تبدأ هذا الأسبوع في العاصمة الفرنسية باريس أول محاكمة من نوعها لأحد قياديي جماعة "جيش الإسلام" السورية، في قضية تتعلق بارتكاب انتهاكات خطيرة إبان النزاع المسلح في سوريا. المتهم، مجدي نعمة، المعروف سابقًا باسم "إسلام علوش"، يمثل أمام القضاء الفرنسي بتهم تشمل تجنيد أطفال، والمشاركة في أعمال يشتبه بأنها ترقى إلى جرائم حرب، وذلك خلال الفترة بين عامي 2013 و2016.
مجدي نعمة، البالغ من العمر 37 عامًا، كان قد وصل إلى فرنسا أواخر عام 2019 ضمن برنامج تبادل أكاديمي، قبل أن يتم اعتقاله في يناير 2020. وتشير التحقيقات إلى أنه كان يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم جماعة "جيش الإسلام"، وهي جماعة مسلحة معارضة للنظام السوري، نشطت بشكل رئيسي في ريف دمشق والغوطة الشرقية.
تأسست "جيش الإسلام" من اندماج عدد من الفصائل المسلحة المعارضة، وقد بلغ عدد مقاتليها في ذروة نشاطها نحو 15 ألفًا، وفق تقديرات غير رسمية. وقد وُجهت اتهامات للجماعة بارتكاب مجموعة من الانتهاكات ضد المدنيين، من بينها الاختطاف، والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القانون، واستخدام المدنيين كدروع بشرية.
بفضل مبدأ "الولاية القضائية العالمية"، تمكنت السلطات الفرنسية من مباشرة التحقيق مع مجدي نعمة ومحاكمته، رغم أن الجرائم المزعومة وقعت خارج الأراضي الفرنسية. ويتيح هذا المبدأ للدول محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بصرف النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية الضحايا أو المتهمين، شريطة توفر ظروف قانونية معينة، من بينها تواجد المتهم على أراضي الدولة المعنية وقت التوقيف.
يشارك في الدعوى عدد من الجهات الحقوقية، من بينها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ورابطة حقوق الإنسان في باريس، إلى جانب خمسة أشخاص يُزعم أنهم ضحايا مباشرون للجرائم موضوع المحاكمة. ووفق تصريحات محاميهم، فإن بعضهم شهد على وجود نعمة داخل مراكز احتجاز تابعة للجماعة، كما شاهدوه خلال إشرافه على تدريبات عسكرية.
من جانبه، ينفي الدفاع أن يكون لموكّلهم دور قيادي حقيقي، مؤكدين أنه كان متحدثًا إعلاميًا فقط، ولا علاقة له باتخاذ قرارات عسكرية أو تنفيذها. كما أشار محاموه إلى أن محكمة الاستئناف الفرنسية أسقطت بعض التهم، من بينها تهمة التورط في الإخفاء القسري، بسبب تفسير قانوني فرنسي لا يشمل الجماعات غير الحكومية ضمن هذا النوع من الانتهاكات.
مع ذلك، يرى عدد من الخبراء في القانون الدولي أن المحاكمة تمثل خطوة إيجابية في سياق مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة خلال النزاع السوري. ويشير البعض إلى أن المحاكم الأوروبية أصبحت، في ظل غياب محكمة دولية خاصة بسوريا، منصة شبه وحيدة لمساءلة المتهمين بانتهاكات جسيمة، في ظل عجز المجتمع الدولي عن إنشاء آلية قضائية مستقلة نتيجة اعتراضات سياسية في مجلس الأمن.
ويأمل حقوقيون سوريون، مثل مازن درويش، أن تسهم هذه المحاكمات في ترسيخ ثقافة العدالة، رغم أنهم يقرون بأن ظروف إجراء محاكمات عادلة داخل سوريا ما تزال غير متوفرة في ظل غياب إصلاحات قضائية شاملة.
ختامًا، تمثل هذه القضية تطورًا لافتًا في مسار العدالة الانتقالية، إذ تسلط الضوء على ضرورة محاسبة جميع الأطراف الضالعة في النزاع السوري، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو مواقعهم السابقة.