في زمن كثرت فيه التحديات التي تعصف بالنسيج الاجتماعي في سوريا، يبرز صوت بلدة فاحل الواقعة في ريف حمص كرسالة أمل وإصرار على تجاوز محن الماضي وبدء مرحلة جديدة قوامها السلم الأهلي والتعاون مع مؤسسات الدولة. فقد أصدر أهالي البلدة بيانًا يؤكدون فيه تمسكهم الثابت بالسلم الأهلي كخيار لا بديل عنه، ويعبّرون من خلاله عن رغبتهم الصادقة ببناء مستقبل مستقر وآمن.
جاء البيان ليؤكد أن أبناء البلدة يقفون إلى جانب قوات الأمن العام، ويحرصون على المساهمة الفعلية في حفظ الأمن والاستقرار، بما يضمن حماية المجتمع وتحصين شبابه من الانزلاق نحو الفوضى أو الانجرار خلف الفتن. ويُعدّ هذا الإعلان بمثابة خطوة شجاعة نحو طيّ صفحة الماضي، لا سيما في ظل الظروف التي مرت بها سوريا من تشرذم وتفكك على مدار سنوات طويلة.
المبادرة التي أطلقها أهالي فاحل لا تقتصر على النوايا الطيبة، بل تتجسّد أيضًا في الخطوات العملية التي اتخذها العسكريون السابقون من أبناء البلدة، من خلال تسوية أوضاعهم وتسليم أسلحتهم، وهو ما يعكس الرغبة في الانخراط ضمن بنية الدولة، والتفاعل الإيجابي مع متطلبات المرحلة القادمة.
وفي وقت لا تزال فيه بعض المناطق تعاني من حالة عدم الاستقرار، تبدو فاحل وكأنها تُمهّد الطريق لباقي القرى والمدن لتقتدي بنموذجها، وتعمل على إعادة ترميم الثقة بين المواطن والدولة، عبر الشفافية والتعاون والانفتاح على مفاهيم المصالحة.
إن البيان يحمل أيضًا دعوة موجهة إلى قوات الأمن العام للتحلي بالحكمة والرحمة في تعاملهم مع السكان، وتغليب روح الانتماء الوطني على أي سلوك فردي قد يسيء للعلاقة بين الطرفين. وهو بذلك يرسّخ لقاعدة جديدة في العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، قوامها الشراكة في المسؤولية، واحترام الحقوق والواجبات.
يمكن القول إن الخطوة تعبّر عن نضوج مجتمعي واضح، وإدراك عميق بأن الحلول الأمنية وحدها لا تكفي، وأن السلم الأهلي لا يُفرض بالقوة، بل يُبنى بالحوار، والتفاهم، والانفتاح المتبادل. كما أن إشراك الأهالي في إدارة شؤونهم ومشاركتهم في صناعة القرار المحلي هو من أسس الدولة الحديثة التي يسعى السوريون لبنائها.
في الختام، يُشكل بيان فاحل بارقة أمل في مرحلة دقيقة من تاريخ البلاد. هو دعوة صادقة لتجاوز الماضي، وبناء مستقبل مختلف، أساسه الثقة، وحجر زاويته التكاتف المجتمعي، ورسالة إلى كل السوريين أن الخيار الحقيقي لمستقبل أفضل يبدأ من الداخل، من بلدة صغيرة تؤمن أن الأمن لا يُشترى، بل يُبنى... يداً بيد.