تواجه محافظة الرقة اليوم واحدة من أخطر الأزمات التي طالت قلب نشاطها الاقتصادي والاجتماعي، والمتمثل في الزراعة وتربية الماشية. فبعد أن كانت تُعرف تاريخيًا بأنها من أغنى المناطق الزراعية والرعوية في سوريا، أضحت اليوم تعاني من تدهور حاد في الإنتاج الزراعي وتقلص كبير في الثروة الحيوانية، ينذر بمخاطر تمسّ سبل عيش سكانها وتوازنها البيئي والاقتصادي.
السبب الأبرز لهذا الانحدار يعود إلى الانخفاض المستمر في منسوب مياه نهر الفرات، الذي يُعد الشريان الحيوي لكافة أشكال الحياة الزراعية في المنطقة. هذا الانخفاض لم يكن نتيجة طبيعية فقط، بل جاء في سياق متكرر من انحسار الوارد المائي من الجانب التركي، ما أدى إلى تجفيف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، خاصة "البعلية" منها، التي تعتمد على مياه النهر والمطر بشكل مباشر.
خلال السنوات السبع الأخيرة، تقلصت القدرة الإنتاجية لمعظم أراضي الرقة الزراعية، مما أجبر العديد من المزارعين على هجر أراضيهم أو تقليل المساحات المزروعة، في ظل غياب واضح لخطط استصلاح بديلة أو برامج دعم فعالة، سواء من قبل الجهات المحلية أو الدولية.
ولا يقلّ واقع تربية الماشية سوءًا عن الزراعة. فقد تأثرت المراعي الطبيعية بسبب موجات الجفاف المتلاحقة، ما دفع بمربي المواشي إلى الاعتماد الكامل على الأعلاف الصناعية. هذا الاعتماد تزامن مع ارتفاع جنوني في أسعار الأعلاف، حيث تجاوز سعر طن الشعير 2.5 مليون ليرة سورية، وسعر طن النخالة أكثر من 3 ملايين، الأمر الذي جعل تربية الماشية عبئًا اقتصاديًا لا يُحتمل دون أي دعم تنظيمي أو إغاثي.
وأمام هذا الواقع، اضطر العديد من المربين إلى تقليص أعداد رؤوس الماشية، أو بيعها بخسائر فادحة، فيما غيّر آخرون مهنتهم بالكامل بحثًا عن بدائل للعيش. أما أولئك الذين حاولوا التمسك بمهنة الأجداد، فقد اضطروا إلى التنقل إلى مناطق بعيدة كالبادية السورية بحثًا عن مرعى، غير أن خطر الألغام المنتشرة في تلك المناطق، وغياب الخدمات الأساسية، حال دون استمرارهم هناك، ما اضطرهم للعودة مجددًا إلى ظروف القحط والتكلفة المرتفعة.
تفاقم الأوضاع دفع تجار الأعلاف إلى استغلال حاجة المربين، ما خلق سوقًا احتكاريًا زاد من معاناة الفلاحين ومربي الماشية، دون أي تدخل فعلي لضبط الأسعار أو تقديم حلول عاجلة.
في المحصلة، يبدو أن الزراعة وتربية الماشية في الرقة تقف على شفا الانهيار، ما لم يتم التحرك بشكل عاجل عبر خطة متكاملة تشمل دعم مشاريع الري، تأمين الأعلاف بأسعار مدعومة، وتفعيل برامج حماية الثروة الحيوانية والزراعية. إن إنقاذ هذا القطاع الحيوي لا يتعلق فقط بالرقة، بل باستقرار الأمن الغذائي والاجتماعي لشرق سوريا ككل.