تحركات الأكراد: هواجس دمشق وأنقرة تتجدد

سامر الخطيب

2025.04.29 - 01:31
Facebook Share
طباعة

 
أثار مؤتمر كردي انعقد مؤخرًا في مدينة القامشلي جملة من المخاوف لدى كل من دمشق والحكومة التركية، وسط مؤشرات على عودة التوتر حول ملف الفدرالية والمشاريع السياسية الكردية في شمال سوريا.


رغم أن المؤتمر جاء تحت شعار "وحدة الصف الكردي"، فإن مضمونه وتوقيته حملا إشارات مقلقة لكل من دمشق وأنقرة، ما أعاد إحياء سيناريوهات التقسيم وتدويل القضية الكردية في سوريا.

 

تحولات ما بعد الثورة
منذ انطلاق الثورة السورية، استثمر الأكراد، وخصوصًا حزب الاتحاد الديمقراطي، ضعف السلطة المركزية لإعلان إدارة ذاتية عام 2014، امتدت إلى ثلاث كانتونات شمال البلاد. هذا التحرك، رغم أنه جاء في سياق الفوضى الأمنية والسياسية، اعتُبر خطوة نحو إنشاء كيان كردي مستقل، ما أثار قلقًا تركيًا فوريًا.


أنقرة، التي ترى في حزب الاتحاد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني – المصنّف إرهابيًا لديها – بادرت إلى تنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية لمنع إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية. ورغم محاولات أميركية لتلطيف الصورة عبر إعادة تشكيل الميليشيات الكردية تحت مسمى "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)"، ظل الملف نقطة خلاف جوهري بين تركيا والولايات المتحدة.


المؤتمر الأخير... رسائل مركّبة
المؤتمر الذي نظّمته قوى كردية بمشاركة أكثر من 400 شخصية، حمل في مضمونه ما يفوق حدود "الحوار الوطني الكردي". فبالإضافة إلى مشاركة ممثلين عن دول كأميركا وفرنسا، وحضور شخصيات كردية من العراق وتركيا، حملت الوثيقة الختامية للمؤتمر طروحات تعدّها دمشق خرقًا مباشرًا للاتفاق الموقع بينها وبين قسد في مارس الماضي، والذي نصّ على اندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة.


الوثيقة تضمنت دعوات إلى "سوريا لا مركزية" و"توحيد المناطق الكردية ضمن إطار اتحادي"، وهو ما تعتبره الحكومة السورية انحرافًا عن مسار وحدة الدولة، وتمهيدًا لتقسيم فعلي، حتى لو لم يُعبَّر عنه صراحة.


ثلاث نقاط تقلق دمشق وأنقرة
هناك ثلاث محاور رئيسية في مخرجات المؤتمر أثارت تحفظًا واسعًا:
الدفع باتجاه الفدرالية:
رغم الخطاب الظاهري الداعي لوحدة الأراضي السورية، تضمنت الوثيقة عبارات مثل "سوريا لا مركزية" و"إدارة سياسية كردية موحدة"، ما تراه دمشق تمهيدًا لمشروع انفصالي مغلف بلغة مرنة. هذا الطرح يشكل امتدادًا لمطالب تاريخية تتجاوز ما يُسمى بـ"الحقوق الثقافية والسياسية".


التدويل المتصاعد:
المؤتمر لم يقتصر على الأكراد السوريين، بل شارك فيه ممثلون أكراد من دول الجوار، إضافة إلى دول غربية. كما طالبت الوثيقة بتشكيل "هيئة دستورية برعاية دولية"، وهو ما تعتبره دمشق تدخلًا خارجيًا في شؤونها الداخلية، ومحاولة لفرض حل سياسي لا يعكس موازين القوى على الأرض.


تحدي النظام السياسي القائم:
طرح المؤتمر نموذج حكم برلماني، وصلاحيات واسعة لحكومة "جامعة لكافة الطيف السوري"، ما يتعارض مع توجهات النظام السوري في المرحلة الانتقالية. هذه المطالب تُقرأ من قبل دمشق على أنها نية لتفكيك السلطة المركزية، واستبدالها بهياكل جديدة تحت غطاء "التنوع".


أنقرة... موقف حذر ومتأهب
رغم أن تركيا لم تصدر موقفًا رسميًا من المؤتمر، إلا أن طبيعة التحركات الكردية تعيد للأذهان الخطوط الحمراء التركية القديمة. بالنسبة لأنقرة، فإن التراجع عن اتفاق دمج قسد في مؤسسات الدولة، هو نكوص خطير يستدعي إعادة النظر في خيارات التدخل العسكري.


وتنظر تركيا بعين الريبة إلى ما يُطرح من إنهاء وجودها العسكري في الشمال السوري، أو إلغاء اتفاق أضنة، رغم عدم ورود ذلك بشكل مباشر في الوثيقة. ومع تقليص الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا، ترى أنقرة أن الفرصة سانحة لتقويض نفوذ قسد، إما بالضغط السياسي أو عبر عملية عسكرية محتملة، بالتنسيق مع دمشق.


ما بين التصعيد والحوار
من جانبها، شددت القيادة الكردية على أن الوثيقة ليست سوى "منطلق للحوار"، وأكدت استعدادها للتفاوض بمرونة. لكن دمشق طالبت قسد بإثبات التزامها بالاتفاق السابق، في رسالة واضحة أنها لن تقبل أي مسار يتجاوز وحدانية القرار السياسي والعسكري.


أما تركيا، فمن المرجح أن تراقب تطورات الحوار الكردي – السوري عن كثب، مع استعداد دائم للتدخل، خاصة إن لم تُحلّ الميليشيات الكردية أو تتراجع عن مشاريع الفدرالية.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 6