، وهي أدوات وظّفها في مواجهة منظومة التمييز التي تفرضها الدولة الصهيونية على المواطنين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
عطاونة هو أحد كوادر حزب حداش، الحزب اللاصهيوني الذي يتبنى خطابًا أمميًا معاديًا للعنصرية والاستعمار. ورغم أن ظهوره البرلماني الأول كان قصيرًا بين أكتوبر 2017 وفبراير 2018 ضمن القائمة المشتركة، إلا أن عودته للكنيست في دورته الخامسة والعشرين تمثل استمرارًا لدور أصيل في تمثيل الفلسطينيين داخل مؤسسة بُنيت أصلاً لنفي وجودهم.
تقترب مواقفه السياسية من خط حزبه – دعم حل الدولتين على أساس الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967، مع رفض الصهيونية كأيديولوجيا، والمطالبة بالمساواة المدنية الكاملة للفلسطينيين في الداخل، دون التخلي عن انتمائهم الوطني الفلسطيني. عطاونة، كغيره من أعضاء حداش، يُدرك الحدود التي تفرضها "الديمقراطية اليهودية" التي تفصل بين "المواطنة" و"الولاء القومي"، ويخوض معاركه من داخل الكنيست كمساحة ضغط ومواجهة.
يشارك عطاونة في عدة لجان برلمانية تُعنى بالشؤون الداخلية، التعليم، البيئة، والشباب، ويركّز بشكل خاص على النقب، حيث تُمارس "إسرائيل" أحد أخطر أشكال التهجير البطيء ضد القرى البدوية غير المعترف بها. نشاطه الميداني شمل جولات في مؤسسات تعليمية بدوية محرومة من أبسط حقوق البنية التحتية والخدمات، ورفع الصوت داخل الكنيست حول أهمية التعليم غير النظامي كمساحة بديلة للأطفال الفلسطينيين في ظل غياب الدولة العادل.
في تصريحاته، شدد عطاونة على دور التعليم في مواجهة العنف المجتمعي – وهو عنف لا يمكن فصله عن عنف الدولة البنيوي: من سياسات الإفقار، وهدم البيوت، إلى عسكرة المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر. يرى أن تعزيز فرص الشباب الفلسطيني وتوفير فضاءات آمنة يتطلب تفكيك البنية التمييزية، وليس فقط "الإصلاح من الداخل".
رغم غياب التصريحات النارية أو المواجهات الإعلامية الصاخبة في سجله، يُمثل عطاونة تيارًا وطنيًا هادئًا لكن ثابتًا، يدرك أن العمل البرلماني وحده لا يكفي، لكنه أداة في معركة أوسع من أجل تحصيل حقوق شعبٍ لا زال يُعامل كضيف غير مرغوب به في وطنه التاريخي. وجوده في الكنيست هو شهادة على الصراع السياسي والاجتماعي الذي يخوضه الفلسطينيون في الداخل، وعلى الهوامش الضيقة التي يُسمح لهم بالحركة ضمنها، في نظام يُصرّ على تعريف نفسه كـ "دولة قومية للشعب اليهودي".
فيما يلي تحليل مقارن سردي لأعضاء حداش-تعال في الكنيست الـ 25، يقدم رؤية مركبة لتنوعهم الشخصي والأيديولوجي، ووحدة مشروعهم السياسي داخل الكنيست:
يضم تمثيل حداش-تعال في الكنيست الـ 25 خمسة أعضاء يشكّلون طيفًا سياسيًا متقاربًا من حيث المبادئ الجوهرية، ولكن متنوعًا من حيث التجارب والخلفيات الشخصية. تتراوح أعمارهم بين أحمد الطيبي، المولود عام 1958، وأيمن عودة، الأصغر سنًا، المولود في 1975. وُلد الجميع داخل حدود ما يُعرف بإسرائيل، في مدن وبلدات مثل حيفا، الطيبة، الناصرة، ريشون لتسيون، ومناطق أخرى، مما يعكس الامتداد الجغرافي للفلسطينيين في الداخل.
من حيث التعليم، يُظهر الأعضاء مستوى أكاديميًا مرتفعًا: أحمد الطيبي حاصل على دكتوراه في الطب، عوفر كاسيف على دكتوراه في الفلسفة السياسية، بينما يحمل أيمن عودة ويوسف عطاونة شهادات في القانون، إضافة إلى دراسات في التربية والإدارة العامة لعطاونة. عايدة توما-سليمان درست الأدب العربي وعلم النفس، ما يعكس التزامها المبكر بقضايا مجتمعية وثقافية.
أيديولوجيًا، يشترك الجميع في معارضة الصهيونية كأساس للنظام السياسي الإسرائيلي، لكن يبرز بينهم تنوع دقيق في الخطاب. فبينما يتبنى عوفر كاسيف هوية شيوعية معلنة وينتقد إسرائيل بلغة تتقاطع مع الخطاب الدولي حول "التطهير العرقي"، تميل عايدة توما-سليمان إلى تركيز خطابها على النسوية والنضال ضد العنف المجتمعي والبنيوي. أحمد الطيبي وأيمن عودة يجمعان بين القومية العربية واللاصهيونية، ويقودان تمثيلًا سياسيًا أكثر انخراطًا في العمليات التشريعية، دون التخلي عن جوهر الخطاب المعارض. أما يوسف عطاونة، فخطابه أكثر هدوءًا، لكن تركيزه على قضايا التعليم والشباب، خصوصًا في النقب، يعكس فهمًا عميقًا للهامش المهمّش داخل الهامش الفلسطيني.
من حيث الأدوار، يتشارك عودة والطيبي في قيادة العمل البرلماني، حيث يترأسان الكتلة البرلمانية ويؤدي الطيبي أيضًا دور نائب رئيس الكنيست، وهو موقع رمزي يعكس اختراقًا نسبيًا لبنية البرلمان. عايدة توما-سليمان نشطة في لجان مركزية كمالية حقوق الطفل والأمن القومي، بينما يُقيَّد عوفر كاسيف بتعليق فرض عليه نتيجة مواقفه الجذرية، ما يُبرز هشاشة "الديمقراطية الإسرائيلية" أمام النقد الجذري. يوسف عطاونة يشارك في لجان تعنى بالتعليم والمجتمع العربي، ويعكس خطابه اهتمامًا بالعدالة الاجتماعية في المناطق المهمشة مثل النقب.
تدل هذه التوليفة من القيادات السياسية على تركيبة نادرة داخل الكنيست: مجموعة صغيرة عددًا، لكن ثابتة في موقفها الأيديولوجي، ومسلّحة بخبرة قانونية، أكاديمية، ومجتمعية واسعة. تُمثل هذه المجموعة خطًا يساريًا ناقدًا يتحدى الهيمنة الصهيونية على المجال السياسي داخل إسرائيل، ويطالب بحقوق الفلسطينيين بصفتهم شعبًا أصيلًا لا "أقلية قومية".
ورغم محدودية قوتهم العددية، يفرض هؤلاء الأعضاء خطابًا يعرّي السياسات الإسرائيلية من داخل المؤسسات نفسها. إن تعليق عوفر كاسيف ومنع نشاطات عايدة توما-سليمان أحيانًا، كما حدث في مؤتمرها عن الدولة الفلسطينية، يؤكد وجود سقف منخفض لحرية التعبير السياسي عندما يُكسر الإجماع الصهيوني. ومع ذلك، فإن إصرارهم على العمل من داخل الكنيست – رغم الانتقادات والقيود – يعكس خيارًا استراتيجيًا: البقاء في قلب المؤسسة لإيصال صوت مَن تُحاول تلك المؤسسة إقصاءهم، ليس فقط عن الأرض، بل عن الرواية والتاريخ.
في المجموع، يمثل هؤلاء الأعضاء توجّهًا سياسيًا يعارض المشروع الصهيوني من منطلق المساواة والعدالة، ويقاوم تهميش الفلسطينيين داخل إسرائيل، دون الوقوع في فخ الاندماج الكامل أو الخطاب التوفيقي. إنهم جزء من معركة أطول لا تُخاض فقط في الكنيست، بل على كافة جبهات الصراع من أجل تقرير المصير، والكرامة، والبقاء.